مقتدي الصدر ... حكاية الزعيم الحائر

ذات مصر

يبدو أن رجل الدين الشيعي مقتدي الصدر يتجه للعودة مرة أخري للمشهد السياسي في بلاده بعد اعتزال قرابة العامين.

وذكرت وكالة  رويترز للأنباء بتاريخ 12 مايو الجاري أن رجل الدين الشيعي العراقي، مقتدى الصدر، يمهد الطريق لعودته إلى المشهد السياسي بعد عامين من فشل محاولته تشكيل حكومة بدون منافسيه الشيعة.

وكان الصدر قد عاد إلى دائرة الضوء منذ مارس الماضي، حيث عقد اجتماعا نادرا مع علي السيستاني، المرجع الأعلى لشيعة العراق الذي اضطلع بدور محوري في إنهاء اشتباكات دامية بين الشيعة في عام 2022 قبل انسحاب الصدر من الساحة السياسية.

ونقلت الوكالة عن رجل دين مقرب من السيستاني إن الصدر تحدث عن عودة محتملة إلى الحياة السياسية والبرلمان وخرج من هذا الاجتماع المهم "بنتيجة إيجابية". 

وبعد أيام من الاجتماع، دعا الصدر نواب الكتلة الصدرية الذين استقالوا عام 2021 لتجميع صفوفهم والتواصل مجددا مع القاعدة السياسية للتيار الذي ينوي الصدر تغيير اسمه ليصبح "التيار الوطني الشيعي".

مواقف مكررة

إن صحت الأنباء حول العودة المحتملة لـ “مقتدي الصدر” فهذه لن تكون المرة الأولي التي يتراجع فيها الزعيم الشيعي عن موقف قوي أو قرار سياسي اتخذه بل ربما يمكن القول أن التراجع هو السمة البارزة في مسيرة الرجل السياسية.

فالمتتبع لمسيرة الصدر يجد أن سياسة المفاجآت والقرارت السريعة المتغيرة تكاد تكون جزءًا من شخصية الزعيم الشيعي الذي سبق وأعلن انسحابه من الحياة السياسية 4 مرات، دون أن يعلن سببًا حقيقيًّا للانسحاب، أو يقدم مبررًا للتراجع.

الانسحاب الأخير للصدر من الحياة السياسية والذي ينوي التراجع عنه الفترة المقبلة جاء عقب فشله في تشكيل حكومة عراقية رغم نجاحه في حصد الأغلبية خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة 2021.

وفشل الصدر في تشكيل حكومة نظرا لرغبته في استبعاد خصومه السياسيين من أى مناصب حكومية وهو ما عجز عن تحقيقه على مدار قرابة عام وبدلا من تقديم تنازلات سياسية ومرونة تفاوضية وفق أبجديات العمل السياسي، أعلن الصدر في أغسطس 2022، انسحابه من الحياة السياسية واعتزال العمل العام مما دفع أنصاره لاقتحام القصر الحكومي في بغداد والاشتباك مع جماعات مسلحة في أعمال عنف أسفرت عن سقوط قتلى.

الانتخابات البرلمانية 2018  شهدت أكثر من موقف متناقض للزعيم الشيعي الشاب، ففي نهاية 2017 أعلن الصدر في بيان رسمي دم خوض الانتخابات  بل وحرم على كل مؤيديه المشاركة فيها.

اللافت في الأمر أن الصدر لم يتراجع فقط عن قرار المشاركة في انتخابات  2018 التي تصدرها تيار سائرون التابع له، بل إن رجل الدين الشيعي شارك في الانتخابات متحالفا مع الحزب الشيوعي، في أول تحالف من نوعه في تاريخ العراق، بين رجل دين وحزب يحمل فكرًا تلاحقه تهمة الإلحاد في العالم العربي والإسلامي، وليس العراق فحسب.

كما شهد عام 2014 قرارًا مشابهًا من الصدر، إذ أعلن الانسحاب من الحياة السياسية، واعتزال العمل العام نهائيًّا، وأعلن الصدر، في بيان بتاريخ 16 فبراير 2014، تناقلته وسائل الإعلام إنه ينسحب من الحياة السياسية نهائيًّا، وأعلن أيضًا إغلاق جميع المكاتب التابعة له وملحقاتها، على جميع الأصعدة الدينية والاجتماعية والسياسية، وغيرها.

كما سبق للزعيم الشيعي أن قرر الانسحاب من العملية السياسية، واعتزال العمل السياسي، في الرابع من أغسطس 2013، احتجاجًا على الوضع المتردي الذي كانت تمر به البلاد في ذلك الحين.

الغريب أن كل انسحاب لمقتدى الصدر من العملية السياسية، يكون مفاجأة حتى لأنصاره والمقربين منه، بصورة تجعلهم يعلنون في وسائل الإعلام أنهم يحاولون الوصول إلى الزعيم من أجل معرفة أسباب القرار المفاجئ، وتداعياته عليهم، ما يعني أن قرارات الصدر انفعالية، وغير مدروسة، بدليل تراجعه عنها أكثر من مرة.

