السفير عبدالله الأشعل يكتب: مراحل الصراع العربي الإسرائيلي ومستقبل القضية

ذات مصر

مر الصراع مع إسرائيل بمرحلتين: الأولى قادتها الدول العربية بجيوشها وقد هزمتهم جميعا العصابات الصهيونية فى أول مواجهة عام 1948 واطمأن الفلسطينيون إلى دخول الجيوش العربية وظلت هذه المرحلة سارية حتى اعتدت إسرائيل على سيناء لأول مرة عام 1956 وانتهت هذه المواجهة بانسحاب الجيش المصرى من سيناء فاحتلتها إسرائيل مع غزة التى كانت تحت الإدارة العسكرية المصرية، وفي عام 1967 قامت إسرائيل بالاعتداء مرة أخرى وهزمت الجيوش العربية المصرية والأردنية والسورية واحتلت الضفة الغربية والقدس كما احتلت سيناء والجولان.

وفي عام 1965 حاولت مصر تحريك القضية في اتجاهين الأول هو بناء مؤسسات فلسطينية تعبر عن الشعب الفلسطيني والثاني هو إطلاق المقاومة التي لعبت دورا ولو صغيرا خلال عدوان 1967.

وكانت هزيمة مصر عام 1967 هى المنطلق لما بعدها من ازدهار المشروع الصهيونى ولم تصحح حرب التحرير فى أكتوبر 1973 ما أحدثته مأساة 1967 بل ضوعفت الآثار لسبب بسيط وهو أن عبدالناصر لم يكن دقيقا في قراءة المشهد فقد كانت السلطة هي الهاجس الأول له ولذلك قرأ الصورة بشكل غير دقيق أوأمين فقد فهم أن الجيش هو الذى هزم فعمد إلى إعادة بناء الجيش علما بأن السبب الأساسى هو العقلية العسكرية الأمنية دون أن يكون لديها خبرة سياسية وفسر خلفاء عبدالناصر نصر أكتوبر على أنه انتصار للجيش فتكون المكافأة هي استمرار الحكم العسكري وكان الإعلام يردد أن شرعية مبارك فى السلطة تكمن فى الضربة الجوية الأولى عندما كان قائدا لسلاح الطيران وكانت النتيجة أن مبارك بقى فى السلطة 30 عاما مقابل 16 عاما لعبدالناصر و13 عاما للسادات. وأبرم أنور السادات اتفاقيات كامب دافيد والسلام انعكاساً للتقارب الذى قررته الولايات المتحدة مع إسرائيل وكانت تلك هى النكبة الحقيقية لمصر والمنطقة كلها.
هكذا اتسمت المرحلة الأولى من الصراع بالآتى: 
1- أن الدول العربية كانت تشارك ولو رمزيا فى المعارك العسكرية وكان العنصر الفلسطينى تابعا للقرار العربى ولكن السادات خرج على هذا الاجماع بصلح منفرد عام 1979 وفتح بذلك الباب للأختراق السياسى الإسرائيلى للعالم العربى وكانت مصر أول الخاسرين.
2- أن الصراع كان عربيا إسرائيليا عن طريق الجيوش الرسمية. ولكن أمكن لواشنطن ممارسة نفوذها الهائل على الحكام العرب فتوقف الصراع العربى الإسرائيلى. ومالت الدول العربية عموما نحو دعم إسرائيل والتطبيع معها بقدر ابتعادهم عن المقاومة الفلسطينية.
خلال هذه المرحلة نشأ حزب الله 1982 وحماس 1987بعد الانتفاضة الأولى وظهرت إيران الثورة وتقدمت لمناهضة المشروع الصهيونى بعد انضمام مصر إلى المعسكر الصهيو أمريكى، بل وتصدت إيران للمشروع الأمريكى الصهيونى وانحازت من اليوم الأول للثورة إلى القدس ومعاداة أمريكا وإسرائيل. 
المرحلة الثانية: تحول الصراع العربى الإسرائيلى إلى النزاع الفلسطينى الإسرائيلى فى هذه المرحلة ظهرت المقاومة بذراعيها الفلسطينى واللبنانى خاصة بعد أن طردت منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت 1982 حتى أوسلو 1993 عام توقف مقاومة فتح- عرفات تماما ودخل عرفات بعد اعترافه بإسرائيل وفق صيغة مريبة يطلق عليها الاعتراف المتبادل. بالاضافة إلى تجميد المنظمة بعد أوسلو وصلت الي حد ان السلطة الوطنية حلت محل المنظمة ورأس الاثنين أبو مازن بعد اغتيال عرفات وبدأ الشقاق الفلسطينى حيث اعتقدت السلطة أن الحل فى أوسلو والتنسيق الأمنى والتفاوض مع إسرائيل. 
وهكذا اتسع الشقاق بين السلطة والمقاومة لدرجة أن السلطة كانت أقرب إلى إسرائيل ولم تعد تربطها بالمقاومة أى صلة بل واعتبرت السلطة أن المقاومة تحتل غزة ولابد من تعاون السلطة مع إسرائيل فى القضاء على المقاومة وتفسيرى لموقف السلطة أنه يرجع لثلاثة أسباب:
السبب الأول هو أن أبو مازن يعتقد أن السلطة أساسها القانونى أوسلو وأنه يخشى أن تزيحه إسرائيل عن السلطة علما بأن أوسلو قد انتهت رسميا بمجرد مضى خمس سنوات على توقيعها بسبب إسرائيل وأعجب للذين يطالبون أبو مازن بإلغاء أوسلو التى لاوجود لها أصلاً.
