أسلحة إيران للمقاومة.. طهران بين «شيطان الشرق» و«المساند الأمين»

ذات مصر

حين ينطق اسم إيران، إلى مخيلة أي شخص في الشرق والغرب، إلا ويتبادر أمامه الصورة الذهنية المترسخة ضدها بوصفها «الشيطان الأكبر» فهكذا دومًا توصف على ألسنة المحللين في منطقتنا أو خارجيها وتغذيها النبرة الطائفية المرتبطة بالدولة ذات الأذرع المسلحة في شتى البلدان العربية.

«شيطان الشرق»

معادلة إيران تبدو صعبة الفهم في كثير من الأحيان، وتثير مئات الأسئلة الموضوعية عن أهدافها وخططها شرقًا وغربًا، لكن طهران في كل مرة تنجح في تجاوز ذلك بإعلانها تقديم دعم للحركات المقاومة خصوصًا في فلسطين المحتلة.

بدأت الأسئلة تتزايد مع إعلان وحدة البحرية الأمريكية "سيلز" التابعة لسفينة "USS Lewis B Puller (ESB 3)"، بدعم من طائرات الهليكوبتر والطائرات بدون طيار، تمكنها من ضبط قارب يحتوي على أسلحة بالقرب من سواحل الصومال يشتبه أنها «إيرانية» متجهة إلى اليمن.

إلى هنا الخبر يبدو عاديًا فلطالما قدمت واتهمت إيران بدعم الحركات المسلحة في المنطقة خصوصًا الشيعية منها، سواء في العراق أو لبنان أو اليمن وغيرهم، لكن غير العادي هي نوعية الأسلحة المقدمة والتي تختلف كليًا عن دعمها للجماعات المسلحة السنية.

أسلحة متقدمة 

ذكرت الولايات المتحدة أن من بين المواد التي صادرتها من المركب المضبوط تشمل مكونات الدفع والتوجيه ورؤوس للصواريخ البالستية ذات المدى المتوسط ​​الخاصة بالحوثيين (MRBMs) والصواريخ المجنحة المضادة للسفن (ASCMs)، بالإضافة إلى مكونات الدفاع الجوي المرتبطة بها.

وتعد هذه المرة الأولى التي تضبط فيها أسلحة متقدمة قاتلة، مزودة من إيران، للحوثيين منذ بداية هجمات الحوثيين على السفن التجارية في نوفمبر 2023، وفتح باب التساؤلات حول قدرة إيران العسكرية وأسلحتها.

التحليلات الأولية، أشارت إلى أن هذه الأسلحة نفسها استخدمها الحوثيين لتهديد ومهاجمة الملاحين الأبرياء على السفن التجارية الدولية العابرة في البحر الأحمر. واعتبرت القوات الأمريكية القارب الشراعي غير آمن وأغرقته، وألقت القبض على 14 شخصًا في انتظار لمحاكمتهم.

أين غزة؟

من هنا بدأت التساؤلات تطرح حول الدعم الإيراني المقدم لحركات المقاومة في غزة، فأظهر تحليل أجرته وكالة «أسوشييتد برس» للأنباء لأكثر من 150 مقطع فيديو وصورة التقطت منذ بدء الحرب في غزة، أن حركة «حماس» جمعت ترسانة متنوعة من الأسلحة من إيران والصين وروسيا وكوريا الشمالية.

وقال المتحدث باسم «حماس»، غازي حمد، إن حماس تبحث في كل مكان عن الأسلحة، والدعم السياسي، وعن المال»، رافضًا الخوض في الحديث عن الجهة التي تقدم الأسلحة للحركة أو كيفية تسلل هذه الأسلحة إلى غزة.

ومن بين أكثر هذه الأسلحة تميزًا بندقية «AM-50»، وهي بندقية قنص إيرانية الصنع تطلق طلقة من عيار 50 قوية بما يكفي لاختراق ما يصل إلى بوصة من الفولاذ، والتي رصدت سابقًا في ساحات القتال في اليمن وسوريا والعراق.

