لغز "الإسلام والمسلمين" بالساحل الإفريقي: لا تعاملوها كجماعة واحدة!

ذات مصر
  تضاعفت أعمال العنف التي تنفذها الجماعات المسلحة في منطقة الساحل الإفريقي (تضم دول مالي، وبوركينا فاسو، وغرب النيجر) منذ 2017، وشهدت المنطقة أكثر من 1000 عملية إرهابية، خلفت 8 آلاف قتيل وملايين المشردين، وجرى خلالها استهداف مسؤولين حكوميين وزعماء محليين، وأدت إلى إغلاق آلاف المدارس وتراجع (تقلص) الأنشطة الاقتصادية. وفي خضم هذه الموجة الكبيرة من الإرهاب، برزت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، لتحتل نسبة 64% من إجمالي عدد الهجمات الإرهابية، وكانت “جبهة تحرير ماسينا” (إحدى مكونات نصرة الإسلام والمسلمين) هي المكون الأكثر نشاطًا داخل هذه الجماعة الموالية لتنظيم القاعدة. لعبت العلامة الجهادية والاسم الموحد للجماعة دورًا في بروزها على ساحة العمل الجهادي في منطقة الساحل، وأسهم في تصويرها كتنظيم موحد له نفس مراكز القيادة والسيطرة، وينتشر في أكثر من منطقة، وقد خدم هذا الجهاديين، إذ غطّى على نقاط ضعفهم وجعل من مواجهتهم كأنها ملاكمة ظل، على حد تعبير المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية. [caption id="attachment_116908" align="aligncenter" width="1280"] الجيش المالي[/caption]

جذور النشأة

نشأت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين كتحالف جهادي يضم 4 فصائل مسلحة مرتبطة بتنظيم القاعدة (هي: أنصار الدين، وجبهة تحرير ماسينا، والمرابطون، وإمارة الصحراء التابعة لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي) وتشكلت من خليط من الإثنيات (الطوارق، وشعب الفولاني، والجهاديون العرب الذين تدفقوا عبر دول الساحل والمغرب الإسلامي). قبل ذلك التاريخ، وتحديدًا في 2012، تمكنت ميليشيات جهادية من احتلال شمال مالي (تمبكتو وكيدال) قبل أن يتوجهوا جنوبًا نحو المناطق الأكثر ازدحامًا بالسكان، لكنهم اصطدموا بالقوات الفرنسية والإفريقية التي أطلقت عملية “سرفال” (يناير/ كانون الثاني 2013) لطرد الجهاديين من معاقل سيطرتهم، وبالفعل تمكنت من تفريقهم في أرياف مالي، حيث نجح إياد أغ غالي (أمير جماعة أنصار الدين سابقًا- وأمير جماعة نصرة الإسلام والمسلمين حاليًّا) في تجميع المقاتلين واستخدامهم لتحقيق نفوذ سياسي في أوساط المجموعات المسلحة المختلفة، وحينها قاتل إلى جواره أمادو كوفا، الذي شكل لاحقًا “جبهة تحرير ماسينا” وأطلق تمردًا مسلحًا في وسط مالي، بعد تفرق شمل “أنصار الدين” خلال عملية “سرفال” الفرنسية، وتشعبت علاقته حتى بوركينا فاسو بعد أن مدّ صلات مع جماعة أنصار الإسلام التي قادها إبراهيم ديكو. وبعد مقتل “ديكو” في 2017، اندمج مقاتلون من جماعته مع “جبهة تحرير ماسينا” ووسعوا دائرة عملياتهم لتصل إلى وسط مالي وجنوبي وشمال بوركينا فاسو، واتبعت تكتيكات أعنف، كما نجحت في زيادة معدل التجنيد واستقطاب جيل جديد من المقاتلين، وكسب وتوظيف مصادر تمويل عملياتها. ووفقًا لخبراء، فإن الجماعات المرتبطة بـ”نصرة الإسلام والمسلمين” تجني سنويًّا ما بين 18 و35 مليون دولار، معظمها من الضرائب التي تفرضها على المارين عبر الطرق التي تسيطر عليها (خاصة جماعات الجريمة المنظمة التي تستغل تلك الطرق) وابتزاز المجتمعات العاملة في التعدين الحرفي، وبدرجة أقل من عمليات الخطف والفدية. [caption id="attachment_116909" align="aligncenter" width="1263"] جماعة نصرة الإسلام[/caption]

علاقة معقدة بالقاعدة

رغم أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين أعلنت سابقًا ولاءها لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، لم يطور التنظيم أي قواعد للدعم المحلي في منطقة الساحل، علاوة على تآكل نفوذ الجماعة الإقليمي في الجزائر التي شهدت في 2007 ميلاد هذا الفرع القاعدي. ومن المحتمل أن يكون مقتل قادة القاعدة البارزين في تلك المنطقة، وعلى رأسهم عبد المالك درودكال “أبومصعب عبد الودود” (أمير القاعدة في المغرب الإسلامي- سابقًا)، وجمال عكاشة “يحيى أبو الهمام” (القيادي بفرع الصحراء في “قاعدة المغرب الإسلامي”)، وعلي ميشو (الرجل الثاني في نصرة الإسلام والمسلمين سابقًا)، ومحمد ولد النويني (المرابطين)، قد قوّض التأثير المباشر الذي يدّعيه “القاعدة” على الجماعة، ومع ذلك تبقى الجماعة ظاهريًا موحدة وغير قابلة للهزيمة بسبب تماسكها الذي يبدو تحت وطأة الضربات التي تلقتها. [caption id="attachment_116910" align="aligncenter" width="512"] بيان تأسيس نصرة الإسلام[/caption]
اختلاف الأهداف والتكتيكات والأقاليم
تحاول “نصرة الإسلام والمسلمين” تقديم نفسها كجماعة موحدة، ورغم هذا يظهر أن داخل بنيانها الهيكلي 4 فواعل رئيسة، ويلعب كل واحد منهم دورًا في إطار الجماعة، فتوجد 4 مناطق للعمليات، كل منها مدفوع بالديناميات المحلية، وهي:
  • شمال مالي 
وتحافظ جماعة أنصار الدين بقيادة إياد غالي على نفوذها في تلك المنطقة، ويُبقي “غالي” على روابط مع قادة قبائل الطوارق المحليين، كضمانة لتحقيق النفوذ، كما وفرت الجماعة مساحة نشاط لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، لكن يحتمل أن تكون “أنصار الدين” هي المسيطرة على تلك المساحة، بعد مقتل قادة القاعدة البارزين في المغرب الإسلامي.
  • وسط مالي وشمال بوركينا فاسو
وتنشط فيها جبهة تحرير ماسينا، وعمد أمادو كوفا، الذي ينحدر من إثنية الفولاني، لاستغلال الصراعات المحلية داخل المجتمع المالي، لتعزيز العنف الذي تمارسه جماعته، وفرضت الجبهة تطبيقًا صارمًا لقواعد الشريعة الإسلامية (بما في ذلك عشور التجارة والزكاة، وفرض قواعد سلوك صارمة على النساء.. إلخ)، واتبعوا تكتيكات أكثر عنفًا، فضلاً عن استهدافهم للمدنيين أكثر من أي جماعة أخرى من الجماعات المكونة لـ”نصرة الإسلام والمسلمين”، وقتلهم الزعماء المحليين، والأئمة المختلفين معهم. ويبرز هنا أحد الفوارق بين إياد غالي وأمادو كوفا، فمشروع الأول يرتبط بتحقيق نفوذ سياسي، أما الأخير فيسعى لتطبيق وجهة نظره الدينية الصارمة داخل المجتمع الذي يعيش فيه.
  • شرق بوركينا فاسو وحدود النيجر
تزايدت هجمات الجماعات المرتبطة بـ”نصرة الإسلام والمسلمين” في تلك المناطق منذ 2019، ووصلت حتى حدود دولتي “بنين” و”توجو”، ومن الواضح أن النشاط في تلك المنطقة يستهدف للسيطرة على عمليات تعدين الذهب والتي قد تمكن الجماعة من استخلاص وبيع نحو 725 كجم من الذهب بقيمة 34 مليون دولار سنويًّا.
  • الجنوب الغربي لبوركينا فاسو
تتميز المنطقة الحدودية الواقعة بين بوركينا فاسو ومالي وكوت ديفوار بانتشار أنشطة تهريب البضائع والأسلحة الصغيرة والتنقيب عن الذهب، ويسعى مقاتلو جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في تلك المنطقة، لكسب موطئ قدم لتحصيل إيرادات مالية من تلك الأنشطة. [caption id="attachment_116911" align="aligncenter" width="1920"] مقاتلو الطوارق[/caption]