زعيم الصدفة

هذه الكمية من الانسحابات والتراجعات، والتقلبات الشخصية والسياسية، تجعل من البحث في أغوار مقتدى الصدر وتاريخه ونشأته، ضرورة حتمية ربما تمكننا من فهم هذه الشخصية المثيرة للجدل.

يمكن القول إن الصدر قد ينطبق عليه مصطلح زعيم الصدفة أو زعيم بالوراثة فكل شهرته جاءت من أنه سليل أسرة الصدر، إحدى أهم المرجعيات الشيعية في الوطن العربي. فالرجل الذي وُلِدَ عام 1973، في النجف، هو الابن الرابع للزعيم الديني محمد صادق الصدر الذي اغتاله نظام صدام حسين، واثنين من أبنائه، عام 1999.

درس الصدر في مدارس حكومية اعتيادية، وليست دينية، وانتسب إلى ثانوية الصناعة، ولم يكمل الدراسة فيها، فذهب، بناءً على ضغوط من والده محمد صادق الصدر، إلى تلقِّي دروسه الحوزوية على يد المرجع إسحاق الفياض، فكان يجلس منزويًا هادئًا في آخر الصالة أو المجموعة، لا يناقش ولا يجادل ولا يسأل، خلال دَوامه المتقطع وغير المنتظم لهذه الدروس، وبقي على هذا المستوى، حسبما أوضح أحد الذين درسوا معه وقتذاك.

في 19 فبراير 1999، أغتيل محمد صادق الصدر واثنان من أبنائه (مؤمل ومصطفى)، فورث مقتدى الصدر شبكة واسعة من المكاتب والمدارس الدينية، والتف حوله مجموعة من رجال الدين الشباب المنتمين إلى «الحوزة الناطقة» التي أسسها والده.

استفاد مقتدى الصدر بشكل أو بأخر من اغتيال والده وشقيقيه ، فقد أصبح بين ليلة وضحاها النجل الأبرز في عائلة الصدر، وهو من تلقَّى العزاء من القيادة السياسية العراقية، ومن مراجع الشيعة وعلمائها ومجتهديها، وكذلك تعازي السنة وبعض قادة الدول.

بعد اغتيال والده، تولى الصدر الإشراف على الحوزة الدينية في النجف رغم أنه لا يحمل درجة «مجتهد»، وهي التي تمنحه حق الإفتاء.

الصدر والميليشيات المسلحة

بعد الغزو الأمريكي للعراق في مارس 2003، وسقوط نظام صدام حسين، أعلن الصدر، خلال خطبة الجمعة بمسجد الكوفة، في يونيو من العام ذاته، تأسيس ميليشيات مسلحة أُطلِقَ عليها «جيش المهدي»، بزعم حماية المراقد الدينية.

في الخامس من إبريل 2004، هاجم جيش المهدي قواعد عسكرية إيطالية، واستولى عليها، وفي 14 مايو شنت القوات الأمريكية هجومًا على الصدر لاعتقاله بعد اتهامه بالتورط في اغتيال رجل الدين الشيعي عبد المجيد الخوئي، وتصدِّي الصدريين للقوات الأمريكية وامتدت المواجهات إلى غالبية محافظات وسط العراق وجنوبه.

في فبراير 2006، فجَّر مجهولون مرقد الإمامين العاشر والحادي عشر (علي الهادي، والحسن العسكري) المقدسَيْن لدى الطائفة الشيعية الاثني عشرية، في مدينة سامراء ذات الأغلبية السُّنية، لتشتعل بعدها حملات تطهير طائفي.

واتُّهم جيش المهدي بالتورط في تفجير المرقد لاتخاذه ذريعة لممارسة مقاتليه عمليات القتل الجماعي والتعذيب ضد أهل السُّنة، في ما عُرِفَ إعلاميا بـ فِرَق الموت، وكان عدد الضحايا هائلًا.

في 29 أغسطس 2007، أمر الصدر بتجميد عمل جيش المهدي لمدة ستة أشهر، وسافر إلى مدينة قم الإيرانية بهدف الدراسة في حوزتها العلمية. 

وفي 22 من فبراير 2008، جدد التجميد مرة أخرى. وفي سبتمبر 2008، تأسست ميليشيا جديدة باسم «لواء اليوم الموعود»، لتحل محل جيش المهدي. 

ومطلع 2011 عاد الصدر من إيران بعد أن حصل على درجة «حجة الإسلام» من مرجعية قم، وأعلن وقف عمليات لواء اليوم الموعود في سبتمبر من العام نفسه. وفي 2014، أسس ميليشيا جديدة باسم «سرايا السلام» بحجة قتال تنظيم داعش.

وقرر الصدر تجميد السرايا في 14 فبراير 2014، ليتراجع عن قراره في الشهر التالي، إلا أنه في فبراير 2015، أعلن تجميد لواء اليوم الموعود وسرايا السلام.