نجم الدين أربكان.. أبو الإسلام السياسي في تركيا

ذات مصر

جدد قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالعفو عن 7 جنرالات مسجونين لدورهم في الانقلاب العسكري ضد أول حكومة إسلامية في تركيا عام 1997، الحديث عن الزعيم الإسلامي نجم الدين أربكان الذين يلقبه البعض بـ أبو الإسلام السياسي في تركيا.

ونشرت وسائل إعلام تركية السبت 18 مايو قرار الرئيس التركي بالعفو عن الجنرالات المحبوسين مبررا قراره بالسن المتقدم والحالة الصحية للضباط السابقين الذين حُكم عليهم عام 2018 بالسجن المؤبد بعد محاكمة مليئة بالمفاجآت.

وسبق لأردوغان أن أُفرج عن أحد الجنرالات السبعة الذين تم العفو عنهم وهو شفيق بير، العقل المدبر للانقلاب، لأسباب صحية.

وشهدت تركيا عام 1997 وقوع انقلاب سلمي حيث تم إجبار  نجم الدين أربكان الذي يعتبر أول رئيس وزراء إسلامي في تاريخ بلاد الأناضول على الاستقالة من قبل هيئة الأركان العامة باسم الدفاع عن العلمانية. 

وبالحديث عن نجم الدين أربكان يمكن القول أنه أهم وأبرز رموز فكرة الإسلام السياسي في الشرق الأوسط حيث ينظر له الكثير من الأتراك على انه أبو الإسلام السياسي التركي، كما يعتبر الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان أحد أبرز تلاميذه ومؤيديه.

كما لعب أربكان دورا فعالا في الصحوة السياسية الإسلامية التي اتنشرت بالدول العربية خلال فترة السبعينات والثمانينات حيث كان نموذجا يشار إليه كتجربة نموذجية للعمل السياسي الإسلامي.

المولد والنشأة

ولد نجم الدين أربكان في الذكرى الثالثة لعيد الاستقلال التركي عام 1926 في مدينة سينوب على البحر الأسود وتخرج من جامعة إسطنبول التقنية بمرتبة الشرف. 

وبسبب تفوقه، ذاع صيت مهندس الميكانيك أربكان سريعاً وأرسل في عام 1951 من  جامعته للقيام بأبحاث في ألمانيا حيث حصل هناك على درجة الدكتوراه، عاد لتركيا ليدرس في جامعة إسطنبول وهو بعمر السابعة والعشرين.

ميللي غوروش

وعقب عودته من ألمانيا، وبالتحديد عام 1969 بدأ أربكان يدخل العمل السياسي حيث أسس حركة ميللي غوروش والتي تعني بالعربية "الرؤية الوطنية"، بمشاركة خليط من الأكاديميين ونشطاء إسلاميين محافظين وبدعم وتشجيع من شيخه شيخ الطريقة النقشبندية محمد زاهد كوتكو.

كانت فكر الحركة تقوم على أن تركيا قادرة على النهوض بسرعة في حال ركزت على قوتها البشرية والاقتصادية، وحمت إرثها التاريخي وحافظت على معتقداتها وثقافتها. 

وانطلاقا من أفكار "الرؤية الوطنية" بدأ أربكان مسيرته السياسية، حيث خاض انتخابات 1969 كمرشح مستقل عن مدينة قونيا ونجح بنسبة أصوات عالية.
بعد هذه الانتخابات أسس حزب "النظام الوطني" في عام 1970 واختار لهذا الحزب شعار "السبابة" في إشارة الى أن هذا الحزب لا يقبل في صفوف قيادته الأشخاص الذين لا يصلون ولا يصومون. 

حظر وعودة

لم يستمر حزب "النظام الوطني" أكثر من عام حيث تم حظر الحزب من قبل الجيش التركي بعد انقلاب عام 1971 وغادر أربكان بعد الانقلاب إلى أوروبا، إلا أن الجيش دعاه للعودة عام 1973 والمشاركة في الانتخابات لأنه كان يرغب بتشتيت أصوات اليمين التركي، كي لا يتفرد بها سليمان دميرال. 

وعقب عودته، أسس أربكان "حزب السلامة الوطني" وشارك في الانتخابات وأحدث مفاجأة حين فاز 48 نائبا من أنصاره في البرلمان، مما جعله "بيضة القبان" في العملية السياسية التركية.

صعود سياسي وخطاب إسلامي
حافظ نجم الدين أربكان على سقف عال في شعاراته وخطاباته الحماسية ذات الطابع الإسلامي فشبه حزبه بفتح القسطنطينية، ففي احدي خطاباته أعلن أربكان: "حزب السلامة الوطني يتسع مثل اتساع فتوحات السلطان محمد الفاتح، وهو الذي سيفتح إسطنبول".

سطع نجم أربكان بعد التدخل العسكري التركي في قبرص حيث كان يشغل موقع نائب رئيس الوزراء في حكومة أجاويد مما جعل من أنصاره يطلقون عليه لقب "فاتح قبرص". 

استفاد نجم الدين من منصبه الوزاري لشد عصب جمهوره، فنجح بتمرير قانون تجريم الماسونية في تركيا وإغلاق محافلها وقام بإزالة تمثال في منطقة كاراكوي في إسطنبول لأنه "غير أخلاقي"، واستطاع الحصول على عفو لأشخاص مقربين منه والأهم من ذلك أنه افتتح 29 مدرسة جديدة من مدارس "أئمة وخطباء" والتي تعتبر خزان الحركة الإسلامية التركية وسمح بدخول خريجي ثانويات الأئمة والخطباء إلى الجامعة.
في انتخابات عام 1977 تراجع عدد نواب أربكان إلى 24 نائبا أي خسر نصف عدد نوابه. لكنه قدم هذه الخسارة على أنها انتصار بقوله إن "من كان يراهن على خسارة حزب السلامة الوطني، خاب أمله. وسيرى كيف سنذهب للانتخابات القادمة وننجح بها ونشكل حكومة بمفردنا".

مسيرة القدس واعتقال أربكان

مع نهاية السبعينيات، شهدت تركيا أجواء توتر  بين الجيش التركي "حامي العلمانية" من جهة، والقوى السياسية من جهة أخرى، وبلغ التوتر أشده في السادس من سبتمبر/ أيلول 1980 بعد إعلان الاحتلال الإسرائيلي نقل العاصمة إلى القدس اذ خرج أنصار "أربكان" في مسيرة كبيرة في مدينة قونيا انتقدها كنعان إيفرين قائد انقلاب 1980.
وعلى أثر هذه المسيرة، حدث الانقلاب العسكري بقيادة إيفرين الذي أطاح بالسلطة السياسية واعتقل زعماءها ومنهم أربكان وأصدقاؤه، وبقي أربكان مسجونا حوالي ثلاث سنوات.

من السجن لرئاسة الحكومة

بعد خروجه من السجن، عاد أربكان إلى العمل السياسي، وأسس مع أصدقائه حزب الرفاه عام 1983 رغم أنه لم ينضم له رسميا بسبب قرار منعه من ممارسة العمل السياسي. 

وشهد حزب الرفاه بداية ظهور مجموعة شباب وصفوا بـ "التقدميين الحداثيين" داخل الحزب مثل رجب طيب أردوغان الرئيس الحالي، وعبد الله جول الرئيس التركي السابق، ونجح هولاء في توسيع دائرة شعبية الحزب وجذب أصوات جديدة خارج حدود الإسلاميين والمتدينيين في تركيا فضم الحزب مجموعة من النساء غير المحجبات ومن الأقليات، وخفف من مواقفه الحادة ضد مؤسسات الدولة العلمانية. 