البنيان الهيكلي

يمثل البنيان الهيكلي لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين أحد عوامل قوتها، فالجماعات الأربع المكونة لها تتماهى في داخل هذا البنيان، وهو ما يخفي نقاط الضعف لدى تلك المجموعات منفردة، ويُوسع من دائرة انتشارها، وبالتالي يُعطي صورة غير دقيقة عن قوتها وفاعليتها العملياتية، ولا يسمح بفصل وتمييز التكتيكات التي تستخدمها كل جماعة على حدة، وبالتالي يُعقد من جهود مواجهتها. وقد أسهمت المحددات السابقة في عدم ظهور أثر للضربات التي تلقاها تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي ونظيره (المرابطين) في الفترات الأخيرة. وعلى نفس الصعيد، لا يبدو أن الوجهين الأبرز لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين (إياد غالي- أمادو كوفا) قادران على السيطرة بالكامل على الجماعة متعددة التكوينات، ما يؤدي إلى حدوث عمليات انشقاق للمقاتلين لأسباب عدة. وقد تؤدي الفوارق والخلافات بين شخصيهما إلى حدوث صدام بينهما، خاصةً مع زيادة الدور الذي يلعبه “كوفا” وسعيه لإظهار جبهته كجماعة أيديولوجية فريدة وسط التركيبة البنيوية للجماعة الأم. وقد يؤدي تآكل الدعم الشعبي لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين إلى الحد من نشاطها في تلك المنطقة، خاصة أن التقارير تُشير إلى كونها مسؤولة عن نحو 78% من الهجمات التي نُفذت ضد المدنيين في تلك المنطقة منذ 2018. [caption id="attachment_116912" align="aligncenter" width="1500"] العملية الفرنسية في الساحل[/caption]

توصيات للمواجهة

اقترح خبراء المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية 6 توصيات لمواجهة النشاط الإرهابي لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين في الساحل الإفريقي، وهي: 1- التوقف عن التعامل مع الجماعة ككيان واحد. وهذا يعني السعي لتحديد المكون الأكثر فاعلية فيها وعزل المجموعات التشغيلية الرئيسة، وهذا يتطلب تعاونًا أمنيًّا واستخباريًّا عاليًّا بين الحكومات في تلك المناطق. 2- تعزيز عمليات مكافحة التمرد في وسط مالي وشمال بوركينا فاسو. ويستهدف هذا الإجراء قطع الطرق أمام نشاط مجموعات جبهة تحرير ماسينا، وتعزيز الأمن وانتشاره في المنطقة، وبالتالي تحييد النشاط الإرهابي تدريجيًّا. 3- استهداف الشبكات الإجرامية المتحالفة مع “أنصار الدين”. أدرك مشغلو الشبكات الإجرامية أن تعاونهم مع تنظيم إياد غالي سيجلب المشكلات لعملهم، فمن المحتمل أن يعيدوا التفكير في تلك العلاقة، وهذا سيقوض فاعلية شبكة أنصار الدين المالية. 4- حماية السكان المحليين. يجب أن تُدرك أجهزة الأمن/ الجيوش في المنطقة أن السكان المحليين يخشون الجماعات المتشددة، ويرغبون في تقديم الدعم للحكومات وأجهزة إنفاذ القانون، لذا يجب التركيز على بناء علاقة قوية مع تلك المجتمعات، والعمل مع مؤسسات المجتمع المدني لحماية وتنمية تلك المجتمعات. 5- استمرار التفاوض حول تسوية الصراع. رغم تمسك إياد غالي سابقًا بمطالب شبه مستحيلة التنفيذ، كانسحاب القوات الفرنسية من مالي، قد يؤدي استمرار التفاوض إلى نزاع بين “غالي” وأمادو كوفا وهو ما يضرب التآزر بين مكونات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين. 6- إعادة إدماج المقاتلين من المستويات التنظيمية الدنيا. ينبغي على الحكومات أن تسعى لتحريض المقاتلين في المستويات التنظيمية الأدنى على الانشقاق، وتعيد تأهيلهم وإدماجهم في مجتمعهم، ومن شأن هذه المقاربة أن تضع خيارًا إضافيًّا أمام المقاتلين وتدفعهم للتفكير في الخروج من الجماعات المتشددة وهو ما يُضعفها بالتأكيد، والتجارب السابقة في مكافحة الإرهاب تُثبت فاعلية هذا النوع من المقاربات في مواجهة الجماعات المسلحة.