محمود سلطان يكتب: تفكيك المفكك.. التاريخ لا يكذب.. التاريخ لا يتجمل!!

ذات مصر

متى دلفَ إلى أدبيات الحركة الإسلامية مصطلحُ "المشروع الإسلامي"؟!.. لم يُطرحْ هذا السؤال من قبل، وكأنه مصطلحٌ عليه من "القداسة" ما يجعله محصنًا من التساؤل حول أصوله وجذوره التاريخية!

والغريب: أن مفردة "مشروع" في ذاتها، ليس لها أية "دلالة/أصول/جينية" من الإرث السلفي، في تاريخه الطويل، منذ مجتمع النبوة وإلى ظهور حركات الإصلاح على يد الإصلاحيين الكبار في نهايات القرن الثامن عشرالميلادي! وإلى قبيل تدشين "الإسلام الحركي" في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي "العشرين".

من الأهمية ـ هنا ـ  الإشارة إلى أنه بُعيد سقوط دولة الخلافة عام1923، لم يُفضِ غيابُ "الإرادة السياسية" لإعادة إحيائها، إلى ظهور جماعات "نضالية" لفرض عودتها بـ"الجهاد المسلح"،  فيما اصطدمتْ الدولة بمواجهات مع أعمال عنف دموية بