فَرَضيّة "ألكسندر دوجين": هل تشكل روسيا تحالفًا مع الإسلام السياسي؟

ذات مصر
  كثيرون يقولون إن المؤرخ والمفكر الروسي المعاصر إلكسندر دوجين هو من عقل فلاديمير بوتين.  هذا الرجل هو صاحب النظرية الأوراسية، والذي ينتصر دائمًا في آرائه لعدالة تفوق الشرق على الغرب. “دوجين” كثيف الإنتاج (له كتب مهمة ومتنوعة في الاجتماع والفكر والجيوسياسة)، يتمتع بحضور كبير في الأوساط الروسية، ولعل هذا ما زاد الجدل حول ما طرحه مؤخرًا بشأن ضرورة تعاون روسيا مع تيار الإسلام السياسي لتصير رافعة لقطب إسلاموي تحت راية تحرير العالم العربي والإسلامي من ظلم الولايات المتحدة ومن الهيمنة الغربية، وتساؤلات البعض من الأكاديميين العرب حول حقيقة هذا التحالف بين الإسلاموية والأوراسية وإمكانية وجدوى تأسيسه. حديث دوجين الذي جاء عبر حوار في فضائية “روسيا اليوم” بشأن نمو القطب الأوراسي وتأثيره في العالم وإستراتيجيته نحو الشرق الأوسط، حالة من الجدل الفكري بشأن فرضية أن تصبح روسيا هي الداعم الرئيس للإسلاموية عبر انتقالها من الحضن الغربي إلى الحضن الروسي من عدمه. وكان ألكسندر دوجين قد رأى في ديسمبر/ كانون الأول 2019 أن نشوء تحالف بين الإسلاموية والأوراسية سيوحد العالم الإسلامي في النهاية قائلاً:”سوف نذهب (روسيا والإسلام بنسخته الإسلاموية والإخوانية) إلى اليمن وليبيا ومصر وسوف ترحب بنا شعوب هذه البلدان بالزهور”. [caption id="attachment_116938" align="aligncenter" width="1000"] دوجين[/caption]

أوراسية "دوجين"

الأوراسية التي يعتبر ألكسندر دوجين فيلسوفها وعقلها التنظيري خلال الحقبة المعاصرة هي عقيدة روسية ترغب في التحول من حيز التنظير المثالي إلى واقع سياسي وإلى حركة فاعلة على الأرض هدفها كبح الهيمنة العالمية للغرب، واستعادة روسيا لنفوذها من خلال إقامة الإمبراطورية الأوراسية، والهدف الرئيس الذي يلتف حوله معتنقو الأوراسية هو خلق توازن قوة على خلفية أيديولوجية مع حلف الأطلسي. تتلخص الفكرة المركزية للنزعة الأوراسية في اعتبار روسيا قارة بذاتها، هي أوراسيا المترامية على أجزاء واسعة من أوروبا وآسيا، وتعبر الأوراسية عن الروح القومية الروسية المتجددة الطامحة إلى بسط الهيمنة الجيوسياسية على المحاور البرية والبحرية المجاورة والتي يشكل العالمان العربي والإسلامي أحد أحزمتها المركزية. وعُدّ المشروع الأوراسي “الأوروبي- آسيوي” أحد اتجاهات الفكر الاجتماعي والسياسي في روسيا، وظهرت الفكرة في مطلع القرن العشرين وباتت مطلوبة في بدايات القرن الحادي والعشرين في ظل التوجه الغربي “الأميركي والأوروبي” نحو آسيا بطموحات توسعية جديدة تثير المخاوف والشكوك لدى الكثيرين من سكان هذه القارة. واستنتج الأوراسيون الروس أن المصالح الحيوية لروسيا، تفترض مواجهة الإستراتيجية الأطلسية، بإستراتيجية مضادة هدفها إقامة حلف أوراسي قاري يطلق عليه دوجين اسم “الإمبراطورية الجديدة”، ويضم الشعوب والدول الأوراسية المتضررة من السياسة الأطلسية، وهو حلف لا يقتصر على الجمهوريات السوفييتية السابقة بل يتعداها، ويتضح من أطروحات بعض الأوراسيين الجدد على مختلف اتجاهاتهم أن العالم العربي والإسلامي يحتل موقعًا مهمًّا في الحلف المأمول.

