تحقيقات لوزارة العدل الأمريكية تكشف

150 مليون جنيه رشاوى من شركات أمريكية لمسوؤلين في «النصر للكوك والكيماويات»

ذات مصر

«رشاوى مقابل صفقات تجارية»، هكذا تحدثت وزارة العدل الأميركية، اليوم الخميس، عن واقعة فساد جرت بين  شركات أمريكية وسويدية وأخرى مصرية، استدعت تدخلها وفتح تحقيقات موسعة.

الوزارة الأمريكية توصلت إلى إثبات واقعتي تلقي مسؤولين حكوميين في مصر رشاوى، مقابل صفقات تجارية مع شركتين عالميتين في مجالي الكيماويات والاتصالات.

وحسب البيان الصادر عن وزارة العدل الأمريكية، فإن الواقعة الأولى تتعلق بالإعلان عن أن شركة الفحم «كورسا» الأميركية، اعترفت بدفع رشوة عبر وسيط لمسؤولين مصريين مقابل عقود توريد لشركة «النصر للكوك والكيماويات» التابعة للحكومة المصرية.

4.8 مليون دولار رشوة

ولفتت العدل الأمريكية إلى أن شركة «كورسا» للفحم اعترفت بانتهاك موظفيها ووكلائها لقانون الممارسات الأجنبية الفاسدة، من خلال قيامهم برشوة مسؤولين بالحكومة المصرية، للفوز بعقود لتوريد الفحم لشركة مصرية مملوكة للدولة.

ووفقًا للبيان، دفعت الشركة الأمريكية والتي مقرها في ولاية بنسلفانيا، نحو 4.8 مليون دولار إلى وسيط في مصر، من أجل رشوة المسؤولين في شركة النصر لفحم الكوك والكيماويات، بما في ذلك رئيس شركة النصر.

وفازت «كورسا» في مقابل الرشاوى المدفوعة، بـ143 مليون دولار في عقود الفحم من «النصر»، وحققت أرباحا قيمتها 32.7  مليون دولار.

وأردفت وزارة العدل أنه استنادا إلى تحقيق مستقل أجرته، لم تتمكن الشركة الأمريكية من إخفاء المكاسب غير المشروعة، تحديدا فيما يخص مبلغا قيمته 1.2 مليون دولار، ولم تقدم ما يثبت كيفية الحصول عليه، إضافة إلى أنها قدمت إفصاحا ذاتيا وطوعيا في الوقت المناسب عن سوء السلوك.

وأعلنت الشركة الأمريكية رغبتها في التعاون الكامل مع وزارة العدل، فيما يتضمن تقديم معلومات حول الأفراد المتورطين ومحاسبتهم ومعالجة الأمر، بما في ذلك إنهاء عقد مندوب مبيعات متورط في قضية الرشوة.

ونوه بيان العدل الأمريكية، إلى أنه جرى القبض على المدير التنفيذي السابق لشركة الفحم، تشارلز هانتر هوبسون، في مارس الماضي، ووجهت إليه تهمة ضلوعه في رشوة مسؤولين في مصر فيما يتعلق بالعقود مع شركة «النصر»، وخرق قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة، وغسل الأموال، وارتكاب عمليات احتيال عبر الإنترنت.

القبض على رئيس شركة «النصر» متلبسا برشوة

الواقعة التي أفصحت عنها وزارة العدل الأمريكية تعيدنا بالذاكرة لأكثر من ثلاث سنوات، وتحديدًا في عام 2019، وذلك حين  أصدر مدحت نافع رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية، قرارًا بإعفاء رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة النصر لصناعة فحم الكوك، مع عدم إخلاء مسؤوليته، وتكليف قائم بالأعمال.

القرار الصادر حينها، تضمن إعفاء محمد زكي فوزي من مهام رئيس الشركة والعضو المنتدب لشركة النصر لصناعة الكوك والكيماويات الأساسية، اعتبارا من 24 ديسمبر 2019، مع عدم إخلاء مسئوليته، حيث صدر قرار تكليفه من مجلس إدارة الشركة القابضة في 7 أغسطس 2019، تمهيدا للعرض على الجمعية العامة للشركة، وبعد استيفاء كافة متطلبات التعيين، وهو ما لم يحدث حتى تاريخه.

