بعد رفع اسمه من القائمة السوداء: هل يكون مُستقبل السودان أبيض؟

ذات مصر
  كان الاثنين 14 ديسمبر/ كانون الأول يومًا حافلاً بالنسبة إلى صفحة السفارة الأمريكية في الخرطوم على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، فقد وجد بيانها المقتضب المنشور هناك؛ والذي فحواه: “انقضت فترة إخطار الكونجرس البالغة 45 يومًا ووقع وزير الخارجية إشعارًا يفيد بأن إلغاء تصنيف السودان دولة راعية للإرهاب ساري المفعول اعتبارًا من اليوم 14 ديسمبر/ كانون الأول، لنشره في السجل الفيدرالي” إقبالاً غير مسبوق من السودانيين العاديين، ووسائل الإعلام المحلية والأجنبية. الكل يتسابق في نشره وتحليله، أو الترويج له والتبشير بما سيترتب عنه. الآن، وبعد قرار الولايات المتحدة الأمريكية رسميًّا إزالة اسم السودان من قائمتها السوداء، وفي حين ارتفاع منسوب الخطاب التفاؤلي للحكومة؛ تفيض توقعات السودانيين باستقرار أوضاعهم الاقتصاديّة والسياسيّة في وقتٍ وجيز. فهل بين طيات القرار ما يكفي لكل هذا التفاؤل وهذه الفرحة؟ [caption id="" align="aligncenter" width="600"] رئيس الوزراء السوداني ووزير الخارجية الأمريكي[/caption]

دولة إرهابية لثلاثة عقود!

في العام 1993 اعتُبِر السودان دولة راعية للإرهاب، بحسب تصنيف الولايات المتحدة. حينها كان نظام البشير/ الترابي، الذي أُطيحَ به في ثورة شعبية في 11 إبريل/ نيسان 2019، يدعم جماعات الإسلام السياسي المتشددّة، كتنظيم القاعدة، وحزب الله اللبناني، بل أوغل في ذلك حد استضافته اثنين ممن يصنفون بين أخطر إرهابيين في العالم، أسامة بن لادن، وكارلوس، وزاد الطين بلة إلقاء الولايات المتحدة على السودان جزءًا من مسؤولية تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا (شرق إفريقيا) والمدمرة الأمريكية “كول” قبالة السواحل اليمينية بين عامي 1998 و2000، إذ اتهمت واشنطن الحكومة السودانية بإيواء وتوفير ملاذ آمن لإرهابيي تنظيم القاعدة الذي أعلن مسؤوليته عن تلك الأحداث. مُنذ ذلك الحين وإلى الآن وعلى مدى أكثر من 27 عامًا، ظلّ السودان يرزح تحت وطأة عقوبات اقتصاديّة قاسية، عطلت الإنتاج وأوقفت الحياة، وأحالتها ضنكًا وفاقةً. [caption id="" align="aligncenter" width="1200"] سيدة تجمع الصمغ العربي من أشجار الهشاب[/caption]

الآثار المُدمرة للعقوبات الأمريكية

يقول المُحلل الاقتصادي حامد نورين لـ”ذات مصر”: كان أثر التصنيف الأمريكي للسودان دولة راعية للإرهاب كبيرًا جدًّا، وأدى إلى إيقاف الدورة الاقتصادية وشلّ الحياة تمامًا، فمنذ 1993  وحتى اليوم يعيش السودان أزمة اقتصادية خانقة، بخزانة عامة خالية من احتياطيات النقد الأجنبي، ما سبب عجزًا لا نظير له في تاريخ البلاد في استيراد الدواء والقمح والمحروقات، وانهيار سعر صرف العملة المحليّة (الجنيه السوداني) إزاء العملات الأجنبيّة، وارتفاع الدين الخارجي، ففي خلال 4 سنوات فقط، انخفض سعر الجنية أمام الدولار من 40 جنيهًا إلى 250 خلال هذا الأسبوع، قبل يوم من الإعلان الأمريكي الرسمي برفع العقوبات التي أدّت فعليًّا إلى امتناع صندوق النقد والبنك الدوليين عن تقديم المساعدة أو تخفيف الديون. يواصل نورين حديثه: “إيقاف المعاملات المصرفية والتحويلات النقدية من وإلى السودان، فاقم الأزمة، فصارت الحكومة عاجزة عن استيراد السلع الضرورية ومدخلات الإنتاج واحتياجات تطوير البنى التحتية وخدمات النقل والرعاية الصحية”. وبصرف النظر عن مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني التي تمكن قراءتها في سياق آخر، يستطرد نورين: “بالطبع سيؤثر القرار إيجابًا في جُملة الأوضاع الاقتصادية والسياسية (التحول الديمقراطي) في البلاد، إلا أن الحكومة الانتقالية لم تجهز الأرضيّة الداخلية للبلاد كفاية لاستيعاب ذلك،  فالقطاع المصرفي يحتاج إلى هيكلة جديدة، لأنه يعاني من ضعف في سقفه الائتماني، ولا يزال يعمل برؤوس أموال ضعيفة وتقنيات متخلفة، وهذا ينطبق على القطاعات الإنتاجية أيضًا، كالمصانع والمشاريع الزراعية ومحطات الكهرباء وشبكات المياه وقوانين الاستثمار”. يضيف نورين: “ما لم تُسرّع حكومة عبد الله حمدوك من خطواتها في وضع ما يلزم من خطط وتصورات لمرحلة ما بعد إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب، ورفع العقوبات عنه بالكامل، فسوف تظل المعاناة قائمة”. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] انهيار الجنيه السوداني[/caption]

