شبكات عائلية تورد السلاح لـ"داعش"

ذات مصر
أنشأ تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية في العراق والشام، داعش، في الفترة من 2014 إلى 2017، واحدة من أكثر القدرات الإنتاجية للأسلحة والعبوات الناسفة تطورًا بالنسبة إلى الجماعات غير الحكومية، معتمدًا على شراء السلع والمواد الخام بالجملة عبر سلاسل التوريد الدولية. في هذا السياق، أصدر “مركز بحوث تسلح الصراعات” هذا الشهر، دراسة عن دور شبكات المشتريات في برامج تصنيع وتطوير أسلحة تنظيم الدولة الإسلامية، مستعرضًا نتائج تحقيق استمر 18 شهرًا لرسم خرائط الشبكات البشرية والمالية التي تشتري السلع والتقنيات اللازمة لإنتاج أسلحة التنظيم. وتضمنت الشبكة شركات وهمية، وجهات اتصال بأسماء مستعارة، ومشترين بالوكالة، فقد استخدم التنظيم شركات وأفرادا –تجمعهم صلات عائلية– خاصةً في نطاق مدينتي سيفرك وأقجة قلعة جنوب تركيا، لنقل المعدات والسلع داخل الأراضي التي سيطر عليها داعش. [caption id="" align="aligncenter" width="545"] دراسة مركز بحوث التسليح[/caption]

تصنيع المتفجرات

أظهرت صور التُقِطت عند معبر “أقجة قلعة” الحدودي في إبريل/ نيسان 2015 نقل عدة مئات من أكياس سماد نترات الأمونيوم من الجانب التركي إلى بلدة تل أبيض السورية التي كان يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية” حينها. وقد صرحت تركيا وقتها للصحفيين بأن السوريين العائدين من تركيا إلى سوريا عبر بوابة أقجة قلعة الحدودية يمكنهم العبور بنحو 30 – 40 كيسًا من الأسمدة منخفضة النترات التي يمكن استخدامها في تصنيع المتفجرات بعد معالجة كبيرة، ورصدت تقارير إعلامية حركات نقل أسمدة مرتفعة النترات عبر الحدود، وهي أسمدة محظورة التداول في العديد من الدول لسهولة استخدامها في تصنيع المتفجرات، ما دفع الحكومة التركية إلى إغلاق بوابة “أقجة قلعة” أمام هذه البضائع، إلا أنها ربما لم تكن نقطة العبور الوحيدة التي استغلتها شبكات مشتريات داعش في تركيا. فقد التُقطت صور أخرى في إبريل/ نيسان 2015 تظهر رجالاً مجهولين على ضفاف نهر البليخ (يقع على بعد 4 كيلومترات من بوابة أقجة قلعة) ينقلون منتجات كيميائية مختلفة مثل مادة النيتروسليلوز المتفجرة ومعجون الألومنيوم. لذلك يجادل التقرير في استخدام المهربين أيضًا الممرات المائية في نقل المواد المتفجرة عبر الحدود التركية السورية. ويدعم تقرير دائرة أمن المعابر الحدودية في “داعش” فرضية توجيه هذه الأسمدة إلى التنظيم، فقد ذكر هذا التقرير حالة إغلاق السلطات التركية بوابة أقجة قلعة الحدودية أمام شحنة سماد وزنها 125 طنًّا كانت متجهة إلى قوات داعش، بعد أن صوّر صحفيون أمريكيون الأسمدة على الجانب التركي، ما يشير إلى أن الأسمدة الأخرى التي دخلت على سوريا كانت موجهة فعلاً إلى “داعش”، كما نشر التنظيم في يونيو/ حزيران 2015 صورًا دعائية لإحدى منشآته الخاصة بإنتاج المتفجرات في الفلوجة، ظهرت بها أكياس من سماد نترات الأمونيوم 33%، من نفس نوع الأكياس المنقولة عبر بوابة أقجة قلعة الحدودية.
وقد أدخلت أنقرة متطلبات وشروطًا إضافية على توزيع وتجارة الأسمدة عالية النترات في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، ثم علقت بيعها نهائيًّا في يونيو/ حزيران 2016 عقب حوادث السيارات المفخخة في تركيا.

