بـ207 انقلابات آخرها في الجابون.. أفريقيا تثور على «ديمقراطية الغرب»

ذات مصر

شهدت دولة الجابون، في الساعات الأولى من صباح الأربعاء الماضي، انقلابا عسكريًا أطاح بحكم الرئيس علي بونجو الذى استمر 14 عاما، ليصل عدد الانقلابات التي شهدتها القارة الأفريقية منذ حصول بلدانها على الاستقلال عن الاستعمار الأوروبي إلى 207 انقلابات.

جاء انقلاب الجابون بعد عدة أسابيع من انقلاب النيجر الذي حدث في 26 يوليو 2023، وبحسب إحصائية لكلية الدراسات الإفريقية العليا بجامعة القاهرة، شهدت بوركينا فاسو سلسلة من الانقلابات العسكرية، بلغت 10 محاولات، كان آخرها في يناير الماضي، فيما شهدت غينيا بيساو، أيضًا، 10 محاولات انقلابية، منذ استقلالها عن البرتغال، كانت آخر محاولة انقلاب فاشلة، في شهر فبراير 2022، بينما شهدت أوغندا منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1962، أكثر من 6 انقلابات عسكرية آخرها عام 1986، بقيادة الرئيس الحالي يوري موسيفيني.

وفي مايو 2021 استولى العسكر بقيادة جوتا على السلطة في مالي، بعدها بخمسة أشهر، وقع انقلاب في السودان أطاح بحكم الرئيس عمر البشير، وفي العام ذاته (2021) شهدت غينيا انقلابًا بقيادة العقيد مامادي دومبويا، فيما شهدت التشاد عدة محاولات انقلابية، كان أخرها محاولة انقلاب فاشلة في يناير 2023 نفذها عدد من العسكريين، على نظام الحكم للمرحلة الانتقالية الحالية.

وأرجع خبراء في الشأن الأفريقي تكرار ظاهرة الانقلابات في القارة الأفريقية إلى عدة أسباب منها: ضعف اقتصادات القارة، والبيئة الأمنية المضطربة، وعدم احترام المواثيق الديمقراطية، ولجوء العديد من الحكام المدنيين لتمديد فترات حكمهم.

وفى تحليله لظاهرة الانقلابات داخل القارة الأفريقية ومدي تأثيرها على البلدان الواقعة بها، كشف الدكتور محمود أبو العينين أستاذ العلوم السياسية والعميد الأسبق لكلية الدراسات الإفريقية العليا بجامعة القاهرة، لـ "ذات مصر"، أن الدول الإفريقية في الفترة الحالية تشهد نوعًا من التغيير في الأنظمة، وخصوصا في منطقة الساحل والصحراء وغرب أفريقيا، لعدة أسباب: أولها أنها منطقة تشهد تحديات كبيرة خاصة بالإرهاب والفقر، ثانيا تراجع دور الدول الغربية ومنها فرنسا داخل القارة على ضوء الحرب الروسية الأوكرانية، هذا التراجع وّلد موجة جديدة في الدول الإفريقية تتحدى فكرة الديمقراطية والتعددية الحزبية، وغيرها من الشعارات التي يرفعها الغرب.

وأوضح أنه بعد انتصار الغرب في الحرب الباردة ظهر نظام القوة العظمى الواحدة في العالم، هذه القوة فرضت على دول العالم وخاصة إفريقيا شروطًا سياسية واقتصادية للحصول على المساعدات والقروض، تتمثل في التحول الديمقراطي، مشيرا إلى أن بعض الدول الأفريقية نتيجة هذه الشروط شهدت تحولات ديمقراطية، وبعض هذه التحولات كانت "غصبا عنها"، الأمر الذى تسبب في وقوع صرعات بين المواطنين والجماعات العرقية بها، ونتيجة للضغوط الغربية، زاد الفقر في القارة السمراء، وشهدت معظم الدول موجات هجرة غير منظمة إلى أوروبا، وقد اعتراف الغرب فيما بعد بأن الضغوط التي مارسها على القارة كانت كبيرة.

تحتل قارة أفريقيا قائمة أكثر المناطق التي تحوي أعلى معدلات فقر في العالم، وبخاصة مناطق جنوب الصحراء، وتصل نسبة الفقر بها إلى أكثر من 35.2 % من إجمالي سكان القارة، وعلى صعيد الهجرة غير الشرعية شهد النصف الأول من العام الحالي 2023 تسجيل زيادة في أعداد المهاجرين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط نحو أوروبا للمرة الأولى منذ عام 2017، وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، فإن ما لا يقل عن 1874 شخصاً لقوا حتفهم أو فقدوا في المتوسط خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام، في حين تم تسجيل 1108 حالات غرق أو فقد خلال نفس الفترة من العام الماضي 2020.

