السفير عبد الله الأشعل يكتب: المقاومة والقومية العربية بين الدين والعلمانية

ذات مصر

لوحظ أن شعارات القومية العربية كانت تنحو نحو العلمانية، وفسره البعض بأن التطابق غير كامل بين العرب والمسلمين، وإنما هناك يهود ومسيحيون، ولذلك اعتمدت العلمانية قرين القومية، وعلى أساس أن المسيحيين أسهموا أيضا في حركة القومية العربية وفى صقل اللغة العربية. ولكن هذه العلمانية السياسية لم يقابلها عندما يتعلق الأمر بالقومية العربية المرونة تجاه الأعراق الأخرى رغم أن العروبة ثقافة وأن التلازم بين العروبة والإسلام كان في المراحل الأولى بعد ظهور الإسلام، فساد العرب العالم يوم رفعوا راية الإسلام وتخلوا عن جاهليتهم الأولى، فلم تتسامح التيارات القومية مع غير العرب مثل الأكراد مما جعل الصدام بين القومية العربية وهذه الأعراق أمرا مؤسفا. ولكن على المستوى الديني كان التيار القومي مريحا كما لم يكن طائفيا ولذلك فاتهام صدام حسين باضطهاد الشيعة لم يكن صحيحا. أما ملف الأكراد فقد كان حريصا على وحدة العراق ضد الحركات الكردية الانفصالية ولذلك عندما تحالف الأكراد مع شاه إيران للنيل من الجيش العراقي أقدم صدام على خطوتين الأولى أنه عدل الدستور العراقي عام 1972 فأعطى الأكراد الحكم الذاتي.

والخطوة الثانية أنه وقع اتفاق الجزائر عام 1975 تنازل فيه عن بعض المناطق في شط العرب. ولما كان أبرام هذا الاتفاق إنقاذا للجيش العراقي من تواطؤ الشاه مع أكراد العراق، فقد ألغى هذا الاتفاق وتماهى مع الموقف الأمريكي المعادي للثورة الإسلامية فبدأ الهجوم على إيران في الأسبوع الثالث من عام 1980 حتى صيف عام 1982 ولما كانت خطة واشنطن تدمير العراق مكافأة له على دعم الجهود الأمريكية ضد الثورة الإسلامية في أزمة الرهائن، فقد قدمت لصدام الكيماوي الذي هاجم به مناطق الأكراد انتقاما منهم عما قيل من أنه تواطؤ كردى مع إيران الثورة. فما كان من واشنطن إلا توثيق أعمال الإبادة ولما احتلت العراق عام 2003 قدمت صدام إلى المحكمة أمام قاضى كردى ووفرت له الوثائق التي تدين صدام حسين وتم إعدامه بالفعل يوم عيد الأضحى عام 2006 أما المقاومة ضد إسرائيل يشقيها فتح وحماس ثم حزب الله فقد سبقتها فتح العلمانية.

فقد بدأت فتح المقاومة المسلحة ضد إسرائيل عام 1965 وحرصت على الطابع العلماني حتى تستقطب للقضية غير العرب وغير المسلمين وبالفعل ساند المسيحيون واليسار الدولي فلسطين ودخلت منظمة التحرير الفلسطينية كحركة تحرر وطني عالمية ممثلا وحيدا للشعب الفلسطيني عام 1974 وظلت فتح وكتائب الأقصى التابعة لها وكذلك المنظمة علمانية لا تقيد نفسها بالعروبة والإسلام. فقد لوحظ أن الفلسطينيين كانوا الأكثر تعلقا بالتيار القومي لثلاثة أسباب: الأول أن التيار القومي ادعى التقدمية وكان أميل إلى اليسار فكان في نظر الفلسطينيين مقبولا والثاني أن التيار القومي كان صوته عاليا ويستحوذ على الشارع العربي ولذلك ضمن دعم الجماهير العربية للقضية وكراهية إسرائيل والثالث أن التيار القومي كان ينطلق من فكرة الأمة العربية وتعامل مع القضية على أن فلسطين انتزعت من الأمة فعلى الأمة أن تسترد فلسطين  المغتصبة ولكن الدول العربية حاولت استخدام الفصائل الفلسطينية لتوريطها فيما يهمها دون نظر إلى أن القضية الفلسطينية يجب أن تكون مقصد الجميع. بل إن بعض الحكام العرب استمد شرعيته من شعارات الانحياز للقضية الفلسطينية وكانت النتيجة ضياع كل فلسطين. ويدرك الفلسطينيون أن الزعماء القوميين هم أول من ضيع فلسطين ربما عن عجز عن إدارة الصراع، فكان الموالي لفلسطين وضد إسرائيل مواطن عربي وغير ذلك لا يكون. وكانت النتيجة بسبب سوء الإدارة والاستبداد أن لحقت الأوطان العربية بفلسطين بينما تسيدت إسرائيل بل إن الحكام العرب لا يدركون أن الصهيونية معاكسه للعروبة وسيادة أحدهما لابد أن ينفى الأخر.

وعندما ثم استيعاب منظمة التحرير التي كانت تقود النضال السياسي والعسكري، بل انحرف موقف المنظمة وتورطت في مواقف حاسمة مثل الغزو العراقي للكويت خاصة وأن عرفات كان يعمل في البداية في الكويت، وكان موقفه سببا في ضرر كبير للفلسطينيين وللقضية.

الموجة الثانية من المقاومة 

ثم ظهرت الموجة الثانية من المقاومة، فنشأ حزب الله لإجلاء إسرائيل عن بيروت عام 1982 وكان حزب الله الشق الشيعي من المقاومة ثم نشأت حماس بعد الانتفاضة الأولى عام 1987 وهي سنية يربط بينهما أمران الأول أن إيران تدعمهما، والثاني أنهما يقاومان إسرائيل والمشروع الصهيوني. وهذه ظاهرة جديدة أن تكون المعارضة إسلامية وكان ذلك أحد الأسباب التي لم يرحب بها كثير من دول العالم ورغم التركيز في القضية على الطابع الإنساني الغلاب إلا أنها ارتبطت بالطابع الإسلامي بينما قدمت إسرائيل نفسها على أنها امتداد حضاري وعلماني لأوروبا في المنطقة. وهكذا اتجه الفكر القومي والمقاوم إلى تغليب العلمانية على غيرها حتى يجذب أكبر عدد من الأنصار، ولكن قضية فلسطين هي قضية سياسية إلى جانب أنها أيديولوجية وهي في نهاية المطاف مؤامرة على هذه المنطقة وضد أي قوة أيا كانت شرائعها.