هشام الحمامي يكتب: خٌيٍّر بين الأمة والطائفة فأختار الأمة

ذات مصر

لا يمكننا أن نقول غير ذلك، وأخر أحاديثه قالها صراحة، إن هذا الذى يجرى مع (إسرائيل) على حدود لبنان سيتوقف فورا، حين يتوقف العدوان على (غزة).. حزب الله في لبنان، وأنصار الله في اليمن قالا وفعلا ، وأحدثا شرخا هائلا في قصة (سايكس بيكو 1916م) ومفهوم الدولة القطرية ذات الحدود والسيادة. 

المفهوم الذى لا علاقة له بتاريخ الأمة وحضارة الأمة، ولا مفاهيم الأمة عن نفسها وعن الدنيا من حولها، وطال المطال أم قصر ستعود الأمة إلى ينابيع البدايات الأولى، لا نفترى على التاريخ ولا حقائق التاريخ، العكس هو الصحيح تماما
***
التاريخ هو الذى يتحدث وحقائقه هي التي تنطق. وسنعرف منه أن (الإسلام والتقدم الاستراتيجي) هي مشكلة الغرب مع هذه الأمة، الغرب الذى تكونت حضارته من شتاتات الشتات وفى النهاية لم يتكون لتلك الحضارة هيكلا صلبا ،تستطيع أن تكسوه ثوبا تفخر به بين حضارات التاريخ. 
نقول هذا بمعيار (الإنسان) .. أخلاقه وسعادته وطمأنينة روحه ونظرته إلى نفسه والى من حوله من البشر وما حوله من الوجود الكونى  الكبير.

هذا الإنسان الذى يعلم أن الله رب العالمين خلقه في هذا الوجود، لا ليكون قطرة في محيط الوجود .. بل ليكون محيط الوجود كله في قطرة .. كما هو الفهم والنور واليقين .. هذا هو (إنسان الحضارة) الذي تفخر به الحضارة ، ويفخر به تاريخ هذه الحضارة.
***
جملة (الإسلام والتقدم الاستراتيجي) قالها الراحل الكبير د/ إدوارد سعيد رحمه الله في كتابه الشهير(الاستشراق) قال في هذه الكتاب كل شيء .. كل شيء حرفيا .. ولا تحتاج إلى تحليلات ولا شروحات ولا تفهيهات.

سيقول لنا الرجل المسيحي: أنه اكتشف أن  بداية من دانتى في القرن الـ 13 ميلادى الذى كتب (كوميديا الجحيم) إلى اللورد كرومر، وهنرى كيسنجر في القرن الـ 20 ، وعلى هذا المدى التاريخي الطويل، لم يرد قط على لسان أحد المؤلفين كلام عن(الإسلام) ورجاله وحضارته ، دون أن ينالوه وينالوهم وينالوها بأبشع الأوصاف.
إدوارد سعيد العربي الفلسطيني الأمريكي المسيحي، ذو العقلية العلمية والأدبية والثقافية الواسعة.                  

الرجل ذو المعرفة العميقة بالمواقف خ مخ مخالغربية، ودين الإسلام الذى يؤمن به غالبية الشرق هو المبرر الأصلي لكل تصرف غربي عدائى تجاه الشرق..) . 
***
(..اذا خٌيرت بين أمتى ، وبين طائفتي ،سأختار أمتى وحضارتها ..) هذه الجملة قالها د/فواز جرجس 66 سنة، (اللبناني/ الأمريكي) المسيحي الأرثوذكسي والأستاذ في سياسة الشرق الأوسط والعلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة لندن.

قال هذه الجملة وهو يجمع بعض الشهادات من بعض المثقفين المصريين(2006م) أثناء تأليف كتابه (أمريكا والإسلام).


ذ***
د/ فواز ظهر في أحدى الفضائيات من أسبوعين وقال أن اربع صحف أمريكية رئيسية اتصلت به لتناقشه حول كتابة نعى (حسن نصر الله).. الرجل كان يتحدث وهو يبتسم ابتسامة الشك واليقين، فالسائلون هم في النهاية صحفيين، صحيح أنهم يعملون لدى الأجهزة الأمنية في أغلبهم، ولكن قرار كهذا القرار سيكون سرا على الأقل قبل تنفيذ الاغتيال بيوم أو يومين، أما قبلها بأسبوعين فهذا مما يستدعى الانتباه ..!! 

لن نغالط اذا قلنا أن عملية الاغتيال من الألف إلى الياء كانت قرارا غربيا /أمريكيا كاملا ..من (المعلومة الذهبية) إلى الطائرات ومقذوفاتها المخترقة للتحصينات( 83 قنبلة) إلى كتابة النعي في الصحف الأمريكية!

ثم يظهر العبيط نتنياهو والأهطل جالانت وهم يمسكون سماعات التليفونات وينظرون نظرات مسرحية إلى الكاميرات!  

إنها أمريكا .. وإنه الغرب .. وإنها الحروب على (عالم الإسلام) الممتدة من القرن العاشر الميلادى .. هاهو الماضى ينبسط أمامنا واضحا كل الوضوح.

