دراسة: حرب البرهان وحميدتي لحماية امتيازات الجيش وقوات الدعم «الاقتصادية»

ذات مصر

سلطت دراسة حديثة، لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، الضوء على جذور الصراع السياسي في السودان، والأوضاع الحالية مع خوض اشتباكات عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع، مشيرة إلى أن الحرب الدائرة في السودان حاليًا تعني تحطم الانتقال السلمي إلى الديمقراطية في البلاد بعد الاحتكام إلى لغة السلاح.

أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد، الإمارات العربية المتحدة، الدكتور حمدي عبدالرحمن، بين أن انخراط قوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) والقوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان في اشتباكات عنيفة، بسبب الخلاف حول دمج القوتين العسكريتين معًا.

دمج القوة العسكرية السودانية كان جزءاً من اتفاق لتقاسم السلطة مع القادة المدنيين الذين قادوا الاحتجاجات ضد الرئيس السابق عمر البشير في عام 2019. وكان الاتفاق قيد التنفيذ لمدة عامين قبل أن يقوم البرهان وحميدتي بانقلاب عسكري في أكتوبر 2021.

أرجعت الدراسة اندلاع الحرب الدائرة إلى مطالب قادة الحكم المدني والديمقراطي في البلاد بإجراء إصلاحات جذرية لقطاع الأمن، من خلال السيطرة على الجيش ورؤية اندماج قوات الدعم السريع القوية في الجيش النظامي، فضلًا عن تسليم الأصول والشركات العسكرية المربحة في الزراعة والتجارة وغيرها من الصناعات، والتي تعد مصدر أساسي للسلطة والثروة بالنسبة للجيش وقوات الدعم السريع على السواء.

محاكمة قادة العنف منذ 2003

وتابعت: "ثمة نقطة خلاف أخرى تتمثل في السعي لتحقيق العدالة بشأن مزاعم ارتكاب الجيش وحلفائه جرائم حرب في النزاع في دارفور منذ عام 2003. وتسعى المحكمة الجنائية الدولية إلى محاكمة الرئيس المخلوع عمر البشير وغيره من السودانيين المشتبه بهم. كما يتم السعي لتحقيق العدالة بشأن مقتل متظاهرين مؤيدين للديمقراطية في 3 يونيو 2019، والتي تورطت فيها قوات عسكرية من الدعم السريع".

ونوهت إلى أن النشطاء والجماعات الحقوقية المدنية استشاطت غضباً بسبب التأخير في إجراء تحقيق رسمي، فضلًا رغبة فصائل قوى الحرية والتغيير في تحقيق العدالة لما لا يقل عن 125 شخصاً قتلوا على أيدي قوات الأمن في احتجاجات السلمية منذ قرارات البرهان في 25 أكتوبر 2021.

وشددت الدراسة على أن إصلاح قطاع الأمن يتطلب إصلاح الإطار القانوني في السودان لإرساء دور قوات الأمن وإنشاء جيش وطني واحد تثق به المجتمعات والأقاليم السودانية، ولاسيما في مناطق النزاع، وفك ارتباط الجيش وقوات الدعم بالاقتصاد في ظل سيطرتهما على معظم جوانبه، مبينة أن صراع حميدتي والبرهان من أجل حماية تلك الامتيازات.

تحالف قوات الدعم و"قحت"

وذكرت أنه ينظر للمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير "قحت" على أنه أكبر تهديد للمسار الانتقالي السلمي، منوهةً بأن الجماعات الإسلامية تمارس سلطة كبيرة على القيادة الحالية للقوات المسلحة، في ظل حكمهما للبلاد منذ انقلاب 1989.

وبينت أن امتلاك قوات الدعم 100 ألف جندي وقواعد وانتشار في جميع أنحاء البلاد، مقارنة بـ124 ألفًا للجيش دفعت "قحت" نحو تحالف غير متوقع ومتناقض مع الطرف الثالث في معادلة القوة، وهو قوات الدعم السريع.

وعلى هذا أنشأت "قحت" تحالفاً سياسياً وثيقاً مع قوات الدعم السريع، التي يراها الإسلاميون عدوهم الرئيسي. وقد تمت تهيئة هذا التحالف من قبل سماسرة سياسيين من المناطق المهمشة داخل قوى الحرية والتغيير، الذين لا يرون سيادة نظام المليشيات السياسية إشكالية طالما أنها تخدم مصالحهم السياسية.