الأوراسية والإسلاموية.. مشتركات ممكنة؟

[caption id="attachment_116939" align="aligncenter" width="890"] شعار الاتحاد السوفيتي[/caption]
انطلق تصور بعض مفكري ومنظري النزعة الأوراسية بشأن إقامة تحالف عابر بين الأوراسية والإسلاموية من منطلق تشاركهما في معارضة النظريات الغربية الليبرالية والاقتراب من فكرة إمبراطورية ما بعد الحداثة وما بعد القومية والتصدي لتوسع الحضارة الغربية عالميًّا من خلال تقليص الحياة السياسية لتكثيف جهود معاداة الغرب ومواجهة الليبراليين. وأفضى العصف الذهني لبعض منظري الأوراسية من أجل بلوغ حلم بناء إقامة إمبراطورية عالمية مركزها روسيا، من شأنها تقويض الحضارة الغربية -أقله تنظيريًّا على الورق- إلى تبني فكرة مفادها استخدام الأداة التي طالما وظفها المحور الغربي للحيلولة دون قيام حلف قاري إستراتيجي حول المحور الجغرافي للتاريخ أي روسيا، سواء أكان بتقليص تأثير عدته الأيديولوجية عالميًّا كما جرى في السابق مع الشيوعية، أم الإسهام في تفكيك الاتحاد السوفييتي بعد حرب أفغانستان، وهي الأداة الإسلاموية عبر توظيف تيار الإسلام السياسي. ما دام هناك خطر وجودي يهدد روسيا كدولة وكيان وحضارة سواء أكان باستخدام الجهاديين والإسلامويين في مناطق الصراع والنفوذ التقليدية بالمنطقة العربية والشرق الأوسط، أم في عقر دار روسيا وبحدائقها الخلفية ومجالها الحيوي من خلال إستراتيجية الثعبان، الهادفة إلى الالتفاف حول روسيا واقتطاع أكبر جزء من الأراضي المحيطة بها للحد من توسعها الجيوسياسي، فلا حدود إذًا ولا سقف أخلاقيًّا -كما يعتقد الكسندر دوجين- في الطريق لبناء تحالفات ومراكمة القوة اللازمة لصد تلك الأخطار ولإقامة إمبراطورية روسيا العظمى.