تصنيع الدرونز

تشير تحقيقات إلى انتشار براميل عجينة الألومنيوم الورقية الصينية بأراضي التنظيم وسط العراق، وكانت كل البراميل تحمل ملصقات شركة TEVHID BILIŞIM بشانلي أورفا التركية كموزع للمنتج، وهي شركة تعمل في استيراد وتصدير الهواتف المحمولة، إلا أنها اشترت كميات غير عادية من معجون الألومنيوم المستخدم في الدهانات والطلاءات الواقية، خاصة في أواخر 2014 وأوائل 2015. وكشف التقرير عن شراء شركة Ibacstel Electronics Ltd التابعة لسيف الحق سوجان في المملكة المتحدة محركًا نفاثًا صغيرًا في ديسمبر/ كانون الأول 2014 من مورد ألماني للتوربينات والطائرات المسيرة المدنية، رغم أن الشركة لم يكن لها أي اتصال سابق بالطائرات المسيرة، ثم أرسلت الشركة البريطانية تعليماتها لاحقًا للمورد الألماني بإرسال التوربينات إلى عنوان شركة Tevhid Bilişim في تركيا. واستورد “سوجان” مجموعة من مكونات الطائرات دون طيار خلال 2015، مستخدمًا حسابات مصرفية وحسابات “Paypal” تابعة لشقيقه، وذلك لصالح شركتيIbacstel Electronics Ltd”” و”Advance Technology Global Ltd”، والأخيرة شركة تأسست في بريطانيا في يوليو/ حزيران 2015 بنفس عنوان الأولى، ولكن باستخدام أسماء وهمية لمديريها ومساهميها. وفي كل سجلات الطلبات كان ممثلو الشركة يصدرون تعليماتهم للموردين بإرسال البضائع مباشرة إلى مالك شركة Tevhid Bilişim، أو إلى شخص آخر من نفس العائلة وعلى نفس العنوان، أو أن يتسلم موظف في المملكة المتحدة البضائع من عنوان الشركة البريطانية ثم يعيد إرسالها إلى مالك Tevhid Bilişim في شانلي أورفا التركية. [caption id="" align="aligncenter" width="644"] براميل المواد المتفجرة[/caption] وقد زعمت رسالة وجهتها الحكومة الروسية إلى مجلس الأمن عام 2016 تورط الشركة التركية وشخصين تابعين لها في شراء مواد كيميائية لحساب داعش، وقد قُبِض على مالك الشركة واثنين من إخوته و4 آخرين في يوليو/ تموز 2015 بعد 4 أشهر من مراقبة الشرطة، وبدأت محاكمتهم في فبراير/ شباط 2016 بتهم الانتماء إلى منظمة إرهابية مسلحة، وحيازة وتبادل مواد خطرة غير مصرح بها، إلا أن القضاء التركي أطلق سراحهم بعد ذلك، بعدما جادل المتهمون بأن الشركة باعت البضائع إلى أتراك وليس سوريين، وأنه من المحتمل أن يكون أفراد مجهولون آخرون قد اشتروا السلع لنقلها عبر الحدود. وفيما قُتل سوجان بالرقة السورية في ديسمبر/ كانون الأول 2015 في غارة جوية، ألقت إسبانيا القبض على شقيقه في سبتمبر/ أيلول 2017، ثم أدين في إبريل/ نيسان 2020 بإرسال أموال إلى فرد متحالف مع تنظيم الدولة في الولايات المتحدة بغرض التحضير لهجوم إرهابي. وركز استخدام داعش للطائرات المسيّرة في العراق وسوريا منذ عام 2016 بقدر كبير على الطائرات الصغيرة ذات الأجنحة الدوارة التي تعمل بالكهرباء والمتاحة تجاريًّا في جميع أنحاء العالم. ومن بين عينات الطائرات المسيّرة التي وثقها “مركز أبحاث تسليح النزاعات” تبرز المروحيات الرباعية الصينية، وقد وثقت فرق التحقيق الميداني التابعة لـCAR”” 28 طائرة دون طيار كوادكوبتر من هذا النوع. وسعى فنيو التتظيم منذ 2015 لتطوير طائرات مسيرة أكبر وأسرع، تعمل بمحركات نفاثة نبضية، وهي محركات غير متطورة وغير مكلفة، فقد اشترى شخص يُدعى ديفيد سورين (تابع لشركة Advance Technology Global Ltd) عبر الإنترنت مخططات فنية لمحرك نفاث نبضي ذي صمام كبير جدًّا، من أجل تطوير طائرات دون طيار عالية السرعة.
وقد استخدم داعش مجمع الشفاء الطبي بالموصل لتخزين الأسلحة والذخيرة وإنتاج العبوات الناسفة، وعُثر بداخله في سبتمبر/ أيلول 2017 على محرك نبضي كبير كامل. وتشير المحركات النبضية النفاثة المستعادة في الموصل إلى أنه بالإضافة إلى الرسومات الفنية التي اشتراها ديفيد سورين، حصل مصممو الطائرات دون طيار في داعش على خبرة في المحركات النفاثة، وتختلف تصميمات بعض المحركات عن تلك التي اشتراها ديفيد سورين.

