في تركيا واليونان والسعودية

أوقاف مصر في الخارج.. قصور وأطيان وجزر بالمليارات يقتلها الإهمال

ذات مصر

فتح حريق وزارة الأوقاف، قبل أيام قليلة، الباب حول أملاك هيئة الأوقاف والأضرار التي لحقت بالمستندات وحجج الملكية، خصوصًا في ظل عدم توافر معلومات كافية حول أملاك وزارة الأوقاف داخل مصر، ليعيد إلى الأذهان ما تمتلكه مصر في الخارج.

هيئة الأوقاف المصرية قدرت في عام 2019 إجمالي الأوقاف تحت إدارتها بنحو تريليون و37 مليار و370 مليون و78 ألف جنيه، مشيرةً إلى أن إجمالي عدد الأوقاف يصل إلى نحو 114 ألف وقف.

«أوقاف مصر» لا تقتصر على الموجود داخل أراضيها لكنها تجاوزت حدودها لتصل إلى الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط والأحمر، فالقاهرة تمتلك أوقافًا في العديد من دول العالم، أبرزها في المملكة العربية السعودية وتركيا واليونان.

الأملاك المصرية في السعودية

في السعودية تمتلك مصر أوقافًا، أبرزها وقفًا باسم إبراهيم باشا بن عبد الله الرومي الشهير بـ"بـاكيرآغا الخربوطري" الذى كان واليًا مصريًا على مكة، وهو عبارة عن 20 ألف متر في حي المسفلة بجوار مكة تم ضمه لتوسعة الحرم المكي، فضلًا عن قطعة أرض مساحتها 300 متر بمدينة مكة المكرمة.

وتمتلك أيضًا أوقافًا في منطقة جبل عمر في مكة المكرمة، وأوقاف «آل جلبي»، و«صالح باشا فريد وزوجته»، و«محمد جلبى الخروطلي»، و«إبراهيم بك الكبير»، و«تكية الأغوات»، و«زين الدين القاضي»، و«عمر مستحفظان»، بعضها ضم للمسجد الحرام، فضلًا عن وقف عائشة هانم صديقة حرم صالح باشا فريد بالمدينة المنورة.

وقف والي مكة “باكير أغا الخربوطلي” بحي المسفلة قدرت قيمته حوالي 20 مليار ريال، بعد ضمها إلى الحرم المكي لإجراء التوسعات خصوصًا أن مساحة الأرض تصل إلى نحو 20 ألف متر.

قصور وأطيان وجزر في تركيا

يعود الوجود التاريخي للأوقاف المصرية في تركيا إلى عصر محمد علي باشا والي مصر، فبعد المعارك التي خاضها من أجل السلطنة العثمانية، في الحجاز ضد الوهابيين، ثم في اليونان ضد ثورة الاستقلال اليونانية، كان الباشا يكافأ من قبل السلاطين، بمنحه إقطاعات وقصورا وأحيانا جزرا كاملة لتصبح ملكا خالصا له. 

على الأراضي التركية تمتلك مصر قصور منيفة، أطيان زراعية واسعة، جزر بحرية كاملة، تقدر قيمتها اليوم بمئات المليارات من الدولارات، لكنها لا تزال تعاني من غياب الحصر الدقيق، والتحركات الرسمية لاستعادتها من الحكومة التركية.

في إسطنبول وحدها تمتلك مصر قصر محمد علي، فضلًا عن قصور أبنائه الذي بنوها في المدينة الشهيرة، علاوى على الأراضي الزراعية التي اشتروها، والشركات التجارية المصرية هناك، وكانت نشرت جريدة الأهرام المصرية منذ سنوات قليلة، وثيقة تعود إلى العام 1883 تشير إلى فرض الحكومة العثمانية ضرائب على ممتلكات حكومة مصر في إسطنبول. 

ووفقا للوثيقة فإن الممتلكات كانت تضم مناطق مهمة، مثل "جالمجا" والتي تعتبر اليوم من أهم المناطق السياحية حاليًا بتركيا، بسبب إطلالتها على مضيق البوسفور وجسر إسطنبول المعلق، فضلًا عن واحدة من جزر إسطنبول واسمها جزيرة البلاطي. 

