جهاز حماية المستهلك.. حامي الشعب «نائم» والفساد يلاحق رئيسه «المحمي»

ذات مصر

أزمات كبرى تحيط بالمصريين حال رغبتهم شراء سلعة غذائية أو منتج ما سواء كانت من محل صغير في إحدى المناطق الشعبية، أو حتى من معرض تابع لماركة عالمية شهيرة، فجميعهم مهددون بتجربة سيئة سواء بخصوص السعر أو حتى جودة المنتج.

أسد على المستهلك.. ونعامة على الشركات

محمود مقصود، شاب اشترى شاشة تحمل ماركة معروفة محليًا وعالميًا، لكنه اكتشف بعد أيام قليلة وجود عيب صناعة بها، لتبدأ بعدها رحلة معاناته لإرجاع أو استبدال الشاشة رغم محاولته في الفترة المسموح بها قانونًا.

يوضح محمود أن ابلغ باستبدال الشاشة لكن بعد 48 ساعة تراجعت الشركة وأخبرته أن العيب ليس منه، ليضطر الشاب للجوء إلى جهاز حماية المستهلك، الذي أرسل لجنة من عضوين للمعاينة أحدهما تابع للشركة المشكو في حقها على خلاف ما ينص عليه القانون، لتقرر اللجنة أنه لا عيب، ويضيع حق الشاب.

تجربة محمود ليست الوحيدة، فصفحات مواقع التواصل الاجتماعي تضج بملايين التدوينات التي تحكي عن استغلال المحال والتجار ورفعهم أسعار السلع مرارًا وتكرارًا، وشكواهم من عدم وجود رقابة من قبل الجهاز المختص في مصر.

17 عامًا من اللاشيء

مصر، أعلنت في عام 2006 إنشاء جهاز حماية المستهلك، لتكون مهمته الرئيسية ضبط الأسواق وتحقيق الأمان في كافة المعاملات التجارية، سعيًا نحو تنظيم العلاقة بين التاجر والمستهلك.

وفي موقعه الإلكتروني يبين الجهاز أنه رسالته هي: «رفع وعى وحماية المستهلك ضد الممارسات الضارة لصحته واقتصادياته بفريق عمل من الشباب يستخدم أحدث الوسائل التكنولوجية لتحقيق ضبط الأسواق والعدالة الاجتماعية للمستهلك والتنمية الاقتصادية للبلاد».

ولهذا الغرض، يمتلك الجهاز 19 فرعًا يغطون كل محافظات مصر تقريبًا، بخلاف مقره الرئيسي في منطقة المهندسين في الجيزة، بالإضافة إلى موازنة كبيرة تتجاوز الـ185 مليون جنيه في العام المالي الجاري، بدلًا عن 174 مليون جنيه في موازنة العام المالي الفائت.

لكن على أرض الواقع فالجهاز الذي يضم رئيسًا وهيئة كبرى ومئات الموظفين لا يقدم الدور المرجو منه، فمئات الشكاوى تقدم إليه يوميًا ولا يستطيع إنجاز إلا القليل منها، رغم المخصصات المالية المحددة له.

السوق ملك للشركات والتجار

ومع تردي الأوضاع الاقتصادية في مصر خلال العاميين الماضيين وتسجيل أسعار المنتجات والسلع ارتفاعات قياسية متتالية، تخرج الاستغاثات المتواصلة ليلًا ونهارًا من المواطنين وتقدم الشكاوى دون رد فعل.

فكتبت أمينة جبريل، عبر حسابها بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك": "جهاز حماية المستهلك.. ندور عليه فين يا جماعة.. ودوره ايه والتجار دول مين الرقيب عليهم.. طب هم ضميرهم مات.. طب فين دور الدولة والمسؤولين عايزة أفهم".

وأضاف عبدالله محروس، في تعليقه على قرارات السيسي بزيادة المرتبات والمعاشات: "والله يا ريِّس السيطرة على غول الأسعار الذي توحّش واستأسد علينا أهم وأكثر فائدة من كل هذه القرارات رغم أهميتها.. نعم نحارب الغلاء بالاستغناء.. لكن هنستغني عن إيه ولا إيه ولا إيه؟؟؟؟؟".

وتابع: "نفسي مرة أشوف تاجر جَشِع أو تاجر غشاش أو تاجر محتكر لسلعة يتم إعدامه في ميدان عام ليكون عبرةً لغيره في هذه الظروف الاستثنائية التي لا يعلم تأثيرها على كل المصريين إلا الله".

وأكمل: "أين نظام التسعيرة الجبرية الذي كانت تفرضه الحكومة وتراقبه بكل حزم مباحث التموين وتحاسب من يخالفه؟.. أين دور ما يُسَمّى زورا وبهتانا ب (جهاز حماية المستهلك)؟".

