علي الصاوي يكتب: هل عادت العلاقات المصرية التركية عند النقطة صفر؟

ذات مصر

ما زال الترتيب للقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان  يستوي على نار هادئة بعد أن أُعلن عن تأجيل قمة رئاسية كان من المفترض أن تُعقد بينهما في السابع والعشرين من يوليو بالعاصمة التركية أنقرة، وقد صرحت جهة دبلوماسية مصرية أن التأجيل جاء بسبب زيارة الرئيس السيسي إلى سان بطرسبرج لحضور القمة الروسية الأفريقية، في حين صرح السفير التركي بالقاهرة صالح موطلوشن بأن الزيارة ستتم في وقت قريب.

كثير من الأوساط السياسية في مصر وتركيا كانت تترقب الزيارة بأهمية بالغة، لما قد يتمخض عنها من مخرجات مهمة وحاسمة في عديد من الملفات محل الخلاف بين الدولتين، وإعادة ترتيب الأوراق المبعثرة منذ عشر سنوات، وتذويب ما كان جامدا من علاقات دبلوماسية وتنشيطها، إضافة إلى إغلاق قوس الصراع بينهما الذي فتح أقواسا لدول أخرى إقليمية لعبت على وتر القطيعة وعملت على دفع الخلاف بين مصر وتركيا نحو الجمود ليظل نهر مصالحها يستمر في الجريان على حساب الدولتين، لذلك كان أفضل عنوان لعودة العلاقات بين مصر وتركيا أنه تقارب الضرورة أو "المضطر" الذي فرضته التحديات الإقليمية والمصالح المتشابكة والأزمات الاقتصادية، واللحاق بقطار المصالحة الشامل في الإقليم.
اختلافات لا خلافات

يعلم كثير من الباحثين في الشأن السياسي وتقدير الموقف أن العلاقات بين الدول ليست بالضرورة أن تكون لعبة الشراكات الدائمة، بل لعبة التحالفات الاستراتيجية المرتبطة بزمان ومكان محددين قد تفرضها الظروف والوقائع، وقد دفعت كثير من العوامل الداخلية والخارجية مصر وتركيا للعودة إلى نقطة البداية وتغليب صوت العقل حرصا على مصلحة الدولتين.

البعض فسّر تأجيل الزيارة بأنها تكشف ما وراء الكواليس من خلافات بين البلدين في ملفات حساسة لم تُحسم بعد، وقد يؤثر ذلك على مسار العلاقات بشكل سلبي وبخاصة لقاء السيسي وأردوغان، وتلك قراءة يدحضها ما حدث من ترفيع التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى سفراء بين البلدين، واتخاذ خطوات أخرى متقدمة في سياق عودة العلاقات منها مباركة السيسي لأردوغان بفوزة بالانتخابات الرئاسية، وتسهيل مصر حصول المواطنين الأتراك على تأشيرة دخول لتنشيط حركة السياحة، والترتيب للقاء قمة كان سيتم بالفعل هذا الشهر قبل أن يُؤَجل، وهذا يدل على أن سفينة التفاهمات رست على بر واضح الرؤى والمعالم لكل من البلدين، وأن المتفق عليه بينهما أكبر بكثير من المختلف عليه، ليس من حيث المضمون بل ربما من حيث الجدول الزمني وآلية التنفيذ.
مخاوف مشروعة

تدرك كل من مصر وتركيا أنهما ما عادتا تملكان رفاهية الخلاف واستمرار القطيعة، فقد فرضت الأزمات الاقتصادية والتدافع الإقليمي المتسارع ونشوب بؤر صراع جديدة واقعا جديدا على البلدين، لكن المخاوف المصرية في كثير من الملفات قد تكون مشروعة حرصا على أمنها القومي، منها الملف الفلسطيني الذي تلعب فيه مصر دورا تاريخيا ما زال مستمرا ولن ترضى بأن يسحب منها هذا الملف لصالح أطراف أخرى، كونه يمثل تهديدا لأمنها القومي فمصر راعية هذا الملف لاعتبارات جيوسياسية وتاريخية وأمنية، وهذا لا يقلل من تعاطف أو مساندة أى دولة أخرى للقضية الفلسطينية.

ترغب مصر في تقليص الوجود العسكري التركي في ليبيا وهذا ملف شديد الحساسية بالنسبة لمصر، وقد يحدث فيه تقدم نسبي خلال الأيام المقبلة لتفهم الجانب التركي مخاوف مصر الأمنية ورغبتها في إنهاء أي تدخل خارجي في ليبيا مع الحفاظ على مصالح الدولتين هناك وفقا لقواعد القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار، فالغاية هى خلق حالة من التوازن السياسي يحافظ على وحدة الأراضي الليبية وإنهاء الصراع.

يأتي حل ملف جماعة الإخوان كخطوة أخرى مهمة في إعادة بناء الثقة بين مصر وتركيا وإظهار الجدية في التعامل مع الملف بحسم لسد أي ثغرة قد تعكر من صفو العلاقات مرة أخرى في المستقبل، وقد نشرت بعض وسائل الإعلام أن تركيا سوف تُسلّم مجموعة من المتورطين في قضايا عنف لمصر وإسقاط الجنسية عن بضعهم، لكن لم يتم التأكد من الخبر كونه من الأخبار ذات المصادر المجهلة وقد يكون هناك من سرّب خبر كهذا لجسّ النبض وقياس رد فعل البلدين، إما لاختبار صحة الخبر أو هزّ الثقة بين أجهزة الدولتين خاصة في مرحلة أوشكت دائرة عودة العلاقات أن تكتمل بلقاء الرئيسين، فمن يريدون إفشال هذا اللقاء أو التشويش عليه كُثر وتسريب مثل هذه الأخبار في هذا التوقيت الحرج دون التأكد من صحتها مؤشر سلبي لا يخلو من ريبة.

الاقتصاد بوابة الحلول

يأتي الانفتاح الاقتصادي بين مصر وتركيا كعمود خيمة في بناء علاقات متماسكة ومستقرة وكلمة مرور لكل ما استعصت عليه السياسة أن تفك شفرته، فمصر بحاجة إلى مزيد من الاستثمارات التركية وتعظيم مواردها من النقد الأجنبي وخلق فرص عمل وتعظيم المنافع الاقتصادية، وتركيا بحاجة إلى توسيع دائرة الاستثمارات في الخارج وفتح أسواقا جديدة لسد فجوة العجز في الميزان التجاري، فكلا البلدين بحاجة إلى تعاون اقتصادي قائم على المنفعة المتبادلة، وهذا ما سعى إليه رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في وقت سابق عقب اجتماعه مع رجال أعمال أتراك من أجل بحث عودة مجالس الأعمال بين البلدين وتسهيل الإجراءات أمام عمل المستثمرين الأتراك في مصر.