وفى السنوات الأخيرة ضغط القادة الأفارقة من أجل تمثيل إفريقيا الدائم في مجلس الأمن، ودعا الاتحاد الإفريقي إلى توسيع المجلس إلى 26 عضواً بستة مقاعد دائمة إضافية، بما في ذلك اثنان لإفريقيا مع حقّ النقض، و5 مقاعد غير دائمة للقارة نفسها.

وأوضح عميد كلية الدراسات الأفريقية العليا السابق، أن الحرب الروسية الأوكرانية وظهور مجموعات تطالب بتغيير النظام الدولي التعددي لتمكين أفريقيا من المشاركة بشكل أكبر في النظام الدولي، شجع الشعوب الأفريقية وعدد من الدول التي تعاني على تغيير أنظمتها وعدم الالتزام بالديمقراطية الغربية، وذكر أن النظام في الجابون موجود منذ أكثر من 55 عاما، حيث تولي بونجو السلطة منذ 14 عاما في الجابون، وقد انتخب لأول مرة في عام 2009 بعد وفاة والده عمر بونجو أونديمبا، الذي حكم البلاد لمدة 41 عاما.

أسباب تراجع النفوذ الفرنسي 


وشهد الغرب الإفريقي خلال السنوات الأخيرة موجة من الانقلابات العسكرية على الأنظمة التي تحكمها، كان آخرها انقلابي الجابون والنيجر، ويرى الدكتور محمود أبو العينين أن الانقلابات التي شهدتها القارة الإفريقية مؤخرًا، هيمن عليها خطاب معاد للغرب، خاصة فرنسا، بسبب تصاعد النزعة الوطنية المطالبة بالتخلص من كل ما له علاقة بباريس.

يرجع تاريخ الهيمنة الفرنسية على إفريقيا إلى القرن السابع عشر، حيث بدأت فرنسا احتلال مناطق القارة واستغلال سكانها المحليين منذ 1624 عبر إنشاء أول مراكزها التجارية في السنغال، بعدها تأسس الإرث الاستعماري والنفوذ الفرنسي في إفريقيا منذ مؤتمر برلين سنة 1884 الذي قسم القارة الإفريقية بين نفوذ قوى دولية استعمارية، وظلت فرنسا متشبثة بالمكتسبات التي حصلت عليها عنوة بفضل احتلالها هذه الدول وبما تلا ذلك من اتفاقيات الاستقلال.

وبعد عمليات الاستقلال التي شهدتها القارة الإفريقية، حرصت فرنسا على إقامة علاقات وطيدة مع الأنظمة الدكتاتورية ومواجهة كل الدول التي حاولت الخروج من دائرة سيطرتها عن طريق انقلابات عسكرية أو اغتيالات مدبرة، فضلا عن الاستهداف المباشر لاقتصادها.

بالنسبة للجابون فقد كانت مستعمرة فرنسية حتى عام 1960، وفي فبراير 1961 أصبح ليون إمبا رئيسا للبلاد قبل الإطاحة به في انقلاب عسكري بعد 3 سنوات، ثم تدخلت فرنسا عسكريا وأعادته للسلطة، وظلت العلاقات الفرنسية الجابونية في عهد رئيسها عمر بونجو، بموجب نظام يعرف باسم "فرانكافريك"، الذى بموجبه تتلقى الحكومة الجابونية الدعم السياسي والعسكري من فرنسا مقابل خدمات تجارية، لكن العلاقات فترت بعد فوز ابنه علي في انتخابات عام 2009.

وتعد الجابون أحدث مستعمرة فرنسية سابقة في أفريقيا تشهد انقلابا في السنوات الأخيرة، بعد مالي وبوركينا فاسو وغينيا ومؤخرا النيجر، الأمر الذي يشير إلى تراجع النفوذ الفرنسي في القارة.

وأرجع الباحث السياسي حليم بوعمري، في دراسة بحثية له بـ"المركز الديمقراطي العربي"، نُشرت بعنوان "الانقلابات العسكرية كمحدد لتراجع النفوذ الفرنسي في إفريقيا"، أسباب ترنح النفوذ الفرنسي في أفريقيا إلى استمرار تعامل باريس مع القارة السمراء بنظرة أمنية استعمارية خالية من أي بعد اقتصادي، على عكس كثير من الدول الأخرى التي رأت في التنمية والشراكة التجارية المنفذ لولوج أفريقيا المرشحة لأن تشهد في السنوات المقبلة أكبر أعلى معدلات النمو الاقتصادي عالميا، ما ساهم في اشتداد التنافس الدولي في إفريقيا خصوصا مع دخول لاعبين جدد لا يملكون مشتركات كثيرة مع فرنسا بل يعتبرون نفوذها عقبة أمام تمددهم في إفريقيا، و تزايد الإخفاقات الأمنية لفرنسا في إفريقيا وتمدد دائرة الإرهاب الذي يستنزف الجيش الفرنسي ويهدد حلفاءها التقليديين  بل يدفعهم إلى طلب العون من خارج الحضن الفرنسي.

