"البنتاجون بالأفريكانو" "كورونا" يختار "أوستن" لقيادة الجيش الأمريكي

ذات مصر
  أدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال سنوات ولايته المنقضية، تغييرات واسعة داخل هيكل المؤسسة العسكرية وسياستها الدفاعية، وأقحم جنرلاتها في نزاعات سياسية، حظر القانون الأمريكي ممارستهم لها، بعدما حدد وظيفة الجيش الأساسية بحماية الولايات المتحدة من المخاطر الخارجية والحفاظ على الدستور. هذه التغييرات التي أدت إلى توتر العلاقة بين ترامب والمؤسسة العسكرية، وغضب كبار جنرالات الجيش الأمريكي، الذين اتهموا  ترامب بخيانة القسم الدستوري، تزيد من مهام وأعباء وزير الدفاع الجديد، لويد أوستن، الذي رشحه الرئيس المنتخب جو بايدن، رسميًّا لمنصب وزير الدفاع الأمريكي الجديد. خطة “أوستن” لقيادة البنتاجون، كأول وزير دفاع أسود، جديرة بالتأمل في ما يقف وراءها من أسباب اختيار “بايدن” لـ”أوستن”، وسط رفض قطاعات داخل دوائر البيت الأبيض لهذا الاختيار، وكذا الكيفية التي سيحاول بها “أوستن” وقف التغييرات التي أدخلها ترامب.

أول وزير دفاع من أصول إفريقية

يُعد اختيار الجنرال لويد أوستن، ذي الأصول الإفريقية، البالغ 67 عامًا، لمنصب وزير الدفاع الأمريكي، حدثًا استثنائيًّا في تاريخ البنتاجون، الذي لم يعرف طوال العقود الماضية أمريكيًّا من الأقليات في أعلى هرم المؤسسة، على الرغم من التمثيل الكبير لهذه المجموعات في الجيش الأمريكي. تشابه المسار المهني لأوستن مع غالبية أبناء أسر الأقليات في أمريكا، ممن اختاروا الالتحاق بالجيش الأمريكي، ليبدأ الشاب ذو الأصول الإفريقية مشواره العسكري عام 1975، برتبة ملازم ثانٍ في كتيبة المشاة الثالثة في ألمانيا، بعد حصوله على شهادة في العلوم من أكاديمية “ويست بوينت” العسكرية الشهيرة. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] أوستن وأوباما[/caption] بعد 6 سنوات تمرّس خلالها الشاب، المولود بمدينة موبيل بولاية ألاباما الأمريكية، عاد “أوستن” ليشغل عام 1981 منصب ضابط عمليات في إدارة التجنيد لمنطقة إنديانابوليس في الجيش الأمريكي، والتي ترقي منها إلى مناصب عسكرية بارزة بعدما أظهر نبوغًا في المهام الموكلة إليه، والتي كان أبرزها توليه قيادة القوات متعددة الجنسيات في العراق في فبراير/ شباط عام 2008، والتي صعد منها إلى منصب القائد العام للقوات العسكرية الأمريكية في العراق في 1 سبتمبر/ أيلول 2010، حتى غادر بغداد عام 2013 ليتولى كأول أمريكي من أصل إفريقي منصب القائد الثاني عشر للقيادة المركزية للقوات العسكرية الأمريكية بين عامي 2013 و2016. وشملت مهام “أوستن” في منصبه الأخير بالجيش الأمريكي مسؤولية العمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط ووسط وجنوب آسيا، والإشراف على الحملة ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا، قبل أن يتقاعد في مايو/ أيار عام 2016 بعد مسيرة عسكرية حافلة امتدت قرابة 41 عامًا، والتي حصل خلالها على الكثير من الأوسمة وجرى تكريمه عدة مرات.

