لن تغادر الآن! تركيا باقية في ليبيا "بقاء المصلحة"

ذات مصر
 
وافق البرلمان التركي، الأسبوع الماضي، على  تمديد مهام القوات المسلحة في ليبيا لمدة 18 شهرًا، اعتبارًا من 2 يناير/ كانون الثاني المقبل، لتخرق بذلك أنقرة تفاهمات هدنة وقف إطلاق النار التي رعتها بعثة الأمم المتحدة في ليبيا مؤخرًا. وتزامنت موافقة تركيا على تمديد عناصر جيشها مع رصد الجيش الوطني الليبي تحركات “ميليشيات” قالت إنها مدججة بالسلاح التركي وتهدد شرق ليبيا بالكامل، في أعقاب زيارة غير معلنة لوزير الدفاع التركي  للعاصمة الليبية. وتُثير التحركات الأخيرة تساؤلات عن طبيعة الوجود العسكري التركي بالأراضي الليبية خلال العام المنقضي، وأعداد الضباط الرسميين الذين أرسلتهم أنقرة إلى هناك، وأيضا حجم من يسمون بـ”المرتزقة” الذين تستخدمهم في القتال لصالحها  مع قوات حكومة الوفاق الليبية، المعترف بها دوليًّا، والذين نفت كل من أنقرة وطرابلس مرارًا وتكرارًا وجودهم.

رسمي.. غير رسمي

يتباين الوجود العسكري التركي في ليبيا بين حضور رسمي، يتمثل في ضباط ومستشارين عسكريين أتراك أوفدتهم أنقرة لتدريب المقاتلين من قوات السراج، والإشراف على تأسيس القواعد العسكرية، وهُم أعداد ليست بالكبيرة، بخلاف المرتزقة السوريين الذين جلبتهم أنقرة، كأحد مظاهر وجودها غير الرسمي، للانخراط في المعارك البرية بأجور شهرية. ورصدت مواقع أوروبية متخصصة عودة تركيا خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى إرسال طائرات الشحن العسكرية، خلال ديسمبر/ كانون الأول الحالي.
[caption id="" align="aligncenter" width="1269"] وزير الدفاع التركي خلوصي آكار[/caption]
ووصلت آخر دفعة من المُرتزقة السوريين الأيام الماضية، رغم الاتفاق بين حكومة “الوفاق” وبين “الجيش الوطني الليبي”، الشهر الماضي، على سحبهم من ليبيا خلال 3 أشهر. وتدفع تركيا للمرتزقة السوريين نحو 2000 دولار شهريًّا مقابل القتال لصالحها في ليبيا، وهو مبلغ كبير مقارنة بـ450 دولارًا كانوا يتقاضونها خلال القتال في سوريا لصالح أنقرة أيضًا، كما تلتزم أنقرة بسداد الفواتير الطبية للمرتزقة المصابين، وإعادة القتلى منهم إلى سوريا.

عام المرتزقة

يُشير تقرير صادر عن المفتش العام بوزارة الدفاع الأمريكية إلى أن تركيا أرسلت بين 3500 و3800 مقاتل سوري مدفوعي الأجر إلى ليبيا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، وهو ما فسر نجاح قوات حكومة السراج في التقدم تجاه الغرب الليبي، غير أن تركيا كثفت من حشد المرتزقة بعد الثلاثة أشهر الأولى ليصل عددهم إلى ما بين 10 آلاف و12 ألفًا  في إبريل/ نيسان وأوائل مايو/ أيار الماضي. وينتمي معظم هؤلاء المُرتزقة إلى ميليشيات تشكلت بدعم تركي لمواجهة نظام الأسد، وتحديدًا من تشكيل لواء السلطان مراد، وكتيبة الشام التي صنفتها الولايات المتحدة على أنها “منظمة إرهابية”.
[caption id="" align="aligncenter" width="780"] مرتزقة سوريون يقاتلون لصالح تركيا[/caption]
وجلبت تركيا خلال العام الحالي أعدادًا كبيرة من المرتزقة من دولة تشاد وبعض المتمردين من دارفور، تنتمي غالبيتهم إلى حركة العدل والمساواة المُسلحة في السودان. وتتمركز قوات تركيا في قاعدتي الوطية الجوية ومصراتة البحرية، كما يوجد مركز للتنسيق العسكري التركي الليبي في طرابلس، وكانت تركيا قد بدأت في استخدام القاعدتين العسكريتين في ليبيا، في إطار مساعيها لتعزيز الوجود التركي الدائم في جنوب البحر المتوسط. ونشرت طائرات النقل التابعة للقوات الجوية التركية، بداية العام الحالي، نظامًا صاروخيًّا ذاتي الدفع متوسط المدى من نظم صواريخ أرض-جو في مطار مصراتة، وبدأ تشغيلها فورًا قبل أن تضيف نظم صواريح ثانية في مطار معيتيقة بطرابلس.

