صبري ممدوح يكتب: هل ستَتْبع جائزة «القلم الذهبيّ للرواية» خُطى «البوكر وكتارا»؟

ذات مصر

احتدمت آراءُ الكُتاب فى الوسط الثقافيّ؛ عقب إعلان المستشار تركي آل الشيخ عن جائزة «القلم الذهبيّ» التي تبلغ قيمتها الإجماليّة 690 ألف دولار.

فبين مُؤيد ومُعارض لشخص مَن يُموِّل الجائزة كان الصدامُ، وكلها اعتراضاتٌ مقبولة وتحتكمُ للعقل؛ فعندما دخل ترك فى الوسط الكُرويّ، حدثت مشاكلُ وصراعاتٌ، وفي موسم الرياض، الذي أُقيم مؤخرًا، شعر المواطنُ العاديّ، فضلًا عن المُثقف، بأن فنَّ مصر يتم شراؤه، وعندما كتب بوستًا للإعلان عن الجائزة، تم استدعاءُ كل الأخطاء السابقة، وتم توجيهُ الإساءةِ إليه.

ربما أكون قد وصفت الحالة، لكن فى ظني أن خلافَ الوسط الثقافيّ على الجائزة خلافٌ لا جَدوى منه، والجوائز فى الرواية تحديدًا عَملَ الخليجُ على ترسيخِها منذ انطلاق جائزة البوكر الإماراتيّة عام 2008، ثم جائزة كتارا القطريّة عام 2014.. فهل جوائزُ الرواية حكرٌ على قطر والإمارات دون المملكة العربيّة السعوديّة؟!

جائزة كتارا للرواية العربية

ربما يكونُ من طبيعة المثقف العربي تناقضُ خطابه؛ لارتباطه بالمصلحة الشخصيّة، فمَن يُهين صاحب الجائزة اليوم، إذا فاز سيكون أول مَن يشكر الجائزة وصاحبَها، وهذا يقودنا إلى قدرة المُثقف على التلوُّن مثل الحرباء بالتبرير الذي هو أخطرُ آليةٍ امتلكها المثقف.
ومن خلال واقع قراءة المشهد الثقافيّ العربيّ تأتي شرعيّة مرور أي جائزة أدبيّة عربيّة فى بدايتها، من خلال إعطاء الجائزة لكاتبٍ مصريّ.

وهذا نلحَظه فى البوكر فى أول دورتين من فوز بهاء طاهر 2008، ويوسف زيدان 2009، وكذلك كتارا عندما تم إعطاءُ الجائزة فى أول دورة 2014 للكاتب إبراهيم عبد المجيد.

وكذلك الأمر لجائزة الشيخ زايد، ففي أول دورة عام 2007 تم إعطاؤها للدكتور ثروت عكاشة عن فرع الفنون والدراسات النقديّة، ودورة 2009 فاز بها الكاتب جمال الغيطاني عن فرع الآداب، وعام 2010 فاز بها دكتور عمار علي حسن عن فرع التنميّة وبناء المجتمع.

وإعلان جائزة المستشار تركي آل الشيخ يجعلنا نستدعي ماضينا مع آلية عمل جوائز الخليج.

• إعلانُ الجائزة وأعضاء لجنة التحكيم

ضمَّت الأسماء المصريّة من كُتاب الرواية والسيناريو: أحمد مراد، مريم ناعوم، صلاح الجهيني، تامر إبراهيم «روائي»، شريف نجيب «سيناريست».

ومن الإخراج والإنتاج والنقد الفني: مروان حامد، طارق الشناوي، خيري بشارة، أحمد بدوي «منتج»، محمد شاكر خضير «مخرج».

