ما قبل النهائي: لماذا تثق جماهير الأهلي بموسيماني؟

ذات مصر
  يحكي الكاتب الأرجنتيني أوزفالدو سوريانو أن أحد مشجعي نادي "بوكا جونيورز" وهو على فراش الموت طلب من أصدقائه أن يلفوه في علم الفريق المنافس "ريفير بلات" وعندما تساءل الجميع عن السبب كان رده: "لكي يكون الميت واحدًا منهم". لهذا الحد يبلغ الشغف لدى جماهير كرة القدم، فتخوض حربًا لا تنتهي بحثًا عن الفرص الدائمة التي تكفلها كرة القدم. لا يهم إن كنت الأفضل أو الأكثر مهارةً وتنظيمًا، فكرة القدم تكفل لك فرصة الفوز دائمًا. شيء واحد لا تسامح فيه الجماهير أبدًا وهو ألا يشعر اللاعبون أو المدرب بقيمة الفريق فيكفّوا عن البحث عن فرصة الفوز تلك. كل الرسائل التي تبعث بها الجماهير في أثناء التشجيع مفادها أن يتذكر اللاعبون دومًا قيمة القميص الذي يرتدونه، والبعض يذهب لما هو أبعد من ذلك. يُحكي أن  مشجعًا مخلصًا لفريق "فلامنجو" البرازيلي يُدعى "خايمي دي كارفالو" فجّر قنبلة حقيقية في أثناء دخول لاعبي الفريق إلى أرض الملعب ما تسبب في تغطية المدرجات بسحابة من الدخان لبعض الوقت، وأتلفت القنبلة جزءًا من أرضية الملعب. كانت رسالة خايمي واضحة: "أنا أستطيع فعل أي شيء من أجل فريقي.. فماذا عنكم أيها اللاعبون؟" يومان لا أكثر وستلعب مباراة هي الأهم في تاريخ كرة القدم المصري الحديث على مستوى الأندية، الزمالك في مقابلة الأهلي في نهائي دوري أبطال إفريقيا للمرة الأولى في التاريخ. تشعر جماهير الفريقين بالقلق المفرط، وهو أمر منطقي للغاية لكن لدى كل جانب مَواطن اطمئنان أيضًا. المثير لدينا هنا أن جماهير النادي الأهلي تشعر بالاطمئنان لوجود مدرب الفريق الجنوب إفريقي بيتسو موسيماني، وهو الرجل الذي لم يكمل من الوقت ما يبعث في نفوس الجماهير بكل تلك الطمأنينة كما هو بادٍ. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] وصول موسمياني إلى مصر[/caption] لعل جماهير الأهلي تشعر أن "بيتسو" يؤمن بأن "الميت يجب ألا يكون واحدًا منهم" وبأنه قد سمع بأذنيه دوي صوت القنبلة التي تريد جماهير الأهلي تفجيرها لكي يستفيق الجميع. كيف استطاع هذا الرجل أن يكسب ثقة تلك الجماهير المتطلبة بطبعها دون أن يقدم شيئًا ملموسًا على أرض الواقع؟ والآن الرجل على بعد 90 دقيقة فقط كي يصبح أسطورة خالصة في قلوب جماهير الأهلي. دعنا نستدعي بعض المشاهد ونسرد بعض القصص في محاولة فهم ما يحدث. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] مارتن يول[/caption]

وردة مارتن يول الحمراء.. "الذابلة"

"فرصة لي وفرصة لجنوب إفريقيا أن نكون في هذا النادي العظيم. النادي الأهلي فريق قوي، لكن الأهم حاليًّا هو الفوز ببطولة إفريقيا، ليس فقط هذا العام لكن لسبعة أو ثمانية أعوام مقبلة". كان هذا هو التصريح الأول لبيتسو موسيماني المدير الفني للنادي الأهلي. قرر الرجل الحديث عن سيطرة الأهلي إفريقيًّا لسنوات مقبلة قبل تقديمه للجماهير وقبل أن يرتدي قميص الفريق أو تخطو قدماه أرضية ملعب "التتش". يشمُّ مشجع كرة القدم رائحة الادعاء أفضل من دُبٍّ جائع. فقبل 4 أعوام تعاقد الأهلي مع المدرب الهولندي مارتن يول وهو الاسم الضخم في عالم التدريب، ورغم ذلك لم تستسغ جماهير الأهلي مشهد مارتن يول وهو يعلق وردة حمراء في صدره، ابتهاجًا بيومه الأول كمدرب للفريق. شعرت الجماهير أن هذا الرجل العالمي أتى إلى مصر للتنزه، وأنه على يقين بسهولة مهمته وغير راغب في بذل مجهود كبير. في المقابل لم يشكك أحد في صدق حديث موسيماني. يعود السبب إلى أن "يول" لم يكن يعرف شيئًا عن الأهلي من قبل، في حين لمست الجماهير جيدًا وعي موسيماني بقيمة النادي الأهلي، فعلي مرور السنوات وعبر مقابلات الرجل المتعددة طالما تحدث عن عراقة النادي الأهلي لدرجة أنه كان يبث الحماس في صفوف لاعبي فريقه السابق صنداونز بجمل مثل "عليكم النظر إلى عدد النجوم فوق قميص الأهلي لكي تتعلموا معنى الطموح". أدركت جماهير الأهلي أن الرجل لا يُصدق أنه صار مديرًا فنيًّا للفريق الأعرق في القارة. إنه يعي حجم المسؤولية الملقاة عليه. إنه يفهم أنه المختار من بين مدربي إفريقيا كي يحظى بمثل هذا الشرف. لمحت الجماهير ها الشعور بالامتنان في عيني موسيماني منذ اليوم الأول، وهو الشعور الذي يفتقده عادة جمهور الفريق مع وجود مدرب أجنبي. تستعين إدارات الأهلي المتعاقبة بمدير فني أجنبي لاعتبارات عدة أهمها فنية في المقام الأول، لكن للمرة الأولى تشعر الجماهير أن هذا الرجل مميز فنيًّا بالإضافة إلى كونه طَموحًا للغاية. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] رينيه فايلر[/caption]