 وجود استخباراتي

يُشكل الوجود الاستخباراتي أحد مظاهر التمركز العسكري لأنقرة في ليبيا، حيث لعبت الدور الأهم في هذا الوجود طائرات الاستطلاع دون طيار وكذلك الأقمار الصناعية. ولعبت هذه الطائرات والأقمار الصناعية دورًا رئيسًا في الوصول إلى المعلومات اللازمة لتحديد الأهداف والنقاط العسكرية لقوات الجيش الوطني الليبي، لتدميرها لاحقًا بواسطة المدفعية والطائرات القتالية دون طيار.
[caption id="" align="aligncenter" width="750"] طائرات بيرقدار تي بي التركية[/caption]
وعزز هذا الوجود الاستخباراتي تزويد أنقرة لحكومة الوفاق الليبية، في مايو/ أيار العام الحالي، بطائرات بيرقدار تي بي 2، وهي طائرة تركية دون طيار تابعة للقوات المسلحة التركية، ونوع آخر من الطائرات دون طيار من نوع “أنكا إس” (العنقاء Anka-S). وتُصنف “بيرقدار” ضمن الطائرات العسكرية التكتيكية التي يمكنها تنفيذ بعض مهام طائرات “F16” الأمريكية. ونشرت تركيا، خلال العام المنقضي، على الأقل بطارية واحدة، وبطاريتين ربما فيما بعد، للمدفعية الثقيلة من طراز T-155 Fırtına من عيار 155 ملم مع ذخيرة واسعة النطاق دقيقة التوجيه وقاذفات صواريخ من طراز T-122 Sakarya كما عززت وجودها العسكري هذا العام بنقل منظومة كورال للحرب الإلكترونية إلى الغرب الليبي، وهي منظومة حربٍ إلكترونيّة قابلة للنقل على الأرض، استخدمتها تركيا في ليبيا من أجل التشويش وخداع الرادارات المُعادية.

تركيا ليست لديها النية للمغادرة فى المستقبل القريب

موافقة البرلمان التركي على تمديد مهام القوات المسلحة في ليبيا عامًا ونصف العام، أكبر دليل على أن تركيا ليست لديها النية لمغادرة الصراع الليبي فى المستقبل القريب. وبحسب المذكرة التي قدمتها الرئاسة التركية إلى البرلمان، فالسبب الرئيس وراء تقديم طلب بتمديد بقاء عناصرها المسلحة في ليبيا هو “سيطرة قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر على مناطق في وسط وشرق ليبيا،  الأمر الذي من شأنه استمرار الأخطار المنبعثة من ليبيا باتجاه دول المنطقة، ومن بينها تركيا”، موضحة أن مصالح تركيا في حوض المتوسط وشمالي إفريقيا “قد تتأثر سلبيًّا في حال أطلقت قوات حفتر هجمات جديدة”.
[caption id="" align="aligncenter" width="750"] التنقيب عن الغاز[/caption] وتتجاوز المصالح التركية الأوضاع في ليبيا إلى مسألة الوجود في “المتوسط”، بعدما أثبتت المسوحات الجيولوجية وجود مخزون هائل من النفط والغاز القابل للاستخراج فنيًّا. وتُشير تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية المعلنة في عام 2010 إلى مخزون يقارب 107 مليارات برميل من النفط الخام، و122 تريليون متر مكعب من الغاز موجود في باطن شرق المتوسط. أما مصالح أنقرة في شمال إفريقيا، والتي تسعى لتأمينها عبر وجودها في ليبيا، فتتمثل في سعيها لتوظيف هذا الوجود في خلق ممر لها عبر ليبيا إلى منطقة الساحل وبقية إفريقيا، في ظل أن السوق الإفريقية مهمة لشركات البناء التركية وشركات التصدير. سبب آخر لم تشر إليه المذكرة الرئاسية للبرلمان التركي، هو رغبة تركيا في تأمين مصالحها المالية على الأراضي الليبية، والتي تُقدر بنحو 16 مليار دولار كقيمة لحجم الأعمال التركية المتعاقد عليها في ليبيا، ما يُشكل طوق النجاة للاقتصاد التركي الذي يعيش أزمة ركود كبيرة.