***
غاب (حسن نصر الله) ..؟  الرجل كان لا يكف عن الحديث عن الموت الكريم (الشهادة)، كان يتحدث بأشواق روح روحه ..وكانت نبراته تحمل من مصاديق  التمني والتحدي ، ما يجعل الموت الكريم( الشهادة) بالفعل أمنية من أسمى الأماني .. 
اختلف القول حول (حسن نصر الله) بعد أحداث سوريا وتدخل (حزب الله) فيها بالقوة والدم، مساندة لنظام العلويين البعثى .. أخطأ؟  ليكن ذلك .. أخطأ الرجل في حساباته وتقديراته وفعل ما فعل .. 
من يحدثنا عن الحسابات والتقديرات الصحيحة والخاطئة من موقعة(الجمل/وصفين) في القرن السابع الميلادى .. إلى سوريا ولييبا والسودان في القرن الحادي والعشرين؟  (ورضى الله عن كل من بايع الرسول صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة).

الحديث مؤلم، وملئ بالتبريرات والتعذيرات، وكل كلام وله كلام ..لكن يبقى غل الصدور وحقد النفوس الملحاح.. وتلك أمة قد خلت.. ولا زال دمنا ينزف بأيدينا وأيدي الغرباء ..سواء بسواء.  

***
لكن إذا كانت (فلسطين / المسجد الأقصى) هي المسطرة التي نقيس بها وعليها ،ما القول فيما يفعله (حزب الله) من 8 أكتوبر 2023م ..؟ من اليوم التالى للحدث الأعظم في القرن الحالي (طوفان الأقصى)؟    

ما القول فيما رسخه (حزب الله) من مفاهيم عن الصراع القائم من منتصف القرن الماضي بين عالم الإسلام، والغرب وخفير الغرب.
***
انتهت مرحلة (حسن نصر الله) كما انتهت مرحلة من سبقه (عباس الموسوي) 1992 م والذى كتبت الصحف الإسرائيلية عقب اغتياله وقتها: انتهى عهد الصراع مع حزب الله في الملعب المريح له.    

لنسمع بعدها ممن أشرف على اغتياله الجنرال (أورى ساجى) الرئيس السابِق لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) يقول: أن من بين السلبيات التي أعقبت قتل (موسوي) كانت مجىء (حسن نصر الله) أمينا عاما لحزب الله.              

ذاك الرجل الذي رأيناه في حرب 2006 م، ورأيناه في معركة طوفان الأقصى 2023 م لأكثر من 11 شهراً..  وأورى ساجى على فكرة من أشرف على اغتيال الشهيد (فتحى الشقاقى) عام 1995م ..
***
ها هو(حسن نصر الله)  يرجع إلى ربه ، وهو في قلب أعظم معارك العروبة والإسلام في العصر الحديث، وسيظل اسمه وحياته ومماته مقرونا بـ( طوفان الأقصى) أكثر من أي حدث تاريخي أخر في كل حياته، والرجل كان ألمعيا، لديه حس تاريخى مرهف ،فالتحق بها فورا ، إلى أخر يوم في حياته . 
***
لكن أخطر ما في الموضوع هو تلك البراعة العرجاء و العجز والشلل والبهم..الذى أصاب الغرب واستخباراته الاستخبارية ذات الأبعاد الكونية..في التعامل مع (فتية الأنفاق) وقادة الأنفاق ، وكل أولئك الأطهار الأبرار الخلصاء، الذين صنعوا كل هذه الأحداث الكبرى التي يراها عالم الإسلام الأن .. 
ولا يختلف احد عن ما يمثله (الحاج يحيى) حفظه الله، من أهمية تفوق (في توقيتها على الاقل) ما كان يمثله الراحل الكبير (حسن نصرالله)..للغرب والخفير الحسير في الأرض المباركة(فلسطين).
***
اليوم ونحن نشاهد كل ما يحدث حولنا و(نتفرج)، سيكون من أروع الروائع العقلية والنفسية والوجدانية لنا في مثل هذه الأيام، أن نتذكر ونتأمل ونتفكر في سيرة سيدنا إبراهيم الخليل.. أبانا الذي سمانا. 
وسنتذكره تحديدا، حين أنهى جولته في عالم الملكوت قائلا: (إنى وجهت وجهى للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين) لم يقل مسلما!!.. 
إذ سيعرف بعدها ما يعرف من عرفان، ويقول لربه الأعلى و لنا وللوجود كله (أسلمت لرب العالمين).. نعم .. وهو نعم المولى ونعم النصير.. وستحفنا وقتها السكينة .. سكينة التسليم التام لرب العالمين ..الذى خلق كل شيء فقدَّره تقديرا .. ستتقلب وجوهنا فى السماء رجاء ودعاء.. 
وستخفق قلوبنا مع كل ثانية من ثوانى الزمن لهفة وانتظارا.. قائلة: (لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا).