بحثًا عن السعادة

الفن والعلم.. حديث ذو شجون وشئون

لا معنى لما فعله عدد من المتسرعين بوضعهم الفن بزعم رفاهيته كله فى مواجهة العلم بفرض ضرورته كله.
وأود أن نطرح معا عددا من التساؤلات:
هل الموبايل بكل ما فيه من تقنيات حديثة ضرورى لحياة كل إنسان؟ وهل النابالم وهو من آفات العلم ضرورى للحياة؟ هل نستطيع أن نجعل تقنيات الحروب البيولوجية من منجزات العلم الحديث؟
هل كل الفن رفاهية لا ضرورة؟ وما شكل الحياة إن فارقت رفاهيتها؟ وهل العلم يخدم الضرورى وحده لا الرفاهية؟ هل الرفاهية نفسها لا تمثل أحيانا ضرورة لحياة الإنسان؟ هل الفن نفسه ليس علما؟ وهل العالم المبتكر لا يحتاج إلى فن وخيال يأخذان بيده فى مقدمات مكتشفاته؟
لماذا جعل الله نعيم الجنة فنا خالصا لا مجرد حياة؟ وستجد دقة تصوير متع الآخرة التى تمنح رفاهية لا حد لها. وبمقابل ذلك نجد الله قد ذم الحرص على مجرد الحياة بلا قيمة {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة} والحياة التى تقتصر على الضرورى منها هى مجرد حياة.
هل الموسيقى والغناء لا يمثلان لنا ضرورة فى أوقات بعينها؟ ولماذا نهيم معهما أحيانا إلى حد التوحد أو البكاء؟ كيف تكتب مقطوعة موسيقية؟ وكيف تؤديها بطريقة تجذب المستمعين؟ هل الموهبة أقل شأنا من العلم؟ ولماذا نصر نحن المقهورين أن نقهر طرفا بآخر؟ لماذا نضع العلم فى مواجهة الدين، والعلم فى مواجهة الفن، والدين فى مواجهة السياسة، والضرورة فى مواجهة الرفاهية؟
لا معنى للوقوف كثيرا أمام الضرورة والرفاهية، أو أمام العلم والفن، لأننا ننشد بكل ذلك سعادتنا التى لن تتحقق إلا بهما معا
ما السعادة؟
أن نحقق ثالوثها المقدس من الحق والخير والجمال؛ الحق الذى يمنحك اختيارا صائبا للإرادة ثم القدرة على تحقيقها، والخير الذى يحقق ضروريات حياتك لك ولغيرك، والجمال الذى يسلب قبح رتابة حياتك ويسمو بروحك محلقا فى عوالم بديعة.
ويدخل فى الحق وجوب امتلاك حريتك ووسائل تحقيقها ومنها الجيوش الوطنية والبرلمانات الوطنية، ويدخل فى الخير تحقيق الإنسانية المطلقة بتخفيف معاناتها بالمحاماة والطب ونحو ذلك، ويدخل فى الجمال كل ما يحقق متعة الحياة من عمارة وأدب وشعر وموسيقى وسياحة ومصائف وفنون جميلة وتمثيل وفنون المطابخ.
لا معنى لتفضيل طرف على طرف، إذ كيف يقول أحدهم إن الموسيقى أو الطرب لا أهمية لهما!! كيف تعيش حياة بلا متعة وكيف نقصرها على الضرورات؟ كيف تنطق ألسنة بعضنا بما لا نطبقه؟ من من مشاهير العلماء لا يحبون تنوع المطابخ على سبيل المثال؟ الترفيه (ولا أسميه ترفيها) ضرورة نفسية لأننا لسنا آلات، فمن الجريمة أن نقول إن تحقيق الجمال لا ضرورة له، إذ كيف يعيش عاقل بلا جمال؟ وكيف يستأنف أحدنا حياته بلا جمال؟ 
نحن فى كارثة حقيقة عندما يكتب أحدهم إن عامل النظافة أهم من الطرب والموسيقى، وأقول وما فائدة العمارة الجيدة والديكور، فلنعش فى مكان أسمنتى بلا جمال، لماذا يحرص كاتبو هذا الكلام قدر استطاعتهم على جمال الموبيليا وعلى ديكور شقته الفاخرة، أو عمارة قصره بالساحل، بل وعلى حسن ترتيب شقته الصغيرة المتواضعة؟ وكل ذلك بمنطقهم غير ضرورى للحياة. ستعيش بلا ديكور وبلا موبيليا وبلا نظام وبلا موسيقى وبلا شعر وبلا أدب وبلا سينما أو مسرح وبلا تفنن فى المطابخ، فلتكن أبنية أسمنتية، وستعيش حياة ما، فهل هذه هى الحياة؟ فلماذا تفاخرون الدنيا بالهرم وبأبنية قاهرة المعز؟ وكلاهما فن لا ضرورة له بمقاييسكم؟ المقارنة بين عامل النظافة والمطرب مضحكة لا تليق، وهم بمقتضى كلامهم يحقرون ضرورة وجود هرم مصر الرابع أم كلثوم التى قدمت لنا عوالم غير مرئية من كل جميل ضرورى لروحنا، وقدمت لمصر ما لم يقدمه عدد كبير من المحسوبين على العلم. 
أحزن كثيرا عندما يردد هذا الكلام أطباء محسوبون على المهنة الجليلة فى خلال أزمة طبيب عين شمس الأخيرة، كأنهم لم يعرفوا أن الأطباء العظام هم من أشد خلق الله انحيازا للفن، والطبيب العظيم منهم يعرف حق الجمال بما يشاهده فى أثناء ممارسة الطب الذى يضم تخصصا كبيرا هو من صلب الفن اسمه جراحة التجميل، فالجسم البشرى ليس مجرد جسد يؤدى وظائفه الحيوية بلا جمال، لماذا خلق الله الجمال ولماذا جعلنا فى أحسن تقويم؟ الطبيب الحق هو آخر من ينكر ضرورة الجمال ووجوده.