فراج إسماعيل يكتب: حكومة الأقلية في رمضان

ذات مصر

فزعت زوجتي وتضجرت عندما قدمت لي ميزانية رمضان كعادتها سنويا وفوجئت برفضي إقرارها.
هل قررت التقشف إلى هذا الحد؟!.. سألت بانفعال وهي تشير إلى نفسها "المفروض أني أنا الحكومة في البيت وأنا صاحبة القرار"!
قلت: نعم أنا حكومة أقلية في بيتي.. وإن شئت أنا حكومة لم يخترها الشعب. لو خيرت الأولاد أو أجرينا انتخابات، لاختاروك أنت بأغلبية مطلقة 100% فأنت لا ترهقيهم أو تمنعي عنهم أهم ما يعيش عليه البشر.. الطعام. ولكن الغلاء والتعامل معه يجعلني صاحب القرار، فأنا صاحب الجيب، أو "السيالة" كما يسميه أهلنا في الصعيد، في إشارة إلى المال الذي يسيل منه.
مؤكد أنها فهمت أنني أقصد أسعار السلع الأساسية في رمضان التي لا تكفيها سيالة قارون أو حتى صندوق النقد الدولي.
يأتي رمضان هذا العام في ظل طبقة واحدة تمددت وصرنا، بيتنا وبيوت غيرنا، نغوص فيها بعد أن كانت سيالتنا تحفظ لنا بقدرتها الشرائية الكرامة والأمان المعيشي.
لن أقع في فخ توجيه الاتهام لحرب أوكرانيا. 
أنا قارئ جيد للاقتصاد ومتابع نهم للصحافة الأجنبية ومشاهد للفضائيات الإخبارية الغربية، ومن ذلك استطيع استنتاج أن التعثر الاقتصادي هو فشل في التخطيط وفي التنبؤ وقرارات فردية تعتمد الفهلوة بلا أي دراسات.
لا يمكن أن تكون الجهة التي تعرض شنطة مكسرات بسعر تراه عرضا مغريا (15 ألف جنيه) جهة تشعر بمصر وأحوال ناسها. وقطعا ليسوا من فئة المنهكين أمثالنا، هؤلاء الذين يصطفون أمام الكاشير بعشرات من السلعة الواحدة التي تعرضها محلات الهايبر بأقل جنيه أو جنيهين عن سعرها الذي وصل إليه الغلاء مثل اللبن أو التمر.
إذا كانت الأسعار تحدد بناء على سيالة من يملك الوفرة، فتلك مأساة، فهم وإن رأيتهم يتزاحمون على محلات الهايبر التي تكاثرت وتوحشت، أقلية صغيرة جدا، تخالهم كبيرة، لكن الحقيقة أن القدرة الشرائية جعلتهم فقط الموجودين في المكان نفسه. مجرد قطرة تبخرت من ماء نهر ساكن أو متجمد!
لا زالت زوجتي مذهولة وهي تسمع زوجها الذي تحول في غمضة عين من رجل البيت إلى شكسبير أو جان بول سارتر أو توفيق الحكيم بما اشتهر عنه من بخل.
والحق أن أي ميزانية لشهر رمضان القادم تسرع بأعقل العقلاء إلى عنبر المجانين، حتى لو قررنا أن نقضيها "فول" في الإفطار والسحور، فإن الفاتورة ستفوق قدرة كثيرين.
كيلو الفول وصل إلى 40 جنيها أو تجاوز ذلك الرقم. ومحل فول سبق رمضان بعرض سعر مغر لوجبة فول.. 
فول وسلطة خضراء وباذنجان مقابل 30 جنيها فقط.  ماذا كان السعر قبل هذا العرض؟!.. وكم سندفع إذا كنا 5 أفراد في بيتنا وقررنا أن نعتمد على هذا الافطار الفولي؟!
في الهايبر ماركت ليلة أمس تخليت عن ما اشتريته وهو قليل بسبب الطابور الطويل حتى أمام الكاشير المخصص لعشر سلع وأقل.
ولما سألت أحدهم: لماذا الهرولة ولا زال أمام دخول رمضان متسع من الوقت؟!.. المشكلة ليست في الوقت يا بيه  إنما في السعر الذي يتحرك كل ساعة إلى أعلى. إن جئنا غدا أو بعد غد قد أجد سعر السلعة زاد عن ما هو عليه الآن!
تدخل آخر لاحظ غليان الدم في صوتي، وعرفت أنه موظف في الهايبر "في يوم قفز عندنا سعر البيض ثلاث مرات خلال ساعات قليلة، وبرروا ذلك بارتباط السعر بالبورصة"!
بعد خطابي الطويل الممل كشأن كل خطابات حكومات الأقلية.. قررت أخذ التصويت من أولادي.. اعتقادا بأنني سأهزم زوجتي بالقاضية.
بدلا من ذلك سحبوا الثقة مني!