"فايلر" الذي تبدل

حسنًا، يتفهم موسيماني قيمة النادي الأهلي، لكن هذا لا يكفي بالطبع، فهناك عامل آخر وهو قدرة الرجل على تقديم كرة قدم تليق بالفريق، وتحقق له تلك البطولات المنتظرة. وعلى هذا الصعيد شهدت جماهير الأهلي نفسها عرضًا ساحرًا انتهى بخسارة الفريق بخماسية نظيفة على يد موسيماني نفسه، خلال نسخة دوري الأبطال الماضية. يلعب الرجل كرة قدم تمتاز بالطابع الهجومي والتحكم في مجريات اللعب، وهي الطريقة المفضلة لجماهير الأهلي، والتي قدمها كذلك رينيه فايلر الذي تغلب على موسيماني خلال المباراة التي جمعتهما معًا خلال النسخة الحالية من البطولة. هنا يبرز سؤال واضح: كيف استطاع موسيماني أن يُنسِي جماهير الأهلي فايلر سريعًا، وهو المدرب الأفضل في مسيرة الأهلي منذ سنين؟ فايلر قدم كرة قدم هي الأفضل للأهلي منذ سنوات على المستوى الفني ومستوى النتائج أيضًا، لكن في المقابل لم تشعر جماهير الأهلي أبدًا أن فايلر واحد منها. لن يتحمس فايلر إذا انفجرت قنبلة "خايمي" بجواره، بالعكس قد لا يكمل المباراة أبدًا. يعمل فايلر باحترافية شديدة ويبذل مجهودًا واضحًا ويطبق أفكارًا جديدة على الملاعب المصرية، لكنه وبمجرد أن شعر بعدم الراحة في مصر تبدّل كل هذا في لمح البصر، وتحول إلى نسخة باهتة تَعُد الأيام المتبقية لنهاية عقده والرحيل. تراهن جماهير الأهلي أن "بيستو" الإفريقي الأسمر لن يفعل ذلك أبدًا. نملك الآن عنصرين واضحين مترابطين: قيمة الفريق وكرة القدم الجيدة، ويبقى لنا عنصر أخير قد يجعل من "بيتسو" أسطورة، وهو تفهمه لقيمة جماهير الأهلي التي تجعل من أحبائها أساطير مخلَّدة. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] بوتينمانويل جوزيه[/caption]

مانويل جوزيه و"زقاق المدق"

عام 2011 تعرَّض الباص الخاص بفريق وادي دجلة لحادث أصيب خلاله مدرب الفريق البلجيكي التر مويس لنزيف داخلي، كما وُضِعت ذراعه في الجبس. أسطورة الأهلي آنذاك مانويل جوزيه زار مويس وأهداه رواية مترجمة لنجيب محفوظ، قيل إنها رواية "زقاق المدق". حسنًا، هكذا كان جوزيه، حريصًا كل الحرص أن يفهم المصريين الذي عاش بينهم، وهو الرجل الذي أشار من قبل إلى كونه منحازًا للفقراء سياسيًّا واجتماعيًّا. كان جوزيه هو الأوروبي الوحيد المهتم بمدى تأثير كرة القدم في حياة الفقراء في مصر، كيف أنها تعطي لهم متنفسًا جديدًا وسط واقع مليء بالرتابة وقلة الحيلة. تداولت جماهير الأهلي لقطات ظهر فيها "بيتسو" وهو يسجل على هاتفه لقطات لجماهير الأهلي الغفيرة في أثناء تشجيع الفريق. ربما لهذا تشعر الجماهير أنه يتفهم قيمتهم، لكن هذا لا يكفي بالطبع. يحتاج "بيستو" إلى فهم المصريين أنفسهم ومدى ولعهم بكرة القدم، ولكي يحدث ذلك بالطبع لا توجد فرصة أفضل من كأس أبطال إفريقيا الغائبة. 90 دقيقة فقط ستشكل العلاقة بين "بيتسو" وجماهير الأهلي دون شك. فوز وحيد سيجعل من هذا الرجل الأسمر أسطورة في قلوب جماهير الأهلي، وقد يكون هذا الفوز خطوة أولى في مسيرة 7 أو 8 سنوات مقبلة بالفعل.