وزاد ياسر خيري متسائلًا عبر حسابه بـموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك": "ممكن اعرف هل جهاز حماية المستهلك له دور لو أحد السلع الأساسية بها فرق سعر أكثر من 10% بين المحلات؟".

الجهاز ترك المستهلك فريسةً للتجار والشركات، وتركهم يتلاعبون به كيفما شاءوا فلا عجب إن وجدت سلعة أساسية أو غير أساسية تباع بأسعار مختلفة في نفس المنطقة، أو سلعة أخرى غير موجودة رغم إعلان الحكومة توافرها، كما حدث في أزمات السجائر والبصل والأرز والسكر مثلًا.

رئيس جهاز بـ«البارشوت»

في نوفمبر 2020، فوجئ الجميع بإصدار رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، قرارًا بتعيين مساعد وزير التموين لشؤون التجارة الداخلية، أيمن فتحي عبدالغني حسام الدين، قائمًا بأعمال رئيس مجلس إدارة جهاز حماية المستهلك لمدة ثلاثة أشهر، أو لحين تشكيل مجلس إدارة جديد، خلفًا للقائم بأعمال رئيس الجهاز، أحمد سمير.

وفي ديسمبر 2020، أصدر مدبوُلي قرارًا بتعيين أيمن حسام الدين رئيسا لمجلس إدارة جهاز حماية المستهلك، بعد وضعه استراتيجية للنهوض بالجهاز في إطار توجهات الدولة لتكثيف الرقابة على الأسواق والتصدي لأي مخالفات من شأنها الأضرار بحقوق المستهلك.

تعيين حسام لم يجد قبولًا لدى قيادات الجهاز، وكشفت مصادر، عن وجود حالة غضب كبيرة من وجوده على رأس الجهاز بعد احتلاله المنصب بـ«البارشوت»، وعدم تقديم الجهاز دوره الحقيقي.

المصادر بينت لـ«ذات مصر»، أن رئيس الجهاز الحالي، لا توجد له رؤية واضحة منذ قدومه، ولا يؤدي هو أو الجهاز الدور المنوط به، فضلًا عن مواجهته العديد من الاتهامات بالفساد وغيرها.

وقائع فساد في الجهاز

النائب محمد عبدالرحمن راضي، أمين سر "دفاع النواب"، قدم طلب إحاطة بشأن ما وصفه بـ "الفساد في هيئة حماية المستهلك" برئاسة أيمن حسام، مطالبًا إياه أرقام من تعاقد الأخير معهم تحت مسمى "توسيع عمل الجهاز"، ليرد رئيس اللجنة النائب أحمد سمير، قائلا: "رئيس جهاز حماية المستهلك سبق وقدم 38 متعاقدا جديدا فقط".

وقد تمت مواجهة رئيس جهاز حماية المستهلك بكشف يضم أسماء من تم التعاقد معهم خلال الفترة الأخيرة حيث بلغوا أكثر من 250 متعاقدا، بحسب مجريات الجلسة البرلمانية.

وأضاف راضي أنه قدم كل هذه المستندات في مضابط الاجتماع، موضحا أن هناك عشرات السيارات الجديدة والتي لم تستخدم من نوع "فيرنا" موديلات حديثة مخزنة من قبل رئيس الجهاز في جراج القرية الذكية وقريبًا ستكون خردة بسبب عدم الاستعمال أو حتى بيعها من أجل توفير النفقات.

وبحسب النائب عبدالرحمن راضي: رئيس الجهاز تقاضى أموالا تقدر بأكثر من 120 ألف جنيه قبل أن يصدر له قرار تعيينه رئيسا للجهاز ولم يقم بردها حتى الآن بحسب مستند قُدم أيضا في مضابط الاجتماع، ورئيس الجهاز يحصل على راتبين من جهتين مختلفتين بالمخالفة للقانون.

وقال النائب راضي، في تصريحات صحفية: الشارع لا يعلم أي شيء عن عمل جهاز حماية المستهلك، وهذا الجهاز بوجود هذه القيادة على رأسه مجرد اسم دون عمل حيث ينهش التجار قلب المواطنين وهو لا يتحرك.

وأشار النائب البرلماني إلى أن غلاء معظم السلع وخصوصا السيارات يتحمل مسئولية رئيس جهاز حماية المستهلك لأنه لا يستطيع عمل أي شيء مع التجار والمصانع. 

«القوة منين»

ورغم الاتهامات التي واجهت رئيس جهاز حماية المستهلك، إلا أن ذلك لم يحرك له ساكنا أو يغير من الواقع الذي يقود به الجهاز، ليبدأ الحديث عن سر قوة المهندس الشاب وسطوته.

وتساءلت المصادر، عن سر القوة والحماية التي يحظى بها حسام الدين، لتمكنه من رئاسة الجهاز دون تحقيق أي إنجاز يذكر على مدار أكثر من 3 سنوات، رغم الانتقادات المتعددة والمتكررة التي توجه للجهاز من المستهلكين باستمرار.