والأسماء السعودية: د. سعد البازعي، رئيس لجنة جائزة القلم الذهبي، ونائبه عبد الله بن بخيت، عبده خال «روائي»، ياسر يحيى مدخلي «سيناريست ومسرحي»، عبد الإله القرشي «مخرج ومنتج»، عدنان كيال «مستشار الهيئة العامة للترفيه»، مفرح المجفل «سيناريست»، بدرية البشر «روائية»، المنتج اللبناني صادق الصباح، والروائي الكويتي سنعود السنعوسي.
إن أول ما نُعنى به بعد إعلان الجائزة هو كيف تُدار مراحلُ التحكيم، وما المعايير التى تحتكم إليها الجائزة، وهل القوائمُ التي سيتم تصعيدُها تستحق هذا التصعيد؟

فى إعلان الجائزة، استوقفني تصريحُ المستشار تركي آل الشيخ بأنه قال على تشكيل لجنة التحكيم: «لجنة التحكيم الرئيسة تتكون من: ٣ روائيين، و٣ كُتاب سيناريو، و٣ مُنتجين من العالم العربي.. بالإضافة إلى لجنة إضافية لمرحلة الفرز الأولى».

فأين نقادُ الأدب؟!.. لقد اكتفى بضم الناقد الفنيّ طارق الشناوي إلى اللجنة، فأين التقييم الأدبيّ النقديّ لكل تلك الفروع من الرواية؟!

فهل الضلعُ الثالث من مثلث العمليّة الإبداعيّة سقط سهوًا أو عمدًا يا سيادة المستشار فى تنظيم الجائزة التى هى أكبرُ جائزةٍ للرواية من حيث مبلغها الماديّ الضخم؟!

أشير هنا، أيضًا، إلى نقطة قد تعتبرها النخبة الثقافية مَسلبة، وهى استهلالُ الإعلان حين قال: «تُركِّز على الأعمال الروائيّة الأكثر شعبيّة، والأكثر قابلية للتحويل لأعمال سينمائيّة».

لقد استهجن كُتاب النخبة الثقافية هذا الاستهلال، ولم يعرفوا أن جائزة «البوليتزر» الأمريكية النخبويّة يقابلها جوائز «شعبوية» أخرى، أمثال: جائزة «ادجار ألن بو» لأدب الجريمة والغموض، وجائزة «هوجو» لأدب الخيال العلمي، فمن بدهيات الأمور أن تكون الرواية النخبوية موجودةً ولها جوائز، والروايات التى لها طابعٌ مخالفٌ أيضًا موجودة ولها جوائز.

ويجدر الإشارة إلى أن الجائزة مُوجّهة للعالم العربي كله، وليست مصر بالتحديد التى خرج أغلبُ الوسط الثقافي فيها يَسبُّ ويلعنُ فى مُمولها، وأنا أعلمُ علم اليقين أن مُشاركات الكُتاب من مصر ستكونُ الأكثر عددًا.

• جائزة كتارا تُحاول ترسيخ اسمَها بالقوة الناعمة المصريّة

وتحضرني واقعة لأول دورة لجائزة كتارا.. ففى أوائل عام 2014 لم تكن عَلاقة مصر بدولة قطر في أحسن حال، وظهر إعلانٌ على الفيسبوك للتقدُّم لجائزة كتارا، فكان كثيرٌ من الكتاب يتساءلون عن ماهية تلك الجائزة وأهدافها، المُهم قدم كتابٌ كثيرونَ جدًا.
فى الخلفيات علمت من مصدر مُهم، وقتها، أن الناشر محمد البعلي، صاحب دار صفصافة، كان مبعوث الجائزة من هناك ليعرض على أسماء مهمة ومؤثرة الفوز بالجائزة، وكانت معه صلاحياتٌ كاملة لاختيار مَن يراه مناسبًا رغم تقدم المئات لها؟!

المُهم ما علمته علم اليقين أن الأستاذ البعلي قابل الكاتب أشرف الخمايسي على قهوة صالح، بشارع شامبليون، وعرض عليه الجائزة، فرفض الخمايسي؛ للتوتر القائم بين مصر وقطر، ولأن هناك المئات من المتقدمين للجائزة قد تفاءلوا فيها خيرًا، فكيف ينعم بالجائزة وقد استلب حق أحدهم فى الحصول على فرصة حقيقية للقراءة والفوز؟!

يرفض الخمايسي، فيقابل البعلي الكاتب إبراهيم عبد المجيد، ويعرض عليه الفوز بالجائزة؛ فيوافق عبد المجيد رغم كل تلك التوترات بين مصر وقطر؟!