انفتاح حزب الرفاه على هذه التيارات الجديدة، زاد من شعبيته بصورة دفعت بـ أربكان لأعلى مجد في تاريخه السياسي، حيث تصدر الحزب انتخابات 1995 التي كانت بمثابة الزلزال على النخب التركية العلمانية.

وبعد اعلان نتائج الانتخابات، وأصبح أربكان الإسلامي المحافظ ذو التوجه الشرقي قادراً على تشكيل حكومة ائتلافية، وأن يصبح هو رئيس الحكومة وهو الأمر الذي لم يكن من السهول على العلمانيين والجيش التركي " حامي العلمانية" القبول به فقد كانت هناك ضغوط كبيرة من الجيش لمنعه من تشكيل حكومة، كما رفضت الأحزاب الأخرى في البرلمان التحالف معه، ووصل الحال إلى أن قائد الأركان اتصل برئيس البرلمان وأخبره أن تشكيل حكومة برئاسة أربكان قد يحدث قلقا في البلاد.

بعد عدة محاولات، استطاع نجم الدين أربكان تشكيل حكومة وتوجه فور توليه منصبه في جولة تعكس رؤيته لتركيا، حيث زار إيران، ومصر، وليبيا، والنيجر. 

تأسيس مجموعة الدول الثماني

كما سعى أربكان بعد وصوله لرئاسة الحكومة لتأسيس "مجموعة الدول الثماني" وتم عقد أول مؤتمرٍ لهذه المنظمة في يونيو 1997.

لكن ما هي إلّا أيام قليلة من المؤتمر الأول لـ"مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية" حتى استقال أربكان من رئاسة الحكومة التركية ، فيما عُرف لاحقاً باسم "انقلاب 1997" في تركيا أو كما يسمى أيضاً "انقلاب ما بعد الحداثة"، فقد كانت لأربكان مواقف معادية لإسرائيل.

إضافةً لمواقفه التي تنطلق من بُعد إسلامي وليس علمانياً، كلّ هذه وغيرها من التفاصيل جعلت الجيش التركي يقدم لأربكان مجموعةً من الطلبات لتنفيذها، من أجل "مكافحة الرجعية" كما أطلقوا عليها.

تضمنت هذه الطلبات وقف كل مظاهر النشاط الإسلامي في البلاد، سياسية كانت أم تعليمية، فكان أن اضطر أربكان إلى الاستقالة من منصبه لمنع تطور الأحداث إلى انقلابٍ عسكري دموي، وتمّ حظر حزبه، وتمّ سجنه سنتين لاحقاً، ومُنع من الممارسة السياسية 5 سنوات.

عودة من جديد

وعقب عودته للعمل السياسي بعد نهاية الحظر المفروض على منعه من العمل بالسياسة أصبح أربكان رئيساً لحزب السعادة في مايو 2003، لكن سرعان ما اضطر إلى الاستقالة من عضوية الحزب في 30 يناير 2004، بسبب حكم السجن الصادر بحقه في الدعوى المرفوعة بشأن الحسابات المالية لحزب الرفاه، والمعروفة باسم "دعوى التريليون المفقود".

وبسبب الظروف الصحية لأربكان، تم تأجيل تنفيذ الحكم الذي أقرته المحكمة الجنائية العليا في أنقرة بالسجن لمدة عامين و4 أشهر لكنها قررت أن يقضي عقوبته في مقر إقامته.

في 19 أغسطس 2008، رُفع حكم الإقامة الجبرية بحق نجم الدين أربكان، بعد قرار أصدره الرئيس عبد الله غول بسبب المرض.

وفاة نجم الدين أربكان

وفي 27 فبراير 2011، توفي نجم الدين أربكان رئيس وزراء تركيا الأسبق ومؤسس الحركة الإسلامية الحديثة، جراء أزمة قلبية في أحد مشافي العاصمة أنقرة عن عمر بلغ 85 عاماً، قبل أن ينقل إلى إسطنبول ليصلى عليه في مسجد الفاتح، ويدفن في مقبرة مركز أفندي.