عندما قال "الهرش" لا لتوطين الفلسطينيين في النقب

ذات مصر

لم تكن إقامة دولة لجمع "شتات الفلسطينيين"، في صحراء النقب فكرةً جديدةً، فقد طرحتها سلطات الاحتلال، على البدو في النقب وسيناء، عبر وزير الدفاع الأسبق، موشيه ديّان، في ستينات القرن الماضي.
كان الهدف الإسرائيلي من تلك الخُطة، أن تقام دولة عازلة، بعد نكسة يونيو، ما بين الكيان والجيش المصري، غير أن المخابرات المصرية وقتها، تواصلت مع الشيخ سالم الهرش، ممثل شيوخ القبائل السيناوية، والذي تعهد بالتصدي للمخطط الإسرائيلي.
وعلى غرار أفلام الجاسوسية المثيرة، ظهر "الهرش" في مؤتمر صحفي، بمدينة الحسنة إلى جوار موشيه ديان، في آخر أكتوبر عام ألفٍ وتسعمائةِ وثمانيةِ وستين، بعد أن أوهم العدو أن مشايخ القبائل السيناوية موافقون على الدولة المقترحة، وكان الاحتلال قد أجرى تحضيرات مكثفة لكي يكون المؤتمر مقنعًا ومبهرًا للعالم، إلى درجة أن وزارة الدفاع الإسرائيلية، أوكلت مهمة التصوير إلى مخرج إيطالي.
وجاءت اللحظة الحاسمة، وبدأت كلمة الشيخ الذي كرمه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لدوره الوطني فيما بعد.. فقال: "أنتم تريدون سيناء دولية، يعني أنا الآن لو أعلنت سيناء كدولة ستضعون صورتي على الجنيه السيناوي".
تهللت أسارير موشيه ديان، وفغر فاهه عن ابتسامة رضا، كأنه يعلن موافقته، فإذا بالشيخ يعبر عن ضمير الوطن بحكمة الصحراء: "أؤكد لكم أن سيناء مصرية، وستظل مصرية مائة بالمائة، ولا يملك الحديث عنها إلا السيد الزعيم جمال عبدالناصر".. وإزاء الفضيحة المنقولة للعالم بأسره، صوتًا وصورة، لم يتمالك ديّان أعصابه، فضرب المنصة بقبضته، ثم أطاح بها، ومن ثم غادر المؤتمر الصحفي يجر أذيال الخيبة.
وبطبيعة الحال، كانت هذه الكلمة كفيلة بأن يُنكل بالهرشِ على يد قوات الاحتلال، فقد أحبط مشروعهم الذي أريد به التخلص من سكان غزة، عبر تهجيرهم إلى صحراء النقب، وتأسيس دولة موالية للاحتلال في سيناء، بحيث تعزلهم عن الجيش المصري الذي كان يشن حرب استنزاف مجيدة، لكن المخابرات المصرية كانت تحسبت للأمر، فقررت بأوامر من عبدالناصر حماية الشيخ، مهما كان الثمن، فأرسلت سيارة دفع رباعي نقلته إلى الأردن حيث استقبله الناس استقبالًا يليق بما أسداه إلى وطنه.
أيما يكن، لقد عادت فكرة التهجير تلك، مع التصريحات الإسرائيلية المتكررة، بُعيد عملية "طوفان الأقصى"، وهو الأمرالذي يُفرّغ القضية الفلسطينية من مضمونها، ويحقق للاحتلال استقراره وأمنه من دون مقابل، وهذا ما يستحيل حدوثه، ما بقي الفلسطينيون يقاومون، وما بقي أحفاد "الهرش" في سيناء، وما بقي "خير أجناد الأرض" يحرسون بوابة مصر الشرقية.