مشهد دولي جديد لمكافحة الإرهاب: 2021.. عام المراجعات

ذات مصر
  على مدار عام  كامل 2020، أثبتت التنظيمات الإرهابية في مختلف أنحاء العالم قدرتها على البقاء رغم الانتكاسات التي تعرضت لها في فترات سابقة، ما يلقي بظلاله على الدوائر المعنية بمكافحة الإرهاب والتطرف. وفي الإطار السابق، نشرت مجموعة "صوفان جروب" تقريرًا بعنوان: "عام جديد.. المشهد الدولي الجديد في مكافحة الإرهاب" حول تقييم طبيعة التهديدات الإرهابية والاستجابات لها خلال عام 2021. وتعتبر "صوفان جروب" أن العام الجديد سيمنح المجتمع الدولي عددًا من الفرص لتقييم وتشكيل/ إعادة تشكيل الاستجابات للتهديدات الإرهابية. وتسود حالة من التفاؤل في الأوساط الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب بوصول إدارة "بايدن- هاريس" للبيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني الحالي، ويُتوقع أن الإدارة الأمريكية المقبلة ستجدد مشاركتها مع الدول والأطراف المتعددة، وستُحسن العلاقة مع منظمة الأمم المتحدة والدول الأعضاء بها. ففي أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، صارت الولايات المتحدة الأمريكية المهندس الرئيس لإطار عمل مجلس الأمن الدولي (الجهاز التنفيذي للأمم المتحدة) في مكافحة الإرهاب، وبينما تقترب الذكرى العشرين للهجمات يبرز اتجاهان محتملان لانخراط الولايات المتحدة مع الأمم المتحدة، أولهما من خلال تجديد وتكثيف الدعم السياسي والمالي لهيئات مكافحة الإرهاب التابعة للمنظمة الدولية، أو من خلال إقامة المزيد من الشراكات الفاعلة/ الأكثر استباقية مع فرنسا والمملكة المتحدة لموازنة الدور المتزايد للصين وروسيا النشطة في ساحة مكافحة الإرهاب المتعددة الأطراف، ومع ذلك تواجه الإدارة الأمريكية الجديدة عددًا من التحديات الرئيسة على خلفية تداعيات جائحة كورونا (كوفيد-19) التي تجعل تخصيص موارد أقل لصالح برنامج مكافحة الإرهاب مع الأمم المتحدة محتملاً. وخلال المرحلة الماضية، وضعت مجموعة قليلة من الدول "الأمم المتحدة" في قلب استجاباتها لمكافحة الإرهاب، لكن دولاً أخرى حددت جوانب إيجابية هامة تقدمها الأمم المتحدة أو غيرها من الفواعل في مكافحة الإرهاب، منها على سبيل المثال: منح الدولة غطاء من القانون الدولي والتنسيق العملياتي، وإمكانية حصولها على دعم ومساعدة فنية وتلقي المساعدات عبر المانحين، إضافةً إلى منحها أفضلية غير مسبوقة في الاستعانة بالخبراء والحكومات والباحثين، ومشاركتهم المعرفة والممارسات. وفي العديد من الدول، تخلق الشرعية التي يحققها العلم الأزرق (علم الأمم المتحدة)، وقدرته على تجميع الدول بصرف النظر عن التعقيدات في العلاقات الثنائية أو الإقليمية فرصًا فريدة للحوار والشراكة مع الدول وفي ما بينها، كما أن المكاتب الميدانية للأمم المتحدة تتيح اتخاذ خطوات أكثر فاعلية واستدامة. وفي ظل تأجيل المفاوضات حول مكافحة الإرهاب بسبب الموجة الثانية لفيروس كوفيد-19، ستتمكن الدول من إعادة النظر في دور الأمم المتحدة في مكافحة الإرهاب، وأيضًا في البنى البيروقراطية التي تعتمد عليه. [caption id="" align="aligncenter" width="800"] القوات الأمريكية في أفغانستان[/caption] وفي صيف العام الحالي، ستصوت الجمعية العامة للأمم المتحدة على المراجعة التي تُجرى كل سنتين لإستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، ومع أن قرارات الجمعية غير ملزِمة قانونيًّا للدول الأعضاء، فإن له آثارًا عملياتية متوقعة. تركز الإستراتيجية العالمية على منع الإرهاب، وتسمح للعديد من الكيانات المرتبطة بالأمم