حائز نوبل للسلام يُوجج الحرب الأهلية! "التيجراي"شوكة في حلق آبي أحمد

  لا يزال الصراع في إقليم التيجراي الإثيوبي بين الحكومة الاتحادية وجيش الإقليم على أشده، فبعد أن أسفر القتال المتصاعد بين الطرفين خلال الأيام الماضية عن سقوط مئات القتلى، يتوقع محللون أن البلاد تنزلق البلاد نحو حرب أهلية حيث تتصادم قوتان مدججتان بالسلاح في واحدة من أكثر المناطق إستراتيجيةً في القرن الإفريقي. وكان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الحائز على جائزة نوبل للسلام، أعلن خلال الأيام الماضية، تجريد حملة عسكرية نحو إقليم التيجراي بشمال إثيوبيا بهدف نزع سلاح الجبهة "ولضمان السلام والاستقرار نهائيًّا"، على حد تعبيره، وذلك في أعقاب تصاعد التوترات بين الحكومة الاتحادية وقادة الإقليم، على خلفية اعتراضهم على تأجيل الانتخابات البرلمانية حتى العام المقبل، بسبب تفشي جائحة كوفيد-19، وإصرارهم (التيجراي) على إجراء اقتراع محلي في سبتمبر/ أيلول الماضي، وصفته الحكومة الفيدرالية بأنه غير قانوني. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] طوارئ في تيجراي[/caption] لم تهدأ الأوضاع عند هذا الحد، فقد شن آبي أحمد الذي ينحدر من "الأورومو" أكبر جماعة عرقية في إثيوبيا، الحملة العسكرية الأسبوع الماضي، متهمًا قادة إقليم التيجراي بمهاجمة قاعدة عسكرية ومحاولة سرقة معدات، فصوّب طائراته المقاتلة على مستودعات أسلحة في تيجراي، واستولى على مطار الإقليم، وأفاد عمال الإغاثة بأن قتالاً عنيفًا وقع بين الجانبين، غير أن قيادة الإقليم ممثلة في الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي ترفض "ادعاءات" رئيس الوزراء الإثيوبي، وتقول إن آبي "لفَّق القصة لتبرير نشر الجيش". [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] القوميات في إثيوبيا[/caption]

إصلاحات وتهميش!

لفهم حقيقة الصراع بين التيجراي وآبي أحمد المنحدر من قومية أورومو، تجدر الإشارة إلى أن قومية التيجراي كانت تهيمن على السلطة في إثيوبيا لمدة 3 عقود حتى تولى آبي أحمد منصبه في إبريل/ نيسان 2018، وتراجع نفوذ جبهة تحرير تيجراي منذ ذلك الوقت، متهمة رئيس الوزراء بتهميشها وإقصاء مرشحيها عن الحكومة والجيش. وبالفعل بدأ آبي أحمد في تنفيذ "إصلاحاته" بتأسيس حزب الرخاء في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، على أنقاض تحالف عام 1988 الذي تشكل على يد عدد من المجموعات العرقية لمواجهة الديكتاتور مينغيستو، وكان التحالف يضم آنذاك جبهة تحرير تيجراي، والحزب الديمقراطي الأمهري، وحزب الأورومو الديمقراطي، والحركة الديمقراطية الشعبية لجنوب إثيوبيا. إلا أن "جبهة تحرير تيجراي" رفضت الانضمام إلى تحالف حزب الرخاء، بقيادة آبي أحمد، بدعوى أن نسبة تمثيلهم في الائتلاف قليلة قياسًا على تعدادهم البالغ 6.1% من عدد السكان، وبالتالي خسارتهم للنفوذ الذين يتمتعون به، وأصرت على إجراء انتخابات وطنية في سبتمبر/ أيلول الماضي، في مخالفة لقرار حكومة آبي أحمد الذي كان يراهن على تصويت الشعب على رؤيته لبلد موحد سياسيًّا ومتنوع عرقيًّا، قبل تأجيل الانتخابات البرلمانية بسبب جائحة كورونا. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] الجيش الإثيوبي[/caption]

القوة العسكرية لإقليم التيجراي

رودود الفعل السريعة لقيادة إقليم التيجراي على العملية العسكرية للحكومة الفيدرالية، تؤكد بوضوح القوة العسكرية التي يتمتع بها الإقليم، وهو ما أشارت إليه الجبهة في بيانها ردًّا على العملية العسكرية: "شعب تيجراي مسلح الآن بأسلحة حديثة يمكن أن تصل إلى مقر الخوارج"، في إشارة واضحة إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وتعتبر منطقة تيجراي موطنًا لجزء كبير من الأفراد العسكريين الفيدراليين، ومركزًا للكثير من المعدات العسكرية التي هي إرث من الحرب الحدودية الطويلة بين إثيوبيا وإريتريا، جارتها الشمالية، إذ كان الإقليم نقطة للمواجهات العسكرية بين البلدين التي انتهت بإعلان سلام ثنائي قبل عامين. وتحذر مجموعة الأزمات الدولية من صراع طويل الأمد بالنظر إلى القوة العسكرية لإقليم التيجراي "الذي يمتلك قوة شبه عسكرية كبيرة وميليشيا محلية جيدة التدريبات، يعتقد أن عددهم ربما يبلغ 250 ألف جندي مجتمعين". وفي هذا الصدد نذكّر بأن مجمل عدد أفراد الجيش الإثيوبي يبلغ 162 ألف جندي، ويمتلك قوة جوية تتمثل في 86 طائرة جوية، و400 دبابة، وفقًا لمؤسسة "جلوبال فاير باور". [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] صراع تيجراي[/caption]

انقسام الجيش

ليس هذا فحسب، فيمكن للنزاع أن يختبر تماسك الجيش الوطني، ما يضع ضغطًا خاصًّا على القيادة الشمالية، التي يوجد مقرها في تيجراي. فهذه الوحدة تضم أكثر من نصف أفراد الجيش والأقسام الآلية، كما أن لديها نسبة كبيرة من الضباط المنتمين إلى تيجراي. وهذا ما تشير إليه الخبيرة في الشؤون الإفريقية، أماني الطويل، في ما يخص قرار آبي أحمد بإقالة قائد الجيش ووزير الخارجية ورئيس جهاز المخابرات والأمن الوطني، يوم الأحد الماضي. فتوضح في حديثها إلى "ذات مصر" أن استبعاد القادة الأمنيين من مناصبهم يعود لعدم موافقتهم على فكرة الحسم العسكري، على الرغم من أنهم ليسوا من قومية التيجراي، فجزء منهم ينتمي إلى الأمهرا، فجاء قرار آبي أحمد باستبدال قادة من نفس القومية مكانهم لكنْ ولاؤهم مضمون له، ما يعطي دلالات واضحة على تدشين تحالف قوي بين أكبر قوميتين في البلاد. [caption id="" align="aligncenter" width="800"] أماني الطويل[/caption] وتوقعت الطويل اتساع نطاق الحرب بين الحكومة والتيجراي، لعدة أسباب من بينها رفض آبي احمد التفاوض مع التيجراي الذين يَعتبِرون أن آبي فاقد للشرعية السياسية، لعدم إجراء الانتخابات في أغسطس/ آب الماضي، ما يجعلهم يتمادون في العناد، فضلاً عن أنهم (التيجراي) أقاموا الانتخابات البرلمانية، وهي خطوة تفضي إلى إعلان الحكم الذاتي بحسب ما تنص عليه المادة 39  من دستور إثيوبيا.