أحمد أمين يكتب: تبسَّم يا زيلينسكي.. فقد واتتك الفرصة على طبق من ذهب

ذات مصر

لم يكن القدر ليبتسم لزيلينسكي بهذه الأريحية مثلما تبسم له اليوم. فقوات «فاغنر» بدلًا من دك التحصينات الأوكرانية والأسلحة الغربية عظيمة التطور التي تلقاها الجيش الأوكراني منذ انطلاق العملية العسكرية الخاصة؛ قامت بهجمات في الاتجاه المعاكس وفي عمق الأراضي الروسية. ففي الوقت الذي لم تستطع فيه العمليات الأوكرانية الاستخباراتية سوى تسيير الطائرات الموجهة نحو موسكو، ونحو الحدود الروسية المتاخمة، أصبح عدو بوتين الأول قبل زيلينسكي هو يغفيني بريغوجين، قائد ومؤسس هذه الجماعة المرتزقة برعاية بوتين نفسه سابقًا.
 

بدأت حملة روسيا على أوكرانيا منذ أكثر من عام ونصف، قام فيها الجيش الروسي بدك المدن الأوكرانية بكثير من الأسلحة، أعظمها صواريخ «الخنجر» وصواريخ «الشيطان»، بالإضافة إلى المدفعية الثقيلة والطيران الحربي مخلفًا دمارًا واسعًا وهائلًا في البنية التحتية الأوكرانية، ناهيك عن الخسائر البشرية وموجات النازحين المرحب بهم في الغرب. صحيح أن الجيش الروسي لم يبتلع أوكرانيا كما كان متوقعًا له أن يفعل؛ لكن تبقى آثار الحرب مستمرة في كل الأنحاء الأوكرانية. وسيطر الجيش الروسي على الجزء الشرقي من أوكرانيا بالإضافة إلى سيطرة قوات «فاغنر» على باخموت قريبًا. 


وعلى الرغم من الهجمات العسكرية الأوكرانية المضادة التي فشلت الواحدة تلو الأخرى نتيجة لاستهداف الجيش الروسي لهذه الهجمات قبل انطلاقها، لم يواجه بوتين هذا الموقف المعقد منذ بداية الحرب حتى اليوم. فرغم العقوبات الغربية المتتابعة لإجبار روسيا على أيقاف عمليتها العسكرية، لم تتأثر المعارك بهذه العقوبات؛ بل تعززت القدرات المالية لروسيا، وباتت تلك العقوبات موجهة ضد الغرب أكثر من روسيا ذاتها.


أما اليوم، فالمشهد أصبح أكثر خطورة لسير العمليات الروسية في أوكرانيا؛ بل أشد خطورة على مستقبل روسيا ذاتها. فقد انقلب السحر على الساحر. فبدلًا من إكمال العملية العسكرية في الأراضي الأوكرانية، توجهت قوات «فاغنر» في العمق الروسي، بعد وصول موقف بريغوجين لذروته في الاشتباك مع قرارات وزارة الدفاع الروسية والقادة العسكريين الروس الذين اتهمهم بريغوجين على الدوام بالغباء والبطء وعدم الكفاءة، فقامت قواته بالاستيلاء على كثير من المنشآت في مقاطعة روستوف، وأسقطت قواته 4 طائرات حتى كتابة هذا المقال. وخرج على أثرها بوتين في رسالة متلفزة متهمًا «فاغنر» بالخيانة، وأن الرد سيكون قاسيًا جدًا، ملوحًا للغرب بالكارت النووي في حالة فشلت العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا.


على الجانب الأوكراني، فقد باتت الفرصة مواتية للغاية؛ بل وقام بريغوجين بتقديمها على طبق من ذهب لزيلينسكي. فليس على أوكرانيا ومن ورائها الغرب الآن سوى إعادة ضبط القوات العسكرية وإمدادها بالشحنات العسكرية اللازم لاستعادة الأراضي التي سيطرت عليها «فاغنر» ثم سيطر عليها الجيش الروسي منذ بداية العملية. فبهذه التطورات سيحدث تحول استراتيجي عميق في مسار العملية الروسية الخاصة، بعدما أصبح الخنجر موجهًا لروسيا بدلًا من الغرب، وبات الآن على الجيش تطهير الداخل الذي سيشغله عن الخارج بلا تردد. وليس على زيلينسكي ومن ورائه قادة الغرب سوى استثمار اللحظة الراهنة والتحولات في المشهد على الأرض. ولا شك في أن الغرب يجيد هذا بكفاءة، ولن يكتفي إلا بوضع الخنجر على رقبة بوتين نفسه في النهاية.
 

في المقابل، أصبحت التهديدات التي أطلقها بوتين ورفاقه منذ بداية العملية العسكرية الخاصة، وتكرارهم لنيات الغرب والولايات المتحدة في مقدمته، لتفتيت روسيا لكثير من الدويلات على أنقاض روسيا الاتحادية، وأصبحت هذه الادعاءات واقعًا ملموسًا على الأرض بعدما انطلقت شرارتها على يد قوات «فاغنر». وبهذا تكون روسيا أمام مفترق طرق حقيقي. فإما أن تكسر شوكة «فاغنر» والتي ستستلزم وقتًا لا بأس به، وربما تتحول المعارك بدلًا من الميدان في أوكرانيا إلى العمق الروسي وفي قلب موسكو نفسها. وهو ما سيتيح عادة ضبط الأوضاع في الجبهة الأوكرانية لصالح الغرب. 
وربما يلجأ بوتين لصديقه شي جينبينغ لطلب المساعدة للسيطرة على الموقف ولو بصورة غير معلنة. وحينها ستتوسع المعارك بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين من الجهة الأخرى. عندها سيتم استنساخ المعارك في العمق الروسي في الصين والولايات المتحدة وربما كثير من دول أوروبا. فروسيا لن تقبل أن يتم تفتيتها على يد الغرب، وستقوم بالنهج ذاته مع الولايات المتحدة. وبهذا يكون زيلينسكي نجح في إشعال الحرب العالمية الثالثة، وقامت «فاغنر» بتوجيهها بعيدًا عن الغرب بصورة مؤقتة.