مثالية دوجين وواقعية بوتين

يرى البعض أن ألكسندر دوجين، الذي يُعد ظاهرة تنظيرية غزيرة الإنتاج دائبة النشاط في الفضاء الفكري للقوة السياسية التي تترجم أطروحاته التي تتسم بقدر كبير من المثالية وغالبًا ما تكون محط انتقادات من خصومه، يفتقد الخبرة العملية، فهو لا يضطلع بدور سياسي يُذكر في روسيا، وعندما يُطالَب بمقاربات واقعية يهرب إلى رؤى عاطفية أكثر منها علمية مثل مطالبته لبوتين بالتخلي عن منصبه ليتسنى لغيره تحقيق ما لم يستطعه الرئيس الحالي من أحلام الروس القومية الكبرى. [caption id="attachment_116940" align="aligncenter" width="1000"] بوتين[/caption] وينظر دوجين إلى بوتين كرجل وطني شجاع حقق أهدافًا كبيرة تضعه في مصاف عظماء روسيا الكبار على امتداد تاريخها القديم والمعاصر، إلا أنه يرى أن بوتين لم يحقق أقصى ما يمكن تحقيقه ولم يمس ذروة آمال الأوراسيين، ولذا صار عليه المغادرة ليترك الساحة لغيره ليكمل مسيرة الإنجازات. بمناقشة هذا الطرح نلفت إلى أن ما حققه بوتين منذ وصوله إلى السلطة عام 2000 من نقل روسيا من حالة الضعف إلى القوة ليس من منطلق أيديولوجي على الرغم من اعتزازه بتاريخ قيصر روسيا الكبير بطرس الأكبر، الذي كان اهتمامه منصبًّا على تأسيس روسيا الإمبراطورية ببناء أسطول روسيا البحري في البحر الأسود والسعي للسيطرة على القسطنطينية “إسطنبول التركية” بعد مواجهات عارمة وملحمية بالتحالف مع إيران ضد العثمانيين. بوتين –في رأي دوجين- زعيم براجماتي ومهتم بالسياسة والإستراتيجية وليس مؤدلجًا، وهو الذي حقق المتاح من عظمة روسيا وهيبتها، ورغم ذلك لم يرَ في تحويل آيا صوفيا إلى مسجد سببًا وجيهًا لمواجهة أردوغان، وحقق ما حققه بأدوات المناورة والتكتيك ومن ضمنها ترويض أردوغان الذي يُعد رأس الإسلامويين والتحكم في خيوطه. [caption id="attachment_116941" align="aligncenter" width="1000"] أردوغان[/caption] ويعتقد ألكسندر دوجين أن التصدي للإسلاموية المتطرفة في سوريا وغيرها وترويض أردوغان واحتواءه هو ما مكّن بوتين من التحول من مواضع انتهاك السيادة الروسية والتفكك وتجرؤ الإسلامويين على الجيش ومؤسسات الدولة ومحاولات الانفصال والتمرد برعاية غربية، إلى موضع الهجوم واستعادة السيطرة وحماية الأمن القومي الروسي واستعادة العافية الاقتصادية وإعادة الثقة للروس بوطنهم كدولة عظمى تتحرك على الأرض وعلى خريطة الأحداث، وليس في فضاء التنظير والأطروحات المثالية. ويتابع: “في حين تأسست فلسفة استعادة الحضور والنفوذ الروسي التي انتهجها بوتين على مواجهة تيار الإسلام السياسي وتقويض مشاريع الإسلامويين الانفصالية وتعزيز حضور الدول والجيوش الوطنية، فشل مشروع إقامة إمبراطورية تركية قائمة على تحالفات وتنسيق ميداني وعلاقات اقتصادية وعسكرية ونفطية مع مختلف الفصائل الإسلاموية بداية من الإخوان وانتهاءً بداعش”. [caption id="attachment_116942" align="aligncenter" width="636"] شعار الإخوان[/caption]
