حسين القاضي يكتب: عمرو عبد الحافظ ورفاقه.. مراجعة صادقة تنتظر عفوا قريبًا

ذات مصر

القرار الرئاسي الأخير بالعفو عن عدد من المحبوسين، مثل: باتريك زكي ومحمد الباقر، استجابة لدعوة مجلس أمناء الحوار الوطني والقوى السياسية، لقي ترحيبا كبيرا، وجعل المطالبات تتواصل للمزيد من خطوات مماثلة في هذا الاتجاه، لتمتد يد العفو وتتوسع فتشمل في قادم الأيام الباحث والشاعر عمرو عبد الحافظ ورفاقه، أصحاب المراجعات في سجن الفيوم العمومي، لأن المجتمع في أمس الحاجة إلى عمرو ورفقائه؛ لدورهم الكبير في التوعية وتفكيك الفكر المتطرف.

عمرو عبد الحافظ، قائد المراجعات، انتمى إلى جماعة الإخوان عام 2001، وفي 14 أغسطس 2016 قرر مغادرة الجماعة بعد مراجعات فكرية بدأها قبل هذا اليوم بأكثر من عام، قرأ خلالها عشرات الكتب، ومن خلال لجنة مكونة من السجناء نظم محاضرات في ساحة التريض في السجن، تحت عنوان: (الإخوان ومنهج التغيير)، تناول فيها تأسيس الإخوان، وشخصية البنا، ومنهج التغيير النبوي مقارنة بمنهج الإخوان، وماذا تحقق من تجربة الإخوان، حتى حاولت قيادة الإخوان منع حديثه في السجن للزملاء، وفي النهاية وبعد إمعان وتفكير في فكر جماعة الإخوان، انتهى إلى مغادرة الجماعة نهائيا.

ثم استطاع أن يجعل سجن الفيوم -الذي يقضي فيه عقوبة مدتها 10 سنوات-، أن يحوِّل سجنه إلى خلوة غيَّرتْ المسار، ففي السجن جرت مراجعات فكرية حقيقية، مثلت ركيزة مهمة في خط المواجهة الفكرية القائمة على العقل والفكر والتجربة، وكان ربان هذه المراجعات هو "عمرو"، الذي قاد انتفاضة فكرية، كشف فيها العيوب المنهجية، والخل الفكري، والتسطيح المعرفي، والمقولات المنحرفة، التي تؤمن بها جماعة الإخوان، وشرعوا في جمع مراجعاتهم في كتب كتبوها داخل السجن، لذلك فهي مخطوطة لم تر النور، منها كتاب:(الصدمة.. بقلم متساقط على طرب

ق الدعوة)، و كتاب (في السجن تعلمت)، لحمزة محسن)، كما كتب حمزة محسن رواية: (أبانوب)، يرصد فيها خطورة الأفكار المتطرفة على تماسك المجتمع واستقرار الدولة، وكتاب أحمد حميدة: (تجربتي مع الجماعة في السجن)، وللباحث والكاتب عماد عبد الحافظ شقيق عمرو، كتاب عنوانه: (في السجن عرفت الإخوان)، وهو مطبوع، كتبه بعد خروجه.

 

وأما عمرو فله كتابان: الأول: يرد بالتفصيل على أفكار حسن البنا وسيد قطب، ويرصد آثارها السلبية على مصر على مدى تسعين عاما، ويشرح كيف أن تبجيل حسن البنا كان في غير محله، فحال عاطفيا دون مراجعة أفكاره وآرائه ومقولاته، وهذا مع الجمود الفكري تحول إلى حبل غليظ يلتف حول عنق الجماعة ليجعلها أثرا بعيدا.

 والثاني: عنوانه: (في السجن عرفت الإخوان)، وهو مخطوط، وقد حصلت عليه كاملا، وهو واحد من أهم الكتب التي عملت على تفكيك فكر الإخوان والإسلام السياسي في السنوات الأخيرة، بطريقة علمية رصينة لا إعلامية متجنية.

يقول عمرو في كتابه: "لم تقنعنا تلك التبريرات التي اعتاد الإخوان أن يعطوها لأنفسهم كلما نزلت بهم نازلة، ولم يرُق لنا أن نلقي باللائمة على غيرنا وعلى الظروف المحيطة، وأيقنا أن السبب يكمن فينا، وأن الإصلاح يبدأ من داخلنا، وعلى الرغم من كل العراقيل التي وضعها في طريقنا خصوم النقد الذاتي؛ بدأنا، حتى استوت في أذهاننا مراجعات فكرية مكتملة، حول مواقف الإخوان السياسية ومنطلقاتها الفكرية التي تأسست عليها، وأخذت تلك المراجعات طريقها إلى عقول الكثيرين، وباسم هؤلاء جميعا أصدرنا بيانا نعلن فيه استقلالنا الفكري والسياسي والتنظيمي عن الإخوان، ولم نكتف بمراجعة المواقف السياسية للإخوان، بل تجاوزنا ذلك إلى مراجعة المقولات الكبرى الحاكمة للجماعة، كما عبر عنها حسن البنا، وانتهينا إلى نتيجة مفادها أن ثمة عيوبا منهجية في الفكرة الأساسية المحورية التي تأسست عليها الجماعة".