وأوضح القرار أن هيئة الرقابة الإدارية ضبطت رئيس مجلس إدارة شركة النصر لصناعة «الكوك»، متلبسًا بتقاضي مبلغ 40 ألف جنيه كجزء من مبلغ على سبيل الرشوة، من عصام بيلا ممثل شركة «كلارسكونز شينج ايجنسيي»، مقابل تسهيل إسناد مناقصتي شحن بحري لخام الفحم الحجري من دولتي كندا وأمريكا.

ووردت معلومات إلى الرقابة الإدارية تفيد استغلال رئيس شركة النصر لصناعة الكوك لمهام منصبه، وتسهيل الحصول على امتيازات لإحدى الشركات الخاصة مقابل مبالغ مالية يحصل عليها، حسب بيان الهيئة.

وعقب جمع المعلومات والتحريات تبين أن رئيس شركة النصر لصناعة الكوك اتفق مع ممثل شركة «كلارسكونز شيبنج ايجنسي» على رشاوى مالية ضخمة لاستغلال منصبه رئيسا للشركة وتسهيل إسناد مناقصتين شحن بحري لخام الفحم الحجري القادمتين من دولتي كندا وأمريكا، وتبين أن المبلغ جزء صغير من الرشوة المتفق عليها بين المتهمين؛ حيث أكدت مصادر رقابية أن إجمالي مبالغ الرشوة المتحصل عليها بلغت مليون جنيه.

تصفية شركة النصر للكوك

قضية الرشاوى تأتي بعد أشهر قليلة على إعلان الحكومة تصفية شركة النصر للكوك والكيماويات، بعد أكثر من 60 عامًا من العمل.

وقالت الحكومة حينها إنه بالنظر إلى تصفية شركة النصر لصناعة الكوك والكيماويات، فهـي إحـدى الشـركات التابعـة للشـركة القابضـة للصناعـات المعدنيـة، وتـم إنشـاء الشـركة بالقـرار الجمهـوري 2283 لسـنة 1960، وتعمـل الشـركة فـي مجـال إنتـاج الكـوك كمنتـج رئيـس.

ولفتت إلى أن الشــركة كان منفذها الوحيد لبيع الكوك هــو شــركة الحديد والصلب التي تمــت تصفيتها بالفعــل، وأنــه لا يوجــد للشــركة أي منافــذ تســويق محليــة أو إقليميــة علــى الإطلاق؛ حيـث أن الكـوك ارتبـط بشـركة الحديد والصلـب؛ ممـا عطلهـا عـن البحـث عـن أسـواق أخـرى، كمـا أنهـا لا تحقـق عائدا مقابل مــا يتــم ضخــه لهــا مــن أمــوال واســتثمارات.

رشاوى لمدة 16 سنة لشركة «إريكسون مصر» للاتصالات

الأمر لم يتوقف على شركة النصر ومسؤوليها، فقد أعلنت وزارة العدل الأمريكية قبل أيام، بعد تحقيق موسع أجرته، أن شركة «إريكسون مصر المحدودة»، الشريك الفني لوزارة الاتصالات المصرية والمسؤولة عن إنشاء مراكز الاتصالات الحكومية الرئيسية، اعترفت بتقديم رشاوى لمسؤولين مصريين لأكثر من 16 سنة، وأقرت بأنها مذنبة في التآمر لخرق أحكام مكافحة الرشوة الواردة في قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة.

وذكرت وزارة العدل في البيان الصادر عبر موقعها الإلكتروني، أن شركة «إريكسون»، وهي شركة اتصالات متعددة الجنسيات يقع مقرها الرئيسي في استوكهولم بالسويد، ستدفع غرامة جنائية تزيد عن 206 مليون دولار بعد انتهاك اتفاقية الملاحقة المؤجلة لعام 2019 (DPA).

القضيتان أثارتا جدلًا كبيرًا خلال الساعات الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبر رواد هذه المواقع عن غضبهم تجاه ضلوع مسؤولين حكوميين في تلقى رشاوى لسنوات وصل صداها إلى الحكومة الأمريكية دون محاسبة أو أي حديث من الجانب المصري.

الإعلان الأخير الذي فجرته وزارة العدل الأمريكية، عن تهم الفساد والرشاوى التي ارتكبها مسؤولون مصريون، يأتي بالتزامن مع ما تشهده مصر من أسوأ أزمة اقتصادية مرت عليها منذ سنوات، وارتفاع معدلات التضخم لمستوى غير مسبوق، حتى أنه تجاوز الـ40%.