وبينت الدراسة أنه خلال الفترة الانتقالية المجهضة، تبادل هؤلاء السماسرة الامتيازات والخدمات السياسية مع قوات الدعم السريع، مما عزز علاقاتهم. ولا يخفى أن العلاقة الوثيقة لهذا التحالف أدت إلى التوصل إلى الاتفاق السياسي الإطاري  في 5 ديسمبر 2022. 

تحالف "قحت" والدعم السريع أصبح أكثر وضوحاً مع دعم حميدتي التلقائي لجميع الخطوات التي اتخذتها "قحت"، لكن منطقهما من أجل منع الإسلاميين من العودة إلى السلطة له ثغرات كبيرة، وكارثية، أهمها أتاحت الفترة التي تلت انقلاب البرهان/ حميدتي وقتا كافيا للإسلاميين للعودة إلى أجهزة الدولة والمراكز المالية التي سيطروا عليها خلال 30 عاماً من حكمهم، وأن الاعتماد عليهما لمواجهة الإسلاميين كان عديم الفائدة خلال الفترة السابقة، وفقًا للدراسة.

عودة الإسلاميين للحكم

ونوهت بأن ثورة ديسمبر السودانية دفعت القوى اليمينية الرجعية إلى تبني مسار انتقالي ديمقراطي بقيادة مدنية، ولو مؤقتاً، مشددة على ضرورة عدم العودة للوراء، وأن جهاز الدولة والنظام السياسي في السودان الذي بني على أسس أيديولوجية خلال حكم البشير يحتاج إلى إصلاحات مبدئية وشاملة وأساسية بعد أن أفسدهما طغيان البشير.

وأكدت أن الاعتماد على حميدتي في قتال شبح الإسلاميين المهزومين خطأ استراتيجي على حساب مستقبل الاستقرار في السودان، موضحة أن حميدتي مل عوضاً عن ذلك  قبل وبعد الاتفاق الإطاري بلا كلل لتعزيز سلطته السياسية والاقتصادية والإقليمية والدبلوماسية، من التدخلات في تشاد والنيجر ومالي وجمهورية إفريقيا الوسطى إلى العلاقات التجارية والعسكرية العامة والسرية مع مجموعة فاغنر الروسية.

وذكرت أن محاولة تأليب الشركاء الانقلابيين ضد بعضهم بعضاً من أجل تقوية المعسكر المؤيد للديمقراطية ظاهرياً هو تكتيك خاطئ ولا يمكن للتكتيكات الخاطئة أن تؤدي إلى نتائج جيدة. وهذا النهج سيمكن شخصاً واحداً فقط من احتكار المزيد من السلطة في السودان. 

السيناريوهات والمآلات 

وذكرت الدراسة أن الجيش ر-غم إعلانه السيطرة على معظم مقرات الدعم السريع- يواجه حرباً غير متماثلة مع مليشيات الدعم السريع، مكملةً: "في حالة عودة منتسبي الجيش السوداني في الدعم السريع إلى مواقعهم العسكرية السابقة فإن ذلك يعني إمكانية الانتقال إلى طور آخر يبدو فيه وضع لا غالب ولا مغلوب، الأمر الذي يعطل من مسيرة الانتقال إلى الحكم المدني".

وأردفت: "ربما يجعل هذا السيناريو السودان عبئاً على الإقليم، والسيناريو البديل يتمثل في تمكن الجيش من إحكام قبضته على العاصمة وطرد قوات الدعم ما يفتح الطريق مرة أخرى أمام الجهود الدولية والإقليمية لاستكمال تنفيذ بنود الاتفاق الإطاري بما في ذلك إصلاح قطاع الأمن وإدماج قوات الدعم السريع في الجيش. 

وذكرت أن السيناريو الأخير يمثل "حافة الهاوية"، حيث يكرر الحالة الليبية ويؤدي إلى تقسيم البلاد من الناحية الواقعية، وهو ما يطرح إشكالية وتداعيات وجود أجسام عسكرية غير نظامية بجوار الجيش الوطني.

أكدت الدراسة أن التدخل العسكري لن يؤدي إلا إلى جعل الشعب السوداني أكبر الخاسرين، وأن الصراع الحالي قد يجبر الأطراف المتصارعة على الدخول في حوار. وبالفعل، دعا فولكر بيرثيس، مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان والأطراف الدولية والإقليمية، إلى وقف فوري للقتال، والدخول في حوار لإيجاد حل دائم للأزمة.