“كورونا” يرجح كفة أوستن

رجح كفة اختيار أوستن لمنصب وزير الدفاع عن مرشحين آخرين، أبرزهم ميشيل فلورنوي، مديرة الاستخبارات الأمريكية السابقة، خبرته الميدانية كجنرال خدم في دول خارج أمريكا، وكان مسؤولاً عن ترتيب انسحاب القوات الأمريكية من العراق، وهي الميزة التي رآها بايدن “ضرورية” في قائد البنتاجون الجديد، كي يشرف على أفراد قواته في عملية تذليل كافة الصعوبات اللوجيستية في توزيع لقاح كورونا. وسيضطلع الجيش الأمريكي بالدور الأكبر في عملية توزيع لقاح كورونا، عبر إنشاء مواقع منبثقة لتوزيع اللقاح في مئات المواقع بالولايات الأمريكية، وتوفير العديد من السلع اللازمة لصنع وتعبئة اللقاحات، خصوصًا تلك التي تواجه نقصًا كبيرًا في الأسواق، والدفع بوحدات من قوات الحرس الوطني في برامج التطعيم الخاصة ببعض الولايات. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] أوستن وبايدن[/caption] وتحدث بايدن عن هذه النقطة قائلاً: “الدور الحاسم لأوستن في أكبر عملية لوجيستية للجيش الأمريكي منذ 6 عقود، وهي الانسحاب من العراق”، باعتبارها ميزة كُبرى ستخدم “أوستن” كوزير دفاع يشرف على توزيع الجيش للقاحات كورونا، كما أسهمت العلاقة الشخصية، التي جمعت أوستن مع جنرالات الجيش وشعبيته الواسعة وسط الجنود والضباط في ترجيح كفة الرجل الذي جمعته ببايدن علاقة وثيقة خلال عمل الأخير كنائب للرئيس الأمريكي السابق، إثر توافق وجهات نظرهما في قضايا السياسة الخارجية. بذا تفوق “أوستن” على منافسته “فلورنوي”، التي كادت تنزع القبول لولا أزمة كورونا، التي رجحت كفته. وقال “بايدن” عنه إنه “مؤهل بنحو فريد لمواجهة التحديات والأزمات في الوقت الحالي”.

خطة أوستن للتعامل مع تغييرات ترامب

سيتبع أوستن إستراتيجية جديدة تتمايز عن خطط إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في العديد من القضايا والأزمات، وتحديدًا النزاعات في منطقة الشرق الأوسط، حيث يتبنى منهج توطيد صلات واشنطن مع “القوى المحلية” في مناطق النزاع كوسيلة لتسهيل مهام القوات الأمريكية، وترسيخ نفوذ بلاده على الأجل البعيد. وانعكست هذه الرؤى لأوستن في خططه خلال شغله منصب مسؤولية العمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط ووسط وجنوب آسيا، حيث عمل على توطيد صلاته مع “مجالس الصحوات”، وفي سوريا مع قوات سوريا الديمقراطية، وتدريب عناصر منتمية إلى هذه المجموعات بإشراف القوات الأمريكية. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] بايدن وأوستن[/caption] وتدفع تصورات الجنرال العسكري نحو إعادة محتملة لتمتين العلاقات مع أكراد سوريا، فضلاً عن تغير آخر محتمل للسياسة الدفاعية الأمريكية خلال عهد أوستن، وهو الاستثمار في التحالفات والائتلافات والشراكات الإقليمية في أوروبا والشرق الأوسط، والتي تعني إعادة القوات الأمريكية للدول التي غادرتها، كألمانيا. قضية أخرى محتملة قد تشهد تغييرًا الفترة المُقبلة، وهي الأزمة مع إيران، التي يتبنى فيها أوستن سياسة الضغط على طهران عبر التفاوض، وهوو ما ظهر في معارضته لخروج إدارة “ترامب” من الاتفاق النووي الإيراني، لأنه اعتبر أن الانسحاب يحرم واشنطن فرصة مراقبة النشاط النووي الإيراني وضبطه، تلك التي يتيحها الاتفاق، في حين أن هذه الرؤية تخالف تصور إدارة ترامب، التي طرحت فكرة المواجهة العسكرية مع إيران كأولوية للسياسة الدفاعية لواشنطن.

تحديات في طريق أوستن

تُشكل العقبة الكُبرى أمام أوستن في مهمته الجديدة في انخراط بلاده المباشر في أزمات كُبرى كانت بعيدة عن مهام الرجل، والتي تركزت في الشرق الأوسط وليست آسيا، وهي أزمات الصين وروسيا والتحديث التكنولوجي العسكري، وهي قضايا تتطلب وزيرًا مؤهلاً من حيث المعرفة الجوهرية والخبرة القيادية. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] أوستن مع ضباط بالجيش الأمريكي[/caption] والتحدي الثاني، الذي يواجه الرجل هو خلفيته العسكرية التي أثارت الشكوك حول خططه من عسكرة السياسة الخارجية للولايات المتحدة، أو تهميش صلاحيات المدنيين داخل البنتاجون، كما فعلت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ما أدى إلى ممارسة البعض ضغوطًا على بايدن لاختيار شخص مدني في موقع وزير الدفاع. ويضطلع وزير الدفاع في أمريكا بالإشراف المدني على الجيش، ويقع على رئيس هيئة الأركان المشتركة مهمة تقديم النصائح العسكرية للرئيس في البيت الأبيض. ويقول توم ستيفانيك، الزميل الزائر في مركز الأمن والإستراتيجية والتكنولوجيا، في تحليل منشور له، إن الحل الأمثل لاحتواء مخاوف البعض من خلفية وزير الدفاع العسكرية هو الاستعانة ببعض الخبراء في السياسة الخارجية والعلاقات المدنية العسكرية لتحسين الحلول لمعالجة الوضع، وتعزيز المبدأ الحاسم للسيطرة المدنية على جيش غير سياسي.