دولة طبيعية

بالنسبة إلى هديل علي، الباحثة السودانية في علم الاجتماع السياسي، فإنّ أهم ما ينطوي عليه القرار الأمريكي هو عودة السودان دولة طبيعية: “هذه العودة تعتبر الأساس الذي تبنى عليه كل الخطوات المستقبلية في إعادة ترميم الأوضاع المتداعية في المجالات كافة، وليس الاقتصاد فحسب، فالتعليم والصحة وأخلاقيات السوق، كلها تأثرت بالعقوبات، فصار الفساد سائدًا والمضاربة والسمسرة ديدنًا للمعاملات المالية والتجاريّة”. تواصل هديل حديثها: “من وجهة نظري، سيترتب على القرار إعفاء للديون السودانية وفوائدها  المُتراكمة خلال سنوات العُزلة، إذ بلغت أكثر من 60 مليار دولار أمريكي، فضلاً عن أن عودة السودان للتعامل مع المؤسسات المالية الدولية، ورغم ما يكتنف ذلك من محاذير، ستمكن الحكومة الانتقالية من الحصول على منح تنموية وديون إضافية، إذا ما استُخدمت في تحسين البنية التحتية لقطاعات الزراعة والصناعة والنقل والطرق والجسور والتقنية، وستنهال الاستثمارات على البلاد”. تضيف هديل: “تحتاج الحكومة إلى عمل كبير وجهود مضاعفة لتخفيف حدة معدل التضخم الذي بلغ 212% العام المنصرم، ولاستعادة استقرار العملة المحلية المنهارة، وهذا لا يأتي عبر خطط اقتصادية دقيقة ومحكمة، خاصة إذا ما علمنا أن معدل البطالة وسط الشباب الذين يمثلون نحو 40% من السكان البالغ عددهم 40 مليون نسمة، وصل إلى أكثر من 70%، ما يهدد بانتفاضة شعبية جديدة حال عجزت الحكومة عن إدارة نتائج القرار بنحو سليم”. [caption id="" align="aligncenter" width="2048"] الزراعة في السودان -[/caption]

الحصانة السيادية

ومن المؤكد أنّ حكومة عبد الله حمدوك قامت بعمل كبير في هذا الاتجاه، وقدمت من أجله من “التنازلات” الكثيرة، فأُرغمت على التطبيع مع الكيان الصهيوني، ودفعت 335 مليون دولار تعويضات لعائلات ضحايا تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام والمدمرة كول، وطورت التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وأطلقت الحريات الدينية والسياسية. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] عبد الله حمدوك[/caption] تواصل هديل: “مقابل ذلك، حصل السودان، بجانب ما أشرت إليه، إلى أهم ميزة يغفل عنها كثيرون، وتتمثل في قانون الكونجرس لدعم التحول الديمقراطي والمساءلة والشفافية في السودان، ما يجعل أي محاولة انقلابية عسكرية على الأوضاع المدنية الديمقراطية السائدة محفوفة بالمخاطر، إلا أن ذلك كله ستقلّ جدواه إن لم يتوصل السودان إلى تمرير قانون الحصانة السيادية للسودان من خلال الكونجرس، وبموجبها تضمن الحكومة أنها لن تلاحقها أي محكمة أمريكية مجددًا، وأنها لن تخضع مجددًا لسلطات المحاكم الأجنبية. وتكمن أهمية حصول السودان على حصانته السيادية في أنه سيجعل رؤوس الأموال أكثر اطمئنانًا وشعورًا بالأمان إذا ما قررت العمل في بلد مثل السودان”.