نظام دفاع جوي

سعى مطوّرو الأسلحة في داعش لتصميم وبناء نظام تتبع جوي بصري كأساس لنظام آلي مضاد للطائرات، فوفقَا للتقرير، أبرمت شركة مسجلة في المملكة المتحدة (أسسها مصمم أسلحة بالتنظيم) عام 2015 عقودًا مع موردي برامج وأجهزة تضمنت شراء وحدات تحكم وكاميرات عالية المواصفات. وقد نص أحد العقود على اعتزام الشركة تطوير نظام بصري لاكتشاف الأجسام الطائرة بغرض مراقبة “المجال الجوي للأراضي الزراعية”، وحرص ممثلو الشركة على إخفاء أي نوايا عسكرية، كما حرصوا على إخفاء هوياتهم، فاستخدمت الشركة 3 عناوين بريد إلكتروني –على الأقل- بأسماء مستعارة، لموظفين مختلفين في الشركة، ويعمل اثنان -على الأقل- من عناوين البريد الإلكتروني تلك من عناوين IP تركية. وفيما دفعت الشركة للموردين أولاً عن طريق مدفوعات “ويسترن يونيون” تولاها فرد في هونج كونج، تلقى المورد بعد ذلك دفعة من الحساب المصرفي التركي لشركة أخرى أسسها مواطن تركي قبل خمسة أشهر في يناير/ كانون الثاني 2015، وعملت ظاهريًّا في إسطنبول منذ 2016 كشركة تأجير سيارات فاخرة. ختامًا، عملت مجموعات صغيرة من الأفراد والشركات المرتبطة بروابط أسرية –خاصة في تركيا والمملكة المتحدة- كقنوات ضمن سلاسل توريد السلع والمعدات الخاصة بتنظيم داعش، وساعدت هذه التجمعات العائلية في شراء سلع ومنتجات متعددة -غالبًا ما تكون غير مرتبطة بأعمالهم الأساسية ولا تتناسب مع أنشطتهم التجارية– بل ورتبت في بعض الحالات نقلها إلى سوريا، ودفعت أحيانًا أطرافًا غير مرتبطة ظاهريًّا بالمشتري الثمن للموردين. ورغم أن التقرير يشير إلى عدم وجود أدلة على تواطؤ الوسطاء مع التنظيم أو علمهم بجهة وهدف هذه العمليات، فإنهم عملوا فعلاً كنقاط اتصال رئيسة داخل سلاسل التوريد التي وفرت لقوات تنظيم “الدولة الإسلامية” شحنات من السلع والمعدات مكنتها من تصنيع وتطوير منظومتها التسليحية.