لكن –والكلام لدوجين- لا يمكن إغفال التجرية التركية بزعامة أردوغان مع الإسلاموية كواحدة من أهم مرتكزاتها لتحقيق النفوذ والتوسع الإمبراطوري، والتي انتهت إلى ما يشبه التيه والتخبط سواء أكان على مستوى الهوية أم الدور الحضاري والنفوذ السياسي والإستراتيجي، بالنظر إلى أن تركيا العثمانية هي الأقرب لهذا المشروع الإسلاموي وليست روسيا القيصرية البلشفية.

مُنظرون قدامى لأوراسية مثالية

وكانت لمنظري النزعة الأوراسية قديمًا، التي ظهرت في عشرينات القرن الماضي أمثال نيقولاي تربتسكي وبيوتر سافيتسكي وليف تموميليف وغيرهم، أطروحات أكثر واقعية وغير جانحة للمثالية من خلال التركيز على الخيط الجيوسياسي القريب، بالدعوة لتوطيد علاقات روسيا مع الجمهوريات السوفييتية السابقة واستعادتها إلى الحضن الروسي، مستفيدة من الروابط الاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي ربطت هذه الجمهوريات بالمركز الروسي طيلة العصرين الإمبراطوري والسوفييتي، ومن خيبة أمل بعضها من نتائج توجهها نحو الغرب عقب تفكك الاتحاد السوفييتي، واقتناعها بأن الحضن الروسي أكثر فائدة ودفئًا. أما الطموح الأكبر والأوسع بالامتداد في رحاب القارة الآسيوية التي يقع القسم الأكبر من أراضيها وثرواتها بها، من أجل تحقيق عملي للنظرية الجيوبوليتيكية الأوراسية التي ترى أن روسيا هي قلب أوراسيا باعتبارها دولة أوروبية وآسيوية وأن أوراسيا هي قلب العالم، فيتطلب نسج علاقات وُد وتفاهم وتعاون مع دول مختلفة في القارة الآسيوية والشرقين الأوسط والأدنى، خاصة مع تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى وباكستان والهند وغيرها. في هذه الحالة فإن تبني تحالف أيديولوجي أحادي بناءً على طرح ألكسندر دوجين القائم على محور أوراسي إسلاموي معناه مغازلة دولة واحدة أو اثنتين ضمن تلك القوى، وخسارة بقيتها عبر مضاعفة التناقضات وتضارب المصالح معها بإضافة عائق أيديولوجي ومذهبي يمثل في الحاضر والمستقبل أكبر تحدٍّ لتلك القوى، وهي التي تعتبره الخطر الأكبر الذي يهدد وجودها ومصالحها، وهو خطر الإسلامويين التكفيريين. الفكرة التي طرحها دوجين كأساس لبناء روسيا الجديدة بالتعاون الوثيق مع الإسلام السياسي عبر الزعم بأن روسيا مؤهلة لتصبح رافعة لقطب إسلامي ومستقل وجيش تحرير للعالم العربي والإسلامي من ظلم الولايات المتحدة الأمريكية ومن الخضوع للهيمنة الغربية، تفتقر للواقعية وللمنطق الذي من الممكن ربطه مع أصل المشروع الأوراسي.