فيما أرجعت مي صلاح الباحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، تراجع النفوذ الفرنسي في أفريقيا إلى: استغلال فرنسا العلاقات الاقتصادية والسياسية التاريخية في مستعمراتها السابقة لخدمة مصالحها، وبالتالي تدهور الأوضاع غرب-وسط الأفريقية، وذكرت أن فرنسا اشترطت على الدول الإفريقية التي تنادي بالاستقلال عنها أن تهب تلك الدول لباريس كل الخيرات أو النصيب الأكبر منها دون مقابل، وهذا الشرط جعل المواطنين في النيجر مثلًا يرون أن فرنسا “تعمدت” إفقار بلادهم.

وأضافت، في ورقة بحثية لها بعنوان " مصير النفوذ الفرنسي في أفريقيا عقب انقلاب النيجر"، أن فرنسا لا زالت مستمرة في “سياسة الإملاءات” واتباع النهج الأبوي وازدواجية المعايير في أفريقيا، بالإضافة إلى فشل القوات الفرنسية في مكافحة الجماعات الإسلامية المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش، إلى جانب عدم فهم التحولات الاجتماعية والسياسية في منطقة الساحل الإفريقي، فضلا عن تدافع القوى العالمية المتنافسة على إفريقيا لتكون بديلًا للنفوذ الفرنسي، مثل الصين وروسيا.

دور الاتحاد الإفريقي 
مؤخرا أدان رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي، "محاولة انقلاب" في الجابون، وطالب - في بيان نشر على الموقع الرسمي للاتحاد الإفريقي - الجيش في الجابون بضمان سلامة الرئيس علي بونجو أونديمبا وأسرته، مشيرا إلى أنه يتابع الموقف هناك باهتمام بالغ.

في السياق ذاته علق الاتحاد الإفريقي عضوية النيجر التي شهدت انقلابا في منتصف يوليو الماضي، لكنه أبدى تحفظا عن تدخل عسكري محتمل من جانب دول غرب إفريقيا لإعادة الرئيس محمد بازوم إلى الحكم داعيا إلى حل دبلوماسي.

وعن قدرة الاتحاد الإفريقي وبعض المنظمات الأفريقية الأخرى، على وقف مثل هذه الانقلابات داخل القارة، قال أستاذ العلوم السياسية الدكتور محمود أبو العينين، :" الاتحاد الإفريقي لديه قواعد خاصة بعدم الاستيلاء على السلطة بطرق غير شرعية، والانقلابات أحد هذه الطرق، وبالتالي الدول التي تقع فيها هذه الانقلاب يقوم الاتحاد الأفريقي بإصدار قرار بتعليق أنشطتها داخل الاتحاد".

وأوضح أن التعامل مع مثل هذه الأحداث يجب أن يكون بالمفهوم السياسي، وليس بفكرة التهديد العسكري، مضيفا: "القارة الإفريقية مش ناقصة.. كفاية إرهاب وفقر.. فكرة التدخل العسكري وفرض نظام من الخارج شكل شاذ وغير مقبول"، مثمناً  الدور الذى لعبته الجزائر مؤخرا في حل الأزمة بالنيجر ومنع التدخل الفرنسي.

كانت دولة الجزائر سعت مؤخراً إلى إفشال أي مخطّط للتدخل العسكري في جارتها النيجر، خشية أن تقذف عليها تداعيات هذا التدخل موجات من الإرهابيين واللاجئين، وتعطّل مشروعا اقتصاديا مهما لها في مجال الغاز، ويقوم مسؤولون جزائريون خلال الفترة الحالية بجولات في بعض دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس"، منها النيجر، وكذلك دول تؤيّد التدخل العسكري الذي لوّحت به "إيكواس"، وذلك في جهود وساطة تشدد على الحل السلمي.

فى سياق متصل، توقع الدكتور محمود أبو العينين، أن تشهد المناطق الساخنة في أفريقيا أحداثا أخطر من الانقلابات، تتمثل في مواجهة تحديات اقتصادية وأمنية، وذكر أن النيجر رغم كونها دولة بترولية غنية، إلا أنها تعاني من سوء توزيع داخلي، داعيا إلي التكاتف لحل مشاكل القارة الإفريقية بشكل سياسي وليس عسكري.