ماهر الشيال يكتب: «حديد على حديد».. عن مُجمّع الصُّلب القديم والجديد!

ذات مصر

في بيان له أمس الأربعاء أعلن مجلس الوزراء، عن موافقة الحكومة على إقامة مُجمّع صناعي لإنتاج مسطحات الصلب باستثمارات تبلغ مليار دولار.. كما أشار البيان إلى أن المشروع الجديد الذي سيقام -بمشيئة الله- في المنطقة الصناعية بقناة السويس، وستشارك فيه إحدى الشركات العالمية -لم يذكر اسم الشركة- وأضاف البيان أن المجمع سيقام بنظام المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة، ومن المتوقع أن تبلغ الطاقة الإنتاجية للمشروع 1.8 مليون طن، ويبدأ الإنتاج بعد عام ونصف أو عامين من بدء العمل على استيفاء الجوانب الإدارية.. يُذكر أن إنتاج مصر من الحديد قد انخفض بنسبة 18% خلال النصف الأول من العام الحالي، ليبلغ 3.6 طن فقط.

كانت الحكومة قد طرحت رُخصًا لحديد التسليح في نوفمبر 2021، بعد توقفٍ دام لنحوٍ من أحد عشر عاما، ليقفز الإنتاج المصري من الحديد في العام التالي إلى 8.389 مليون طن بزيادة بلغت نسبتها 13%.. ومن المتوقع أن تطرح الحكومة رُخصًا جديدة العام المقبل.

هذا وتعتزم "نوفيستال إم" الروسية إنشاء مصنع صلب في مصر بحجم استثمارات يقدر بنحو 500مليون دولار. 

وكان جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة، قد استحوذ أول من أمس الثلاثاء على 24% من أسهم ثلاث شركات للصلب تابعة لمجموعة بشاي بقيمة 324 مليون، لتسوية مديونيات.. الشركات الثلاث هي "المصرية للحديد الإسفنجي والصلب" و"المصرية الأميركية لدرفلة الصلب" و"المصانع الدولية لدرفلة الصلب" وقد جرت الصفقات على الأسهم في سوق خارج المقصورة ببورصة مصر.. وتعد بشاي للصلب من أعرق شركات الحديد في مصر -تأسست 1948- ويبلغ حجم إنتاجها السنوي 4 ملايين طن سنويا.

قبل نحو عام اختارت الحكومة المصرية يوم 28 سبتمبر - ذكرى رحيل الرئيس جمال عبد الناصر- ليكون يوم بيع الشركة المصرية لصناعة الحديد والصلب، التي أسسها عبد الناصر قبل هذا التاريخ بـ 67 عاما، وكان قرار التصفية قد اتخذ في ديسمبر 2021.

يحمل اختيار يوم وسنة بدء البيع والإجهاز على الشركة، إشارات واضحة هي أقرب للتبجح منها لأي شيء آخر.. يضاف إلى ذلك ما أعلنته الحكومة عن حجم الخسائر التي منيت بها الشركة على مدى عشر سنوات، وبلغ 5 مليارات من الجنيهات.

كانت ثماني شركات عالمية قد عرضت الدخول في شراكة إنتاجية مع شركة الحديد والصلب، لكن الحكومة انتهت إلى رفض كل العروض لأسباب مختلفة؛ مفضلة خيار التصفية، ومن ثم البيع.. بالرغم من أن الشركة كانت تمتلك أصولا ضخمة غير مستغلة، منها أراضٍ تصل إلى 790 فدانا استحوذت عليها الشركة بنظام وضع اليد بمنطقة التبين، وكذلك 654 فدانا بذات النظام بالواحات البحرية، إضافة إلى 54 فدانا اشترتها الشركة من الشركة القومية للأسمنت عام 1979، وقطعة أرض بمساحة 45 ألف متر مربع بأسوان حصلت عليها بعد تسوية نزاعها مع شركة الصناعات الكيماوية "كيما"، فضلا عن كميات ضخمة من الخردة تصل إلى 600 ألف طن، بالإضافة إلى جبل التراب الذى يحتوي على خردة تقدر بـ700 ألف طن، قدّرها وزير قطاع الأعمال في سبتمبر 2019، بنحو 5 مليارات جنيه.

وقد بلغت المساحة التي أقيم عليها المجمع في حلوان، حوالي ثلاثة آلاف فدان.. وبدأ العمل فيه من خلال فرنين عاليين صُنعا بألمانيا، أصبحت ثلاثة أفران عام 1973، بإضافة فرن روسي، وبعد ست سنوات أصبح عدد الأفران أربعة.

ساهم إنتاج المجمع الذي بلغ 1.2 مليون طن، بعد أربعة أعوام فقط من بدأ التشغيل ووصلت إلى 1.5 مليون طن في نهاية الستينات، شملت القطبان والصفائح والأنابيب ومستلزمات السكك الحديدية والجسور والأنفاق والصناعات التحويلية - بدور رئيس في بناء السد العالي، كما كان له الدور الأهم في إنشاء حائط الصواريخ صاحب الدور الأهم في نصر أكتوبر المجيد.

في عهد الرئيس مبارك، تعرّض المصنع لتدمير ممنهج، تمثّل في سوء الإدارة والإهمال البالغ شبه المتعمد في أعمال الصيانة، مع عدم ضخ استثمارات جديدة، ووقف كافة خطط التطوير، والتوقف التام عن تدريب العمال والموظفين بالشركة.. حتى نجح أصحاب هذا المخطط في مطلع التسعينات إلى تحويل الحديد والصلب إلى شركة خاسرة.

محاولات إخراج إنتاج الحديد والصلب من السوق المصرية جرت على نحو واضح؛ لحساب مستوردي الحديد التركي والأوكراني والصيني.. منذ أكثر من سبع سنوات، ولا شك أن الحال في 2023 قد تغيّر كثيرا مع تفاقم أزمة شُح الدولار؛ ليصبح استيراد الحديد عبئا كبيرا، إذ تستورد مصر 6 مليون طن من خام الحديد و3 مليون من الخردة و2 مليون طن من البيلت سنويا، وكانت واردات مصر من المواد الأولية من الحديد أو الصلب قد بلغت 2.32 مليار دولار خلال الثلث الأول من العام الماضي، في مقابل 1.146 مليار دولار خلال نفس الفترة من 2021، بزيادة بلغت 102.4%.

وكان بنك الاستثمار القومي قد أصدر دراسة في عام 2017، حذّر فيها من الإغراق وتبعاته على الإنتاج المصري، كما ألمحت الدراسة إلى ضعف التنافسية في ظل احتكار شركة حديد عز الخاصة لنحو 50% من إنتاج الحديد في مصر.

مشروعات جديدة واستثمارات تقدّر بالمليارات، وتراخيص تمنح لشركات أجنبية، واستحواذ لجهاز المشروعات على نسبة تقترب من الربع من شركات مصرية عريقة.. وقبل عام تفريط آثار سخط واستياء كثير من المصريين، في قلعة من أهم قلاع الصناعة المصرية.. هذا التضارب الشديد الذي لا ينبئ عن رؤية واضحة ولا استراتيجية محددة - يشي بعواقب ربما تحمل لنا في قادم الأيام، مزيدا من التساؤلات حول أهداف ومرامي من صنعوا هذا الخليط البائس من الأشياء وعكسها في بلد يعاني أزمات تستحكم يوما بعد يوم، في حين لا يملك السواد الأعظم من شعبه من أمره شيئا، إلا أن يسأل الله السلامة.