وهذا الكتاب (المخطوط) مكون من أربعة فصول:

الفصل الأول: تحدث فيه عن رحلته وزملائه في المراجعات، وواجب الوقت، والمنطلقات التي تبني عليها جماعة الإخوان فكرتها، وتناول الفصل الثاني مشكلات التنظيم، وأولها الأوهام التي جعلت الشباب ضحية لهذا الفكر، وكيفية التعامل مع "إنسان التنظيم"، وتناول في القسم الثالث: منطلقات الأحداث، والصراع وعدم التعلم من الدروس، وأما الفصل الرابع فكان على شاطىء الأفكار المغلوطة، حيث رصد فيه الفروق بين المحنة والهزيمة، وبين الدين والتنظيم، وبين شمولية الدين وشمولية التنظيم، وإضفاء القداسة المتوهمة على الجماعة.

من أهم ما ذكره عمرو في تشخيص أمراض جماعات الإسلامي السياسي وجماعة الإخوان تحديدا، أن حسن البنا ركز في توصيف تراجع الأمة على التراجع السياسي متمثلا في سقوط دولة الخلافة، ومن ثَم أصبح الوصول إلى السلطة محمور ارتكاز في فكر البنا، مما أدى إلى صدمات متكررة مع أنظمة الحكم المتعاقبة، وهو ما عارضه عمرو بنظرة أشمل، قدم فيها توصيفا مختلفا لتراجع الأمة، بأنه تراجع حضاري شامل، خُتم بانهيار الخلافة، ومن ثَم يصبح التعافي الحضاري الشامل للأمة، هو الجدير بأن يصبح محور الارتكاز في نظرية التغيير، وليس عودة دولة الخلافة والوصول إلى السلطة.

قسم عمرو منطلقاتِ الإسلام السياسي إلى ثلاث مستويات، وهذا التقسيم جرى فيه على رأي المفكر الإخواني القطري السابق الدكتور جاسم سلطان، لكن بصورة أوسع عند عمرو في كتابه، وبحسب كل مستوى يتم تمييز الثابت والمتغير عند النقد والتحليل والمواجهات الفكرية العلمية.

المستوى الأول: مستوى (السطح)، والثاني مستوى (القناعات)، والثالث مستوى (المنطلقات)، وهذا التقسيم أيضا مستمد من واقع هذه الحركات وأدبياتها وعقلها الحركي والفكري، فمستوى السطح ويشمل الممارسات اليومية، وطبقة السطح ثمرة سبقتها الطبقة الثانية وهي طبقة (القناعات)، التي صنعت الممارسات الظاهرة، ثم  طبقة (المنطلقات) التي أسست لهذه القناعات.

مراجعات عمرو واضحة وصادقة، وانتهى فيها إلى رأي يقطع قول كل خطيب حينما قالها مدوية: "في نهاية المطاف لم أعد وزملائي مقتنعين بنظرية التغيير الإخوانية، وذلك الخلط بين الدين والتنظيم، وبين الأمة والجماعة، وصرنا لا نرى مبررا لوجود هذا النوع من التنظيمات الشمولية، وأصبحنا نؤمن بضرورة إعادة الاعتبار للمجتمع في مواجهة الجماعة، وإعادة الاعتبار للتيار الفكري العام في مواجهة التنظيمات المغلقة، وإعادة الاعتبار للمؤسسات المتعددة المتخصصة التي تنسق فيما بينها وبين مؤسسات الدولة في مواجهة التنظيمات الشمولية التنظيمية، التي ترى وجوب تمحور الحياة حولها، وترى نفسها في موقع المنافس لمؤسسات الدولة والوريث المرتقب لها".

وإعادة الاعتبار للمجتمع والتيار الفكري العام يتم بكل تأكيد في جو من الحرية والعدالة والتنمية وحرية البحث العلمي وقبول الآخر.

وختاما يقول: "وخرجنا بهذه التجربة من ضيق التنظيم إلى سعة الوطن، ومن شرنقة الجماعة إلى رحابة الأمة، وقريبا بإذن الله نخرج من عتمات السجون إلى أنوار الحرية، لننشر بين الناس خلاصة تجربتنا ونسهم في بناء واقع مصري أفضل".

إنه نداء نأمل أن يلقى استجابة من القائمين على الحوار الوطني، ليضعوا عمرو ورفاقه - أصحاب المراجعات الحقيقية الصادقة- على ردار العفو الرئاسي قريبا ما انطبقت عليهم الشروط.