الفلوس ذلت النفوس.. كيف غيرت السوشيل ميديا الأسرة المصرية؟

ذات مصر

ارتبط التاريخ الإنساني بصراع مستمر بين الذاكرة الشعبية وأنماط العيش في أي مجتمع تحمل الموروث وعادات الشعوب وتقاليدها، وتطورات العصر وفرضياته الجديدة، التي عادةً ما تنتصر وتنهي كليًا أو جزئيًا ما كان ممنوع في السابق

السوشيل ميديا أصبحت تستحوذ على حيز كبير من حياة المصريين، لتخلق فجوة بين الآباء الراغبين في توريث عاداتهم وتقاليدهم إلى أبنائهم، والأبناء الطامحين إلى الحداثة بعدما أصبحوا مطلعين على كل ما يحدث في العالم من حولهم في نفس الساعة بل يمكن في الدقيقة ذاتها.

خلال الأعوام القليلة الماضية، وخصوصًا بعد عام 2020 لعبت السوشيل ميديا دورًا في تخفيف آثار أزمة كورونا في ظل قرارات حظر التجوال واضطرار الناس إلى المكوث في منازلهم لمنع انتشار الفيروس، لتكون هي المنفذ الوحيد للعائلات من الآباء والأبناء على العالم الخارجي.

مع توالي السنين نجحت السوشيل ميديا في الاستحواذ على الشباب وانفلت الأوضاع مع تحولها إلى مصدر لجني المال، لكن الآباء والدراسات أخذت تحذر من آثارها السلبية على الأسرة والمجتمع، والتشديد على ضرورة الانتباه بدلًا من اتساع الفجوة.

صراع الأخلاق 

كانت الحياة في الماضي تخلو من التعقيدات الكثيرة والاختراعات الموجودة في الوقت الحاضر، الآباء في بدايتهم لم تتوفر لهم وسائل التواصل والاتصال الموجودة حاليًا ليسيطر الهدوء على يومهم لكنهم فوجئوا بالتغييرات الكبيرة مع بداية القرن العشرين.

التطورات الجديدة في عالم «التسلية» هي الأبرز، فوسائل الاتصال استقبلت بترحاب لقدرتها على توصيل الناس ببعضهم لكن مواقع التواصل أتاحت ما هو أكثر من ذلك وبدت هاجسًا بالنسبة للآباء خصوصًا مع تطلعات الأبناء لتقليد ما يشاهدوه من أقرانهم في الأقطار الأخرى. 

يقول سعيد محمد، 67 عامًا: «على أيامى كانت هناك رقابة من الأهالي على أبنائهم، رغم أن المغريات لم تكن كثيرة كما هو الحال.. الآن السباق لا يقوى عليه أحد، فبعد انطلاقات الفضائيات المتعددة بأفكارها، جاءت المواقع (الجيدة والسيئة)، ثم لاحقًا مواقع التواصل».

وأضاف لـ«ذات مصر»: «حاليًا لا توجد رقابة نهائيًا من الأهل على الأبناء لأسباب متعددة، بل أن بعض الآباء يشترون هواتف لأبنائهم الذين لم تتجاوز أعمارهم عن 4 سنوات، ويدعونهم وحدهم في عالم السوشيل ميديا دون رقيب».

وتابع: «للأسف الخطأ ليس على الطفل أو الشاب بل على أولياء الأمور، الذين تركوا أبنائهم فريسة سهلة، ما أدى إلى انحدار مستوى الطلاب تعليميًا وأخلاقيًا، وسيطر هوس مواقع التواصل والشهرة عليهم».

ضحايا السوشيل ميديا

وكشفت دراسة عن تأثر سلوك الإنسان بالوسائل التكنولوجية المختلفة بشكل كبير سواء على حياته وسلوكه أو طريقة اتصاله مع الآخرين، مشيرةً إلى أن وسائل التواصل ساهمت بشكل كبير ومتزايد على المجتمع بحكم أنها تمثل مظهراً من مظاهر التغير المادي الذي يؤثر على عملية التفاعل الفردي والجامعي داخل المحيط الاجتماعي.

وأوضحت إلى أن الإقبال الكبير والمتزايد على مواقع التواصل الاجتماعي أدى إلى إحداث تأثير على القيم الاجتماعية التي تعتبر أحد المحددات الرئيسية للشخصية من خلال التأثير على السلوك.

وبينت دراسة أن الذين يشاركون أو يتفاعلون أو يشاهدون صور الأخرين تتولد لديه مشاعر على عدم الرضا فى الواقع الذى يعيشونه، وأن الأشخاص الذين يقومون بإنشاء حسابات وهمية قد يقع البعض ضحية بسبب مشاركة الكثير من المعلومات الاجتماعية والشخصية وغيرها ثم ينتهى الأمر بالابتزاز المالي.

الأبناء وحلم الشهرة

وترى حمدية أحمد، 58 عامًا: «الحياة الآن أصبحت أصعب بكثير عن الماضي، أولياء الأمور جميعهم في سباق مستمر لتلبية احتياجات الأسرة، ما شغلهم عن الاهتمام بأبنائهم، لتحتل تلك الفجوة وسائل التواصل الاجتماعي التي لا يمكن السيطرة عليها».

وأردفت: «أحاول قدر الإمكان تقويم أبنائي، ومنعهم من الانزلاق في مستنقعات السوشيل ميديا، لكن الأمور تطورت كثيرًا خلال الأعوام الثلاثة الماضية تحديدًا، وبدى حلم الشهر وجني المال أكثر إقناعًا بالنسبة للأبناء من العادات والتقاليد». 

هبة سعيد 39 عامًا، توضح أن الأمور تغيرت الآن وأصبحت القيم والعادات والتقاليد في المرتبة الثانية سواء بالنسبة لأولياء الأمور، أو الأبناء، فأصبحنا نشاهد مقاطع فيديو تجمع الأهل مع أبنائهم في مواضع سيئة بحثًا عن الشهرة والمال».

وأكملت: «الواقع حاليًا كارثي، فعلى تطبيق مثل تيك توك تنتشر مقاطع فيديو لفتيات يرقصن وبعضهم يرتدي لباس مثير لتحقيق أرباح كبيرة، دون الاكتراث بخسارة احترام الناس، أو انهيار الأسرى»، متابعة: «في الماضي كان يستحيل أن يحدث هذًا احترامًا للأهل، والتزامًا بالعادات والتقاليد والقيم».