علي الصاوي يكتب: هل الخلل في الشباب أم الكبار؟

ذات مصر

لا توجد مشكلة خاصة بالشباب، ولكن المشكلة الحقيقية هي مشكلة الكبار الحائزين للرشد والنضج، والممارسين لأسباب التوجيه والقيادة في المجتمع، المشكلة هي مشكلة الكبار وما يصنعون بمجتمعهم، وما يضيفون إلى الحياة من جمال أو قبح، وما يعتنقون من مبادئ يعاملون بها الآخرين، هم الذين يصنعون الدراما الإنسانية فيجعلون منها ملحمة بطولية أو كوميديا سوداء، أو تراجيديا دامية".

كلمات كتبها الأديب المصري نجيب محفوظ في مقالة له عام 1980، عندما وجد كثيرا من الشباب هائما على وجهه فاقدا للانتماء الوطني حيران بين الرغبة والتهميش، بسبب ضعف فاعليته السياسية وقلة حضوره الاجتماعي، ليطرح السؤال الأهم في تشخيص ما يعاني منه الشباب وقتذاك: هل الشباب هم لُب المشكلة أم أنهم ضحايا سياسة الكبار والتهميش والإقصاء المتعمد؟
لا يُكتب لأي فكرة النجاح على أرض الواقع إن لم تتوفّر لها حاضنة شبابية تكون من جنس حداثة الفكرة وحيويتها وسمو غايتها، وتتفق مع متغيرات الواقع وسرعة تحولاته، وكما أن هناك عقولا تفكّر وتدبّر وتخطط، هناك أيضا سواعد تبني وتُعمّر، وإن لم تتوازن كفّة الفريقين في التنفيذ والشورى وتنوع الرأي وفسح مجال كاف للحرية والإبداع، سوف تخفت الفكرة تدريجيا أو ستولد مريضة وتموت شائخة.

آفة التراجع في أي عمل سياسي لا يتحمل وزرها الشباب بقدر ما يُسأل عنها الكبار؟ ماذا قدمتم وماذا أفسحتم لهم ليُدلوا بالرأي؟ وهل فتحتم باب المشاركة الحقيقية أمام الشباب ليمارسوا حقهم الديمقراطي عبر مشاركات سياسية فعالة؟ أم فعلتم كما قال أحدهم يوما لأحد الشباب: أنت ما زلت بحاجة إلى نضج ديمقراطي فلا أهمية لرأيك الآن؟!! وهذا لعمري مما يُحيّر الأفهام، إذ كيف أنضج ديمقراطيا من دون أن أمارس الديمقراطية قولا وتطبيقا؟ أليس الطريق هو من تصنعه الأقدام؟ أليس صبغة أي مشهد سياسي أو اجتماعي بلون واحد يجعله باعثا على الملل ويبشر بالقتامة والنفور فيما بعد؟ فإذا كان الكبار هم أرباب الفكرة، فالشباب الدروع التي تحميها.

فالتنوع روح أي عمل ويُثريه فكريا وسياسيا، وإذا كان الكبار يرون أنهم يزيدون في جوانب فقد نقصوا في جوانب أخرى ربما لم يروها، وهنا يأتي دور الشباب في تكملة ما نقص لاكتمال الصورة وضخ فيها دماء روحية مثقلة بحيوية الشباب وإقبالهم بأمل وحب على الحياة، فالشباب عصب كل أمة وقوتها، وبطل كل حضارة وعماد ديمومتها، وقد يأتي الرأي من غير مظنّة الرأي، بعيدا عمن اعتاد الناس عليهم أن يتقدموا ويتكلموا ويقترحوا، وقد تجلى ذلك في بداية الدعوة المحمدية حين احتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشباب وأقرّ بدورهم الفعال في دعوته فقال: نصرني الشباب وخالفني الشيوخ، فقامت الدعوة على سواعد شباب المدينة ممن حملوا رسالة الإسلام فيما بعد وأناروا بها الدنيا.

فليس من الحكمة تهميش الشباب ولا مصادرة حقهم في الرأي أو التسفيه من اجتهادهم، ولهم حق المشاركة في أي نشاط سياسي أو اجتماعي وأن يستمع لهم الكبار بأذن واعية وروح منشرحة، فمن أخطأ صوبوه ووجهوه ولا تجلدوه أو تُقصوه، وفتح أمامهم آفاق المستقبل للإبداع وإطلاق الطاقات والتقدم في الحياة السياسية والاجتماعية دون عقبات، وإفساح المجال لهم لإبداء الرأى والمشاركة في صناعة القرار السياسي، ودمجهم في منظومة العمل الوطني بشكل عملي مع توفير بيئة سياسية حرة جاذبة ومحفزة لا طاردة ومنفرة،  ومن أصاب فليتقدم ويأخذ مكانه الذي يليق به ليكون لبنة في بناء عمل وطني متكامل؛ أعمدته وسقفه خبرة الكبار، وجدرانه حماسة الشباب وخفتهم وتطلعهم للمستقبل.

وأخيرا طالما صحّت جذور الشباب فارفقوا بما اعوج من فروعهم لحداثة سنهم وضعف خبراتهم، فتجديد دماء المجتمعات مطلوب وفتح العقول على كل النوافذ الشبابية أدعى للتهوية من عفن الشيخوخة والدوغمائية وتصلّب الرأي والتخلص من إرث سياسي واجتماعي قديم عفا عليهما الزمن.