ويُتوَّج إبراهيم عبد المجيد بالفوز عام 2015؛ على الرغم من كل التصريحات النارية التى هاجم فيها إبراهيم عبد المجيد قطر قبل الجائزة، واعتبرها الجناحَ المُوالي للإخوان المسلمين.

• جائزة البوكر تأكلُ نفسَها

تم تدشينُ جائزة البوكر العربيّة عام 2007 في أبو ظبي، بإيعاز من الناشر إبراهيم المعلّم، والبريطاني جورج وايدنفلد، وتم تقديمُ هذا الاقتراح في لقاء بألمانيا، جمع ناشرين من جميع أنحاء العالم.

لم تمر ثلاثُ دوراتٍ، وتحديدًا دورة عام 2010، حتى حدث تلاسنٌ وصراعاتٌ وصلت للصحف والمواقع الإخبارية، بين د. جابر عصفور، ولجنة التحكيم المُكوَّنة من طالب الرفاعى رئيسًا، وعضوية كل من الشاعر سيف الرحبى، ورجاء بن سلامة، والناقدة شيرين أبو النجا، والباحث الفرنسى فريديك لاجرنج.

وقال عصفور، وفقًا لموقع اليوم السابع بتاريخ 15 ديسمبر 2009: «إنها لجنة ضعيفة الشخصية ومفيهاش كبير»، ووصف جابر، طالب الرفاعى رئيس اللجنة، بأنه روائيٌّ من الدرجة الثانية، وما كان ينبغى أن يكون رئيسًا للجنة، أما الشاعر سيف الرحبى ورجاء بن سلامة فمُختصان بقصيدة النثر، وليست لهما عَلاقة بالرواية، والوحيدة التى لا عَلاقة بنقد الرواية هى شيرين أبو النجا.
وأكد عصفور أنه قد نما إلى علمه استقالة الناقدة شيرين أبو النجا؛ احتجاجًا على نتيجة جائزة البوكر العربيّة التى أعلنت صباح اليوم-وقتئذ- مشيرًا إلى أن استقالتها قد جاءت اعتراضًا على استبعاد علوية صبح.

وقتها صرح الكاتب إبراهيم عبد المجيد لصحيفة «الرأي»: إنه لن يتقدم لجائزة البوكر هذه إلى الأبد، وقال: «ستفشل هذه الجائزة، وستصبح جائزةً عادية من دون تأثير، إذا ما استمرت في نظرتها الإقليمية، فمن المفترض أنها ذاتُ طابع أدبيّ، لكن ما حدث من استبعاد لعدد كبير من الروايات المصرية الجيدة هذا العام يدل على توجُّه لاستبعاد مصر من الحصول عليها، والمُشكلة ليست في الجائزة نفسها، ولكن في مُحكِّميها، وأقترح أن يكون هناك تقسيمٌ إقليمي للجائزة، بحيث يحصل عليها أديبٌ من المشرق والعام التالي يكون من المغرب».

والمُدهش أن الكاتب إبراهيم عبد المجيد تقدم لجائزة البوكر عام 2017 برواية «الإسكندرية فى غيمة».

أمر آخر عندما ترشح الكاتب طارق إمام عن روايته «ماكيت القاهرة» للقائمة القصيرة، وبعدها نشر الكاتب الكردي هوشنك أوسي مقالًا وقف فيه على ما أخذه على طارق إمام على حد قوله من مدخل الرواية، الحكاية الأولى؛ البؤرة الدراميّة التي افتتح بها إمام روايته، والمُختلسة من قصة الكاتب الأرجنتيني D. Armando Macchia de Mendoza، بعنوان «القنّاص». 

وهي القصّة الفائزة بجائزة متحف الكلمة الاسباني، دورة 2013، نفس الدورة التي شارك فيها إمام، وفازت قصّته «العين» والتي اشتغل عليها لتصبح شخصيّة بلياردو.
وهناك شبهة حيال شخصيّة نود أيضًا، تلك الفتاة التي ترى شخصًا في المرآة، وتمارس معه الجنس، ومع الأسف لم تأخذ لجنة التحكيم هذا فى الاعتبار، ولم تأخذ إجراءً رادعًا بسحب الجائزة منه؛ أُسوة بجائزة الشيخ زايد.

• سحب جائزة الشيخ زايد من فائز اتُّهم بالسرقة الأدبيّة

من الوقائع المشهورة والمتداولة على نطاق واسع هى واقعة سرقة أدبيّة، كشفها الصحفي عبد الله السمطي، وقام بها الكاتب الجزائري حفناوي بعلي، بعد فوزه بجائزة الشيخ زايد عن كتاب «مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن» فى الدورة الرابعة 2010 .

حيث ثبت أمام اللجنة سرقته من كتب مُتعددة، أهمها كتاب د.عبد الله الغذامي، النقد الثقافي، قراءة في الأنساق الثقافية العربية، وقد صرح الغذامي، وقت صدور بيان سحب الجائزة فى 26 أكتوبر 2010 لموقع العربية، بأن «الهيئة الاستشارية ليست هي التي تقرأ أو تعمل التقارير، حيث هناك لجان متخصصة تقرأ 700 كتاب لتوزع على جوائز في 9 قطاعات، ولكل جائزة 3 محكمين يعدون تقاريرهم، ثم يقدمونها للهيئة الاستشارية لتقرر، وما حدث هو خطأ بشري تمامًا كما يحدث مع الطبيب الذي قد يرتكب خطأ قاتلًا، ولكنه يبقى في حدود الخطأ البشري، وأنا أعترف بوجود ذلك الخطأ والجائزة حاولت أن تعالج تلك القضية وذلك ما حدث بسحب الجائزة».

وهذا التصريح يكشف لنا عن أن آلية عمل اللجان فى جائزة الشيخ زايد هى استقبالُ التقارير من لجان تقرأ 700 كتاب؟!
المُدهش أن د.عبد الله الغذامي كان فى اللجنة الاستشارية، وقد استقال منها فور حدوث تلك الواقعة، وقد كان بيان اللجنة موضوعيًا، ويكرس للحفاظ على الأصالة الأدبيّة، وقالت فيه «إنه بعد سلسلة من الإجراءات للتحري في أمر الشواهد والاقتباسات التي بنى عليها المؤلفُ كتابَه، تبيّن للجائزة أن الكتاب ساده منهجٌ في عرض مادة النقد الثقافي تجاوز حدودَ الاستشهاد والاقتباس، وتحوَّل إلى الاستحواذ على جُهد الآخرين مضمونًا ونصًا».

• هل ستَتْبع جائزة «القلم الذهبيّ للرواية» خُطى «البوكر وكتارا»؟

لا تندهش إن قلت لك: لا توجد معايير واضحة لأي جائزة عربيّة للرواية، إلا من ملمح واضح بجائزة البوكر، وهو «المُحاصصية»، أي حصص للفوز توزع على الدول، وهذا الملمح لا يُفعّل كل دورة، بل تراه توجُّهًا عامًا للجائزة، وهذا إعلاءٌ لقيمة المصالح السياسيّة على الأدب، أما غير ذلك فلا تجد معيارًا معلنًا يحكمها، أو يحكم جائزة كتارا.

نعم، الرواية العربيّة الآن تعزف على إيقاع الجوائز، كما كتب إلياس فركوح عام 2018، ليحاسب الجوائز من عام 2008 إلى عام 2018 ولكن على أي نوتة يتم العزفُ الآن؟
ربما تكون فكرة جائزة للرواية الشعبية والرائجة وتصلح للتحويل لفيلم سينمائي لم تُطرح من قبل فى العالم العربي؛ لذا على الوسط الثقافيّ العربيّ عمومًا والمصريّ خصوصًا أن يتقبل الفكرة، بعيدًا عن الحسابات السياسيّة، فالفنُ والأدبُ فى النهاية يعملان على تقريب الشعوب.

فهل ستسير جائزةُ القلم الذهبيّ على نفس خُطى جائزتَي البوكر وكتارا.. أم ستخلق لنفسها طريقًا مخالفًا؟