وفي منطقة بيبيك المطلة على مضيق البوسفور بأسطنبول تمتلك مصر قصر الوالدة باشا المملوك للأميرة أمينة إلهامي حفيدة الخديوي عباس حلمي الأول وزوجة الخديوي توفيق، والتي أوصت الوالدة باشا قبل وفاتها ببقاء القصر في حوزة الحكومة المصرية لاستخدامه كمقر للمفوضية الملكية المصرية في تركيا.

أوقاف مصر في اليونان.. وقصة عمارة محمد علي

أما أملاك مصر من الأوقاف في اليونان، فتشمل قصر محمد علي باشا الذي صار متحفا، ومدرسة تحولت إلى فندق، ونحو 15 قطعة أرض ومتحف محمد علي باشا، وقصر والد محمد علي، وأراضي زراعية مساحتها تزيد على 100 ألف متر مربع، وقبر والد محمد علي، والمدرسة البحرية على بحر إيجة التى بناها محمد علي عام 1748م، بخلاف بساتين شجرية نادرة، إلى جانب عدد من المنازل والحدائق، وبساتين شجرية نادرة، وكذلك أراض وقصور بجزيرة ثاسوس اليونانية.

وفي اليونان أيضًا، تمتلك الأوقاف "عمارة محمد علي" بقولة شمال اليونان، التي كانت مطعماً للفقراء ومدرسة لطلب العلم، وكانت تتسع لمبيت ما يزيد على 100 طالب، وكانت تقدم التعليم المجاني والطعام لهؤلاء الطلاب طوال مدة إقامتهم. وهي أكبر مؤسسة تعليمية أنشأها محمد علي.

وبمرور الزمن، ازدادت "عمارة محمد علي" شهرة وذاع صيت مصر وواليها في أنحاء قولة. فهي لم تكن مجرد "عمارة" صغيرة، بل كانت عظيمة في مبناها، غنية بحدائقها وملحقاتها، عظيمة في مصادر وقفها.

وعملت إدارة الأوقاف الخديوية التي كانت تشرف على الجزيرة، على تعظيم الريع العائد منها، والذي كان مصدره الأساسي معاصر الزيتون ومناحل العسل. ونظرًا لأهمية هذا الوقف كمصدر للخير وللشهرة، نالت "عمارة قولة" اهتمام كل خلفاء محمد علي حتى لقد اتخذه الخديو اسماعيل ذريعة حتى يزيد من حكمه على جزيرة "طاشيوز" ويتدخل في شئون مدينة قولة الداخلية.

ظل الأمر على هذه الحال إلى أن تأسست الجمهورية التركية عام ١٩٢٣، وتوقيع اتفاقات عدة بين اليونان والجمهورية التركية الوليدة، تنازلت بموجبها تركيا عن أملاك الدولة العثمانية الموجودة داخل اليونان.

وهنا ظهرت مشكلة ملكية "عمارة محمد علي" بقولة، فهي تحولت لوقف أي أنها خرجت من حيز الملكية، ثم إنها لم تكن تابعة للدولة العثمانية بل كانت هبة لحاكم مصر، وكانت مصر تتبع الإمبراطورية العثمانية اسميًا، لكنها استقلت عمليًا منذ حكم محمد علي.

ومع تدهور حال مصر بشكل عام طوال القرن العشرين، ضعفت السيطرة المصرية على الأوقاف التي تمتلكها في جزيرة طاشيوز وعلى عمارة قولة، وعانت "العمارة" من الإهمال والتخريب على مدى عقود، وتهدم بعض جدرانها، وتلفت بعض مبانيها، وتوقفت عن أداء دورها التعليمي وانتهى بها الحال إلى أن تحولت إلى ملجأ للنازحين واللاجئين جراء الحروب.

سيدة يونانية تنقذ وقف مصر

وأنقذ هذا الصرح الضخم من الانهيار، سيدة يونانية تنحدر من قولة نفسها، واسمها آنا مصريان، فتواصلت مع وزارة الأوقاف المصرية منذ حوالي 20 عاما أو يزيد، ووقعت عقد إيجار لمدة خمسين سنة.

وقامت السيدة اليونانية بعملية ترميم وتجديد للمبنى، حتى نال إعجاب المتخصصين، واستطاعت أن تعيد للمبنى جماله ورونقه، وحولته لفندق خمسة نجوم أصبح الآن مقصدا للسائحين. ووضعت عليه علم مصر على مدخل الفندق، الذي اسمته "إيماريت/Imaret" وهو النطق اليوناني للكلمة العربية "عمارة".