محمد عبد الكريم يكتب: الإرهاب في أوغندا وشبح التجربة النيجيرية (تقدير موقف)

ذات مصر

تجدد منتصف يونيو الجاري تهديد الأنشطة الإرهابية في أوغندا ووصوله لمستويات خطيرة تنذر، على نحو مشابه للغاية، بتكرار التجربة النيجيرية التي لم تفلح حتى الان بعد مرور نحو 15 عامًا على قيام حركة بروكو حرام في الفكاك من تداعياتها الكارثية. وجاء حادث قتل جماعات مسلحة لنحو 41 فردًا من بينهم 38 طالبًا في إحدى المدارس بمقاطعة كاسيسي Kasese الحدودية النائية (على الحدود الأوغندية الكونغولية)([1]) ليثير مخاوف جادة وحقيقية بشأن مستقبل الإرهاب في أوغندا مع تنامي الظاهرة إجمالًا في وسط أفريقيا وتطورها من الإطار التقليدي السائد بتورط جماعات "إسلاموية" إلى تبني جماعات عنف مسلح لنفس التكتيكات الإرهابية الأيديولوجية التي اتسمت بها جماعات مثل بوكو حرام في شمالي نيجيريا، وتبنيها أيضًا سياسات استغلال الظروف المجتمعية في المناطق المحرومة نسبيًا أو التي لا تشملها أجهزة الإدارة الحكومية برعاية كافية من مختلف الجوانب (الأمنية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها). كما تعزز الوضاع السياسية والاقتصادية المضطربة في أوغندا بقوة رجحان السيناريو النيجيري، لاسيما في ظل حالة إنكار واضحة من قبل الرئيس يوري موسيفيني لمشكلات بلاده القائمة والمتوقعة في المستقبل القريب.

حالة الإرهاب في اوغندا: ما الجديد؟

صنفت أوغندا كواحدة من الدولة صاحبة الجيوش القوية في أفريقيا جنوب الصحراء وفق قدراتها القتالية، وانها من اكثر الدول الأفريقية استقرارًا من جهة تراجع انتشار الأعمال الإرهابية بها منذ تفجيرات كأس العالم في العام 2010 (التي قامت بها جماعة "شباب المجاهدين" الصومالية) وحتى نهاية العام 2020 . كما اعتبرت الخارجية الأمريكية اوغندا واحدة من أهم الدول في أفريقيا جنوب الصحراء في ملف مواجهة الإرهاب كونها محاطة شرقًا بالصومال حيث تنشط جماعة الشباب في شرقي الصومال وأجزاء من كينيا والقوات الديمقراطية المتحالفة (أو فرع داعش في جمهورية الكونغو الديمقراطية ISIS-DRC) من الغرب، ولبعها دورًا هامًا في إسناد قوات أميصوم AMISOM، التي تمثل جهدًا دوليًا في مكافحة الشباب، وتعد أكبر دولة مساهمة بقوات في هذه البعثة منذ ديسمبر 2020([2]). 

كما امتلكت أوغندا حزمة معقولة من قوانين مكافحة الإرهاب والحفاظ على الأمن في البلاد، وضاعفت هذا الوضع قوة بتعزيز امن حدودها بشكل كبير منذ العام 2020 آخذة في الاعتبار التداعيات السياسية الخطيرة التي تفرضها التغييرات الأمنية في الإقليم. وظلت -على سبيل المثال- حدودها مع أوغندا شبه مغلقة على نحو دائم بسبب النزاعات السياسية المستمرة. ووظفت هيئات إنفاذ القانون في أوغندا منذ العام 2020  جهدها فيما يعرف "بمكافحة الإرهاب" في التضييق على المعارضة السياسية قبل انتخابات العام 2021 التي شهدت تجديد فترة حكم جديدة للرئيس يوري موسيفني. وعلى سبيل المثال قامت الأجهزة الأمنية التي تعمل وفق قانون مكافحة الإرهاب  Antiterrorism Act بتجميد حسابات مصرفية لأربعة من أبرز دعاة الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني التي تركز جهدها على الحكم الرشيد في نوفمبر 2020 بدواعي مكافحة الإرهاب([3]).  وحلت أوغندا في المرتبة 48 في تصنيف "مؤشر الإرهاب العالمي 2023" إذ حققت 3.599 نقطة وجاءت في المركز 21 أفريقيًا محققة انخفاضًا قدره ثلاثة نقاط عن العام 2020-2021، وتلتها ست دول أفريقية، في المؤشر (وهي جمهورية أفريقيا الوسطى، وإثيوبيا، والسنغال، وإيسواتيني، ورواندا، وجنوب أفريقيا)([4](. 