السبب الثانى أن أبو مازن يعلم أن الحكام العرب يعادون المقاومة لاسباب فصلنها فى مقال آخر وهو يضع نفسه فى مصاف الحكام العرب.
السبب الثالث أن أبو مازن يخشى أن أقترب من المقاومة فإن إسرائيل تزيحه من السلطة وهو يقوم بالتنسيق الأمنى مع إسرائيل ضد المقاومة ثمنا لبقائه فى السلطة وفى عمليات طوفان الاقصي صرح أبو مازن إرضاءا لإسرائيل بأن حماس لاتمثل الشعب الفلسطينى علما بأن الشعب الفلسطينى تحول كله إلى مقاومة والعمليات بالضفة الغربية وفى داخل إسرائيل مصداق لذلك.
وقد حاولت بعض الدول العربية مثل السعودية ومصر أن تبتكر اسطورة المصالحة الفلسطينية وهما على الطرف النقيض للمقاومة ولذلك فشلت كل محاولاتهما لأن النية لم تكن خالصة لديهما ونحن نعلم ذلك جيدا لأن الحكام العرب يتصرفون بما يرضى إسرائيل وواشنطن وكلاهما يعتبران المقاومة عدوا واتخذها الحكام العرب عدوا وأهملوا ما جاء فى القرآن الكريم فكأن تعليمات واشنطن أسمى عندهم من القرآن.
ثم تطور العالم العربى بحجة أن إيران تدعم المقاومة وأن إيران تعادى السعودية والحق أن إيران تدعم المقاومة منذ أن تخلى العرب عنها ودخوا جميعا فى المعسكر الأمريكي الصهيونى كما أن الصراع ليس بين السعودية وإيران وإنما هو بين إيران والولايات المتحدة وأن السعودية حليف بمعنى ما للولايات المتحدة وكل من يعادى الولايات المتحدة وإسرائيل تعاديه الدول العربية كلها ووصل الأمر بالموقف العربى من المقاومة أن صدر قرار من الجامعة العربية باعتبار المقاومة بجناحيها الفلسطينى واللبنانى منظمات إرهابية وعبثا أن يتم النقاش مع هؤلاء لأنها تعليمات أمريكية يحفظون بها كراسيهم وعروشهم بينما مصالح الأوطان يتم إهدارها فمثلا المقاومة فى فلسطين ولبنان تعتبر صمام الأمان للامن القومى للوطن المصرى والتضحية يهذا الموقف تعتبر انحيازا لمصلحة النظام ضد مصلحة الوطن وهذا واضح جلى وإن كانت الحكومة المصرية لم تعلنه صراحة ولكنه مفهوم من تصرفاتها.
والخلاصة أن المقاومة في جانب  وأعداؤها هم الحكام العرب وإسرائيل والغرب عموما وكانت النتيجة أن منعت المظاهرات المؤيدة للمقاومة فى الدول العربية بتعليمات من واشنطن ولم تقم المظاهرات إلا فى الدول الغربية الديمقراطية التي سمح بعضها بالمظاهرات حتى يتوازن موقف الحكومة المؤيد للابادة فى غزة على سبيل التوازن فى موقف الغرب الذى انكشف تماما وكان ضد الشعارات التي رفعها عن حقوق الإنسان والقانون الدولى الإنسانى وغيرها من الشعارات وحتى المنظمات العالمية لحقوق الإنسان يبدو إنها صمتت بتعليمات من حكوماتها وقد ظهر واضحا أن كبرى الشركات العالمية تستفيد من العرب والمسلمين ثم تضخ الأموال لإسرائيل لقتل العرب والمسلمين ولذلك إننى أدعو وأجدد الدعوة إلى مقاطعة هذه الشركات لعلها تشعر بالخسارة نتيجة هذا الموقف غير العادل وغير الأخلاقي.
وفي الختام تحول الصراع العربى الإسرائيلى يوم أن كانت الدول العربية تستخدم جيوشها ضد الجيش الإسرائيلى ولكن مساعدة واشنطن الكاسحة لإسرائيل ألحقت الهزيمة بجميع الجيوش العربية ويبدو أن الخزلان فى الموقف العربى السياسي من غزة راجع لأحد أسبابه إلى حقد بعض القيادات العسكرية العربية الفاشلة من انجازات المقاومة التى حققت ما لم تحققه الجيوش المجتمعة عام 1948 بل إن الجيش المصرى وفرقته بالكامل التى أرسلت لفلسطين قد تم حصارها فى الفالوجة وبدأ منذ ذلك الوقت الضغت على مصر فى عهد الملك فاروق بالتراجع عن بعض مواقفها اتجاه إسرائيل واضطرت مصر إلى توقيع اتفاق الهدنة الوهمى مع إسرائيل في فبراير 1949 وهذا اتاح لإسرائيل أن تخطط لمصر أدوارها المقبله وسوف يثبت التاريخ العلاقة عند قيام إسرائيل بين تاريخ قيام إسرائيل وبين حركة الضباط عام 1952 فى مصر وما أعقبها حتى الآن الثابت أن إسرائيل أصبحت هى الثابت ونظم الحكم فى مصر المتعاقبة وكل سياساتها الداخلية والخارجية هى المتغير نتيجة هذا الثابت وسوف نفصل فى مقال آخر نتيجة هذه الرؤية.