المتحدة بتنفيذ العديد من المشروعات التي تُسهم في توسيع نطاق جهود مكافحة الإرهاب والوقاية منه، كما توفر تفويضًا وتوجيهات لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب وهو المحور المركزي المتعلق بالدعم/ المساعدة الفنية التي تقدمها المنظمة الدولية. وفي وقت لاحق هذا العام، سيتفاوض أعضاء مجلس الأمن على ولاية جديدة للمديرة التنفيذية المسؤولة عن برنامج مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة CTED، وهي مكلفة بتقييم الامتثال لالتزامات مجلس الأمن القانونية وتحديد الثغرات في الاتجاهات والقدرات الناشئة والمتعلقة بأعمال مكافحة الإرهاب. وبناءً على ما تقدم، ستكون أمام الدول فرصة لتقييم التعاون مع منظمة الأمم المتحدة في مكافحة الإرهاب، وطرح الرؤى المختلفة بشأنها، ووفقًا لـ"صوفان جروب" فإن الأمم المتحدة بالفعل تلقت العديد من التوصيات والتقارير بشأن مركز مكافحة الإرهاب، وركزت التوصيات المُقدَّمة على أهمية التركيز على الشفافية وحقوق الإنسان، والعمل الإنساني والإدماج الهادف للجنسين. ورغم التحديات التي تواجه التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب، فإن الانقسام الحاصل بين الدول الخمس الكبرى (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا) بشأن قضايا مثل سوريا وإيران والديناميكيات الجيوسياسية الأخرى، يعرقل هذه الجهود ويلقي بظلاله على الإستراتيجية العالمية. ومن المتوقع، في هذا الصدد، أن يطرح أعضاء مستقبليون في مجلس الأمن، كالهند وكينيا، رؤيتهم المستقبلية حول مكافحة الإرهاب، كما تفعل دول أعضاء بالجمعية العامة للأمم المتحدة مثل مصر وباكستان، ودول الاتحاد الأوروبي، وتجمع العيون الخمس الاستخباري (أقوى تحالف استخباراتي في العالم يضم خمس دول ناطقة بالإنجليزية، وهي بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا وكندا ونيوزيلندا، ولا يُقبل بانضمام أي دول أخرى غير ناطقة بالإنجليزية وليست لها مصالح مشتركة). [caption id="" align="aligncenter" width="1200"] مبنى الأمم المتحدة[/caption] وخارج الأمم المتحدة، من المتوقع أن يحظى المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، الذي تأسس برعاية وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، بفرص جديدة، خاصةً مع وجود دولتي كندا والمغرب، اللتين يُتوقع أن يكون لهما دور بارز في المنتدى. وقد تلجأ الولايات المتحدة إلى دعم المنتدى العالمي والمؤسسات المرتبطة به بدافع اليأس من الأمم المتحدة، وعبر هذا الطريق يمكن أن تضمن الولايات المتحدة توجيه مواردها لمواجهة خطر الإرهاب اليميني، والإرهاب العرقي، وإعادة تأهيل الإرهابيين المحتجزين وأسرهم، بجانب التركيز على الأولويات الحالية وزيادة الاهتمام بالمحتوى الضار الذي يُنشر عبر شبكة الإنترنت، خاصة مع ظروف الحجر الصحي التي فرضتها تداعيات جائحة كورونا. ووفقًا لـ"صوفان جروب"، فإن المنظمات العاملة في مكافحة التطرف العنيف ليست بمعزل عن الديناميكيات الجيوسياسية والتغيرات في القيادة الأمريكية، فعلى سبيل المثال كانت جهود مكافحة الإرهاب طوال العقدين الماضيين مركزةً على إطار عمل الأمم المتحدة القائم على منع الإرهاب، وحقوق الإنسان، وسيادة القانون إضافةً لمشاركة المجتمع المدني. وفي 2021، يُتوقع أن يُشكل قرار القيادة الأمريكية الجديدة بشأن إدارة تحديات السياسة الخارجية وكيفية التعامل مع ملفات كإيران وأفغانستان، والصومال، وكوريا الشمالية، فضلاً عن تأثيرات العلاقات المعقدة مع الصين، مشهدًا وإطار عمل دوليًّا جديدًا لمكافحة الإرهاب.