مشروع يهدد وحدة روسيا

لا مكان في الطرح الأوراسي التقليدي لطموحات إمبراطورية توسعية، بل هو في أساسه مشروع حضاري حديث يتواءم مع الواقع المعاصر، ما يعني البحث عن مشتركات وخلق روابط ومصالح مشتركة مع القوى المستهدفة بالتقارب والتحالف، لا خلق تحالفات انشطارية أيديولوجية مبنية على أوهام الإمبراطوريات بالمفاهيم القديمة التي تسود فيها دولة على بقية الدول بالأيديولوجيا والمذهب. [caption id="attachment_116943" align="aligncenter" width="1000"] بوتين مع رؤساء الاتحاد الأوراسي[/caption] يتناقض الطرح الأيديولوجي الجديد لألكسندر دوجين مع جوهر الفكرة الأوراسية الجامعة، التي تعتبر روسيا صلة وصل بين حضارتي الغرب والشرق، ما يعني أن دورها هو أن تصبح ملتقى للدروس والعبر التاريخية لتسهم في تذليل التناقضات وعدم الاستقرار التي شهدتها هذه المنطقة عبر التاريخ وفي الحاضر، ما يحتم ضرورة احترام إنجازات الشعوب والحكومات والقوميات والإثنيات القاطنة بهذا المجال، وهو ما تضربه في مقتل فكرة التحالف مع العدو الأكبر لتلك التصورات الحضارية الجامعة وهو التيار الإسلاموي. وما يقلل من قيمة طرح دوجين بشأن إقامة تحالف مع الإسلام السياسي الشمولي والفاشية القومية التركية، أن على الجانب المقابل أفكارًا أخرى تُطرح كمشاريع مستقبلية للهوية والإستراتيجية الروسية لتحقيق نفس الأهداف الإمبراطورية الكبرى، وفي مقدمتها أطروحات المفكرين المحافظين الروس وفي طليعتهم ألكسندر بانارين، الذين يرون أن على روسيا العودة لجذورها البيزنطية الأرثوذكسية والتقاليد الثقافية الروسية، لمواجهة أيديولوجيا العولمة الغربية. لم يغب الحديث عن هوية روسيا الأرثوذكسية ونشأتها كرسالة إلهية والاعتزاز بالثقافة والأدب الروسيين كحالة وظفها فلاديمير بوتين لمواجهة التوظيف الديني لأردوغان وأذرعه الإعلامية، في بدايات الاشتباك بينهما في الملف السوري وعقب إسقاط الطائرة الروسية عام 2015م، عندما وصف إعلاميو أردوغان وكُتّابه الطرف الروسي بـ”الرفيق الكافر”، وصوروا المواجهة مع روسيا كصراع بين المؤمنين والملحدين. على الرغم من رد بوتين في حينها مُوظِّفًا البعد الديني مُعْتزًّا بحضارة روسيا الروحية المشبعة بالثقافة الأرثوذكسية، فإنه لم يتمادَ هو والنخبة الحاكمة والمفكرة سيرًا في هذا المنحى، لأنه بذلك يمنح الإسلامويين فرص تصوير روسيا الحالية كراعية لحملة صليبية مستندة إلى طموحات القياصرة القدامى الذين اختلطت أحلامهم بعواطف دينية متمثلة في الرغبة في حماية الأرثوذكس في العالم، وإعادة السيطرة على القسطنطينية التي احتلها السلطان محمد الفاتح عام 1453م وكذلك الوصول إلى الأماكن المقدسة المسيحية في فلسطين. خاصة وأن لدى القادة الروس سابق خبرة بأساليب الدعاية الإسلاموية تحت إشراف ورعاية أجهزة المخابرات الغربية ضد روسيا، وأقربها نعتها بالدولة الملحدة بغرض حشد أكبر عدد من الإسلامويين العرب لقتالها في أفغانستان. إذا كان تدخل روسيا البراجماتي في سوريا لحماية مصالحها وأمنها القومي في الشرق الأوسط، دون أي حمولات أيديولوجية، قد دفع الإسلامويين الأتراك للقول بأن روسيا قد أعادت للأذهان ما انتقدوه لسنوات من قصف الاتحاد السوفييتي في القرن الماضي، وسيجعل عالي الوجه الروسي في المنطقة سافله، وسيعيد للذاكرة الاجتماعية ما كان يتردد في القرن التاسع عشر من أنه “لا يمكن لكافر موسكو أن يكون رفيقًا”، فما الظن إذًا في حال أعلنت روسيا تبني أيديولوجية ما سواء أكانت أرثوذكسية أم إسلاموية؟ [caption id="attachment_116944" align="aligncenter" width="1000"] التدخل العسكري الروسي في سوريا[/caption] كلا الطرحين غير منسجم مع روسيا كدولة متعددة القوميات والإثنيات والأديان، وكما يتجاهل المشروع الأرثوذكسي الذي تحدث عنه ألكسندر بانارين الملايين من غير الروس، وكذلك عشرات الملايين من المسلمين الذين يشكلون جزءً لا يتجزأ من شعوب روسيا، يتجاهل دوجين عندما يطرح فكرة التحالف الأوراسي الإسلاموي الملايين من الروس من المسيحيين ومن معتنقي الديانات الأخرى، فهل سيتحول الكل إلى روس بالمعنى القومي الإثني، وهل سيصير الكل مسيحيين أرثوذكسًا بالمعنى الديني، أو إسلامويين مؤدلجين على شاكلة العثمانيين الجدد؟ تكمن نقطة الضعف الرئيسة في المشروع المطروح التي تجعله غير قابل للتحقق، أن تحققه يعني تفكك روسيا كدولة فيدرالية يتمتع معظم كياناتها بحكم ذاتي تخضع كلها لسلطة مركزية قوية، تُعد ضرورية للحفاظ على وحدة ولحمة هذه الدولة التعددية الكبيرة الشاسعة والمترامية الأطراف. لا تحتاج روسيا إلى مشروع معولم إسلاموي أو أرثوذكسي يهدد روسيا ذاتها بالتفكك، بل إلى دفاع روسيا عن مواقعها الثقافية والجغرافية وعن مصالحها المشروعة وأمنها القومي، بوصفها دولة حضارية تعددية قد تفضي بها مغامرات اللعب بمشاريع أيديولوجية إلى التفكك والنزعات الانفصالية، وذوبان الهوية القومية الروسية. كما قوبلت أطروحات ألكسندر بانارين بانتقادات من القوميين الروس، الذين اعتبروا أنها تنزع روسيا من جذورها القومية وتذيبها في مشروع كوني معولم، لذا من البدهي أن تواجَه نظرية ألكسندر دوجين الجديدة بانتقادات أكثر حدة من القوميين ومن أنصار الأيديولوجيتين: الاشتراكية والليبرالية بعد أن تجرأ أحد المفكرين الروس وأشهر رغبة في التحالف مع تيار تتصل ممارساته وأدبياته بالفاشية الدينية.