محمود عبده يكتب: هل يفلح «ابن زايد» فيما فشل فيه أنور السادات؟

ذات مصر

يخطئ من يظن أن فكرة «الدين الإبراهيمي» و«مجمع الأديان» هي فكرة حديثة من بنات أفكار حكام الإمارات، خطرت لهم فجأة وقد "سرقتهم سكينة التطبيع".. فقد سبق للرئيس المصري الراحل أنور السادات أن راودته الفكرة نفسها في غمرة حماسه لتطبيع العلاقات مع الإسرائيليين، ففكر في إنشاء مسجد إسلامي وكنيسة مسيحية ومعبد يهودي يضمهم سور واحد.. 

وبالفعل سعى الرجل لاتخاذ خطوات عملية نحو تحقيق مشروعه، واختار الذكرى الثانية لزيارته للقدس، وتحديداً يوم 19 نوفمبر 1979 ليضع فيها حجر الأساس لمجمع الأديان في "وادي الراحة" في سيناء  على بعد كيلومترين من مدينة سانت كاترين، وبصحبته نائبه حسني مبارك، وعدد من وزرائه ورجال دولته، وشيخ الأزهر عبد الرحمن البيصار، وبعض الخواجات.. 

أراد السادات أن ينشئ مجمعا للأديان الإبراهيمية الثلاثة يرمز للإخاء بين أتباع الديانات الثلاث، وهناك من لمحوا  لوجود شخص بهائي (أو بهائية)  مقرب من أنور السادات أوحى له بهذه الفكرة.. فالبهائية تؤمن بأن جميع الأديان صحيحة، وأن منبعها واحد، حتى البوذية والهندوسية، والمركز العالمي للبهائيين يقع في عكا وحيفا في فلسطين المحتلة..

وكانت الفكرة مفهومة في سياقها آنذاك، فالسادات هو "رائد العلاقات مع الصهاينة"، ومن المتوقع أن يسعى بكافة السبل لإقناع شعبه والشعوب العربية بجدوى مبادرته للصلح مع الصهاينة في فلسطين، وأنه من الممكن تذويب اليهود الصهاينة في فلسطين، في المحيط العربي الكبير..

لهذا وقف في سيناء يوم السادس من أغسطس عام 1980 داعياً للإخاء بين الأديان الإبراهيمية الثلاثة، وقال نصاً: "عالمنا الآن وما يدور فيه من أحداث جسام أشد ما يكون الي رمز ما يذكرنا بوحدة المصير الانساني ووحدة الرسالة السماوية، مشهدا يجسد مفهوم الإخاء بين كافة المؤمنين بالأديان الابراهيمية الثلاثة"..

وزير الإسكان الراحل، حسب الله الكفراوي،  صرح قبل وفاته أن السادات قد تراجع فيما بعد عن فكرة مجمع الأديان الإبراهيمية ، حين أدرك أنها غير مجدية، ولكنه لم يعلن تراجعه رسمياً.. ورغم أن كثيرين اعتادوا ألا يثقوا في فيما صدر عن حسب الله الكفراوي من تصريحات في آخر أيامه، فالمؤكد أن القدر لم يمهل أنور السادات ليتمادى في فكرته، أو ليعدل عنها، فقد اغتيل بعد أشهر ليست بالكثيرة، ولم يحاول خليفته حسني مبارك أن يستأنف المشروع.. وبدا أن الفكرة ماتت بموت صاحبها، وحتى حين حاول محمد السادات، النائب البرلماني، وابن شقيق السادات، أن يحيى الفكرة، منذ 5 سنوات، وتحديدا في إبريل من العام 2018م، فإنه لم يجد من يستمع إليه، أو يتجاوب معه.. 

فهل يفلح محمد بن زايد فيما فشل فيه محمد أنور السادات؟.. 

لا أظن.. 

ولأسباب عدة..

أولها :طبيعة الدين، بشكل عام، تلك الطبيعة التي تقوم على الاستقلال، وتجعله يرفض الاندماج في غيره من الأديان والعقائد، بل إن المذاهب المتعددة داخل الدين الواحد تأبى الاندماج معاً وتحرص على تمايزها واستقلالها، فكيف بأديان راسخة مضى على تبلورها واكتمالها قرون وقرون؟

وثانيها:  هو أن الشعوب العربية تدرك أن مثل تلك المشاريع وجدت لخدمة الدولة الصهيونية، ولتسهيل دمجها في النسيج العربي المسلم/المسيحي، لتظل باقية على أرض فلسطين، وتقوى وتتمدد.. والشعوب العربية بغريزتها، تعادي الدولة الصهيونية، وترفضها جيلا وراء جيل، بل إن للخطاب الديني دوره في تعميق الكراهية للصهيونية ودولتها، حتى إن "كراهية اليهود"، صهاينة أو غير صهاينة،  باتت معتقداً شعبيا عاما يتقوى بالنصوص الدينية ذاتها، ويكاد يتحول لمعتقد ديني..