وربما مثل حادث مقتل 54 جندي من جنود اوغندا في الصومال (ضمن قوة الاتحاد الأفريقي في الصومال Atmis) في 26 مايو 2023 نقطة التحول الرئيسة في حالة الإرهاب في أوغندا واقترابه من زعزعة استقرارها النسبي. فقد قامت مجموعة الشباب بهجوم هو الأول من نوعه من جهة قوته وتطوره التكتيكي منذ شهور استهدف قاعدة للقوات الأوغندية عند بولو مرير Bulo Marer الواقعة على بعد 120 كم جنوب غرب العاصمة مقديشو وقرب الحدود الكينية الصومالية باستخدام سيارة مفخخة عدد من الانتحاريين (قدر موسيفيني في بيان لاحق القوة الإرهابية بنحو 800 عنصر، في مبالغة ربما بتقدير حجم القوة أو ما يعنيه ذلك حال صحته من تغير استراتيجي في عمليات الشباب على نحو ينذر بمزيد من العمليات الكبيرة) بعد اشتباكات بالأسلحة الآلية، وأعلنت "الشباب" احتلالها القاعدة وإلحاق أضرار بالغة بها([5]). وقد ترددت تقارير عن خلل في عمل القوات الأوغندية حسب تصريحات لضابط عسكري أوغندي كبير إذ وصف الغاربة بانها أتت على نحو يتسق مع عمليات الشباب وأنه كان بمقدور الاستخبارات الأوغندية العاملة في مجال مكافحة الإرهاب (في الصومال) مقاطعة العملية والحيلولة دون وقوعها او الخسائر الكبيرة في صفوف القوات الأوغندية في القاعدة التي وصلت لمائتي جندي سقط أكثر من ربعهم في هجوم الشباب([6]).   

 وهكذا انتقلت أوغندا في الأسابيع الأخيرة فقط من حالة الدولة المستقرة نسبيًا في سجل مواجهة التهديدات الإرهابية والحيلولة دون تمددها في الأراضي الأوغندية (رغم التطورات الملحوظة في الحالة الإرهابية والعنف المسلحة في إقليم وسط الأفريقيا الأوسع) إلى حالة مواجهة تهديدات أفريقية غير مباشرة بداية ثم مباشرة مع حادث قتل طلاب إحدى المدارس الأوغندية على الحدود مع جمهورية الكونغو الديمقراطية، وعلى نحو يذكر بشكل ملفت ببدايات تطور الظاهرة الإرهابية في نيجيريا التي لا تزال تؤثر على كبرى دول أفريقيا منذ نحو 15 عامًا دون أفق واضح للقضاء على واحدة من أكبر الجماعات الإرهابية في القارة وهي بوكو حرام. 

القوات الديمقراطية المتحالفة في أوغندا: على خطى بوكو حرام؟

في تصعيد غير متوقع في نوعية الأعمال الإرهابية شهدت الحدود الغربية من اوغندا حادثًا فاصلًا بهجوم قوات نسبت للقوات الديمقراطية المتحالفة على مدرسة بمدينة مبوندوي Mpondwe (16 يونيو الجاري) أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 41 مواطنًا أغلبهم من طلبة هذه المدرسة. وقالت الشرطة الأوغندية في اليوم التالي من الحادث أن إسلاميين متطرفين بالقوات الديمقراطية المتحالفة هم الذين نفذوا العملية الإرهابية في المدينة التي لا تبعد عن الحدود مع الكونغو إلا بمسافة 2 كم تقريبًا. وأكد البيان متابعة القوات الأوغندية عمليات تعقب مرتكبي الحادث ومحاولة استعادة عدد من التلاميذ الذين تم اختطافهم([7])، ونجحت بالفعل في إعادة ثلاثة أطفال لذويهم في 20-21 يونيو الجاري([8]).

وقاد الحادث إلى إثارة تساؤلات خطيرة حول كفاءة القوات الأوغندية ومدى إحكام قبضتها على الحدود المشتركة مع خمسة دول (جنوب السودان وكينيا وتنزانيا ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية)؛ واتضح ذلك في مطالبة المعارضة الأوغندية (21 يونيو) بعودة القوات الأوغندية المنتشرة في الخارج لتعزيز الوضع الأمني داخل البلاد عقب مذبحة 16 يونيو. كما بادر قادة القوات العسكرية والأمنية بتجريم الانتماء للقوات الديمقراطية المتحالفة، وسط اتهامات جادة طالت هذه القوات بأنه ثمة انتشار زائد لعدد من وحداتها خارج البلاد لاسيما في الصومال (ضمن قوات الاتحاد الأفريقي لمواجهة جماعة الشباب) على نحو فاق قدرات أوغندا الأمنية واتاح للقوات الديمقراطية المتحالفة فرصة القيام بهجمات داخل أوغندا([9]).  

وعلى خلفية هذا التصعيد الإرهابي الملفت تظل حالة اوغندا بشكل عام بيئة خصبة لمزيد من التصعيد وتكرار السيناريو الأفريقي الأثير "والمثالي" في هذه الظاهرة وهو "لعنة الموارد" في ظل تراجع سيطرة الحكومة على إدارة كامل التراب الوطني، وعدم المساواة في توزيع الدخل، وتعمق الازمات السياسية. فالاقتصاد الأوغندي لا يزال يعاني من وطأة الأزمات الاقتصادية المتلاحقة رغم نجاحه النسبي في تحقيق نمو وصل في العام الماضي إلى 6.3% (مقارنة بنسبة 5.6% في العام 2021، ويتوقع وصوله في العام الجاري 2023 إلى 6% بعد توقع سابق ببلوغه 6.5%) بالرغم من ارتفاع أسعار السلع، والظروف المالية التي تزداد صعوبة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، واستمرار اضطرابات سلاسل الإمداد العالمية. وفيما يتعلق بالإرهاب وبيئته الحاضنة فإن اضطرابات التغير المناخي تتطلب من أوغندا تدخلًا ضروريًا في الفترة 2020- 2030 بقيمة تقدر بـ 17-28 بليون دولار بمتوسط 1.3-2.2 بليون دولار سنويًا مع استثمارات قائمة في الطاقة المتجددة بقيمة 880 مليو دولار- 2.3 بليون دولار ومحاولة وقف رقعة أراضي الغابات في أوغندا التي تقلصت لتبلغ 9% من مساحة البلاد مقارنة بنسبة 25% في العام 1990([10]).    

كما توقع وزير المالية الأوغندي نهاية مايو 2023 تحقيق بلاده معدل النمو المذكور (6%) في العام المالي الوغندي الذي يبدأ مطلع يوليو المقبل، مع دفعة قوية في قطاع الطاقة في أوغندا بوجود شركات كبرى مثل توتال انيريجيز TotalEneregies  وشركة CNOOC الصينية واللتان تنفذان حاليًا العديد من المشروعات في مرافق حقول الطاقة وخطوط انابيب النفط الخام ومطار ومصفاة لتكرير مشتقات الطاقة في أوغندا بقيمة عدة بلايين من الدولارات مع توقع إطلاق إنتاج البترول بشكل تجاري في العام 2025 إلى جانب إرساء حكومة كمبالا عقدًا بقيمة 2.2 بليون دولار لشركة يابي ميركيزي Yapi Merkezi لتشييد خط سكك حديدية قياسي Standard Gauge Railway (SGR)  بطول 273 كم([11]).  

الإرهاب في أوغندا: ماذا بعد؟

تشي التحولات التي تمر بها أوغندا، مع تصعيد الانتقادات الدولية (الغربية بالأساس) ضد نظام يوري موسيفني على خلفية قضايا مثيرة للجدل مثل علاقاته بروسيا ومسائل "حقوق الشواذ جنسيًا" وطبيعة العلاقات الإقليمية البينية مع دول الجوار لاسيما رواندا والكونغو، بتوفر البيئة تمامًا أمام تصاعد الأنشطة الإرهابية (كما شهدت موزمبيق قبل سنوات وبالتوازي مع دخول شركات الطاقة الدولية للاستثمار فيها) لعدة اعتبارات منها توفر فرص تحصيل الجماعات الإرهابية والإجرامية وغيرها عائدات مهمة من عملياتها في المنطقة، واستغلال هذه الجماعات لحالة الحرمان النسبي لدى جماعات مهمشة على حدود اوغندا لاسيما الغربية مع جمهورية الكونغو الديمقراطية. 

وبالنظر إلى تجربة بوكو حرام في شمال شرق نيجيريا وامتداداتها عبر الحدود إلى دول جوار نيجيريا فإن مقدرات جماعة القوات الديمقراطية المتحالفة وقرب اتصالها جغرافيًا مع جماعة "شباب المجاهدين" في الصومال وشمالي كينيا، وجماعات العنف المسلح والإرهاب في الكونغو الديمقراطية، وتلامسها المحتمل مع جماعات إرهابية في نيجيريا وشمالي موزمبيق وتنزانيا والعديد من دول أفريقيا الوسطى أيديولوجيًا وحركيًا تظل كبيرة ويتوقع تصاعدها في الفترة المقبلة في سيناريو يشبه كثيرًا سيناريو بوكو حرام، ويعززه طبيعة النظام السياسي في أوغندا وعدم توقع حدوث تحولات ديمقراطية حقيقية من الممكن أن تسهم في توفير بيئة مجتمعية ملائمة لأغب مواطني أوغندا وتجفف منابع تجنيد العناصر الإرهابية والإجرامية بشكل ملموس، وهي سيناريوهات ستحسمها الشهور المقبلة بشكل أكثر وضوحًا. 

 

الهوامش


[1] Rodeny Muhumuza, At least 41 killed in rebel attack on Ugandan school near Congo border, APNews, June 17, 2023 https://apnews.com/article/uganda-rebel-attack-students-killed-adf-799f6208d15b1b87e1c441b9d1b19b37 

[2] Bureau Counterterrorism, Country Reports on Terrorism 2020: Uganda, U.S. Department of State https://www.state.gov/reports/country-reports-on-terrorism-2020/uganda/ 

[3] Ibid.

[4] Institute for Economics & Peace. Global Terrorism Index 2023: Measuring the Impact of Terrorism, Sydney, March 2023. Available from: http://visionofhumanity.org/resources (accessed 22 June 2023) 

[5] Uganda says 54 of its AU soldiers killed in May 26 Somalia attack, Africa News, June 3, 2023 https://www.africanews.com/2023/06/04/uganda-announces-54-of-its-au-soldiers-killed-in-may-26-somalia-attack// 

[6] JULIUS BARIGABA, Attack on Atmis base sends shockwaves in Uganda, The East African, May 27, 2023 https://www.theeastafrican.co.ke/tea/news/east-africa/attack-on-atmis-base-sends-shoc-kwaves-in-uganda-4248800 

[7] At least 41 killed in rebel attack in Ugandan school near Congo border, Africa News, June 19, 2023 https://www.africanews.com/2023/06/17/at-least-41-killed-in-rebel-attack-on-ugandan-school-near-congo-border// 

[8] Larry Madowo and Nimi Princewill, Three students abducted in deadly school attack rescued by Ugandan forces, CNN, June 21, 2023 https://edition.cnn.com/2023/06/21/africa/students-rescued-uganda-school-attack-intl/index.html 

[9]Opposition calls for repatriation of troops after school massacre Africa News, June 22, 2023 https://www.africanews.com/2023/06/22/uganda-opposition-calls-for-repatriation-of-troops-after-school-massacre/ 

[10]Uganda Economic Outlook, African Development Bank, 2023 https://www.afdb.org/en/countries/east-africa/uganda/uganda-economic-outlook

[11]Uganda says 2023/24 GDP growth to reach 6%, Reuters, May 30, 2023 https://www.reuters.com/world/africa/uganda-says-202324-gdp-growth-reach-6-2023-05-30/