وأشار تقرير «أسوشييتد برس» إلى أن «حماس» استخدمت طائرات مسيرة إيرانية التصميم تحمل رؤوساً حربية تنفجر عندما تصطدم بأهدافها، وأخرى صينية الصنع لإسقاط المتفجرات على الدبابات والقوات.

إيران المجرمة

المختصون ورواد مواقع التواصل الاجتماعي انطلقوا بعد الخبر مباشرةً في مقارنة الدعم العسكري المقدم من طهران للجماعات الشيعية واكتفائها بتقديم بندقية قنص وأسلحة صغيرة للحركات الجهادية السنية خصوصًا في غزة.

وبدى رواد التواصل الاجتماعي في كيل الاتهامات ضد إيران، وأنها موجودة في المنطقة لهدم الدول، وليس البروباجندا التي تسعى طهران لنشرها بأن العدو في المنطقة يتمثل في دولة الاحتلال الإسرائيلي وليس هي كما يروج الإعلام الخليجي عمومًا والسني خصوصًا في الدول المتوغلة بها طهران.

ويرى محللون أن إيران تقدم دعمًا محدودًا لحركات المقاومة السنية خصوصًا الفلسطينية لكنها تختلف كليًا عن دعمها المقدم للجماعات الشيعية، كون طهران في الأساس دولة طائفية وتحمل مشروعًا خاصًا بها.

ويشدد المحللون على أن طهران لا يمكن أن تقدم نفس الدعم رغم ما تعلنه ليلًا ونهارًا على أن مشروعها ليس طائفيًا وأنه قومي، مبينين أن الواقعة الأخيرة أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك نوايا طهران الخفية ومحاربتها لأهل السنة طوال الوقت.

حماس والمساعد الأمين

تاريخ حماس مع إيران يبدو طويلًا مقارنة بعمر حركة المقاومة الفلسطينية التي تأسست عام 1987، فبدأت العلاقة بينهما بعد بزوغ اسم «حماس»، فدعتها طهران للمشاركة بمؤتمر في طهران عام 1990 لدعم الانتفاضة، وأرسلت حماس وفدا يمثّلها، 1991 سمحت إيران لحماس بفتح مكتب يُمثّلها في طهران. 

من حينها تعمقت العلاقة وبدأت أكبر، وظهر ذلك في تصريحات قادة حماس، الذين يحرصون دومًا على توجيه الشكر وإعلان الامتنان للدولة الشيعية قبل حتى الدول الإسلامية السنية وصاحبة التاريخ في دعم القضية كمصر والأردن وغيرهما.

يقول قادة حماس إن إيران تقدم لهم دعمًا كبيرًا سواء ماديًا أو عسكريًا أو حتى لوجستيًا رغم كل المعوقات التي تحول دون ذلك بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة والضفة منذ أكثر 16 عامًا سواء برًا أو بحرًا أو جوًا.

من هنا التقط المحللون، أن إيران تحاول بشتى الطرق الممكنة دعم حركات المقاومة السنية دون شروط لنوعية الأسلحة المقدمة، وأن ما يحول دون مساعدتها حماس وغيرها بأسلحة متقدمة هو في الأساس الحصار المفروض على قطاع غزة والضفة.

ويوضح المحللون أن إيران صاحبة مشروع واسع الأفق لا ينظر إلى الأمور من منظور طائفي بحت، مستدلين على ذلك بحثها الجماعات التابعة لها كحزب الله في لبنان، وجماعة الحوثي في اليمن، والجماعات العراقية والسورية الموالية لها على مساندة المقاومة في غزة في ظل الحرب الحالية.

ويقول المحللون إن انخراط إيران مباشرة في المعركة الحالية يبدو صعبًا وقريب من المستحيل، فالدولة الشيعية محاصرة ومفروض عليها عقوبات منذ عقود، وأنها لا تستطيع أبدًا وحدها مواجهة المحور الغربي والأمريكي، وأنها تحاول قدر استطاعتها.

ويحمل المحللون المسؤولية على كل الدول العربية والإسلامية في المنطقة خصوصًا القوية منها، والتي تستطيع المساعدة في الضغط على أمريكا والغرب بوقف شلال الدم المستمر في قطاع غزة والمستمر منذ أكثر من 100 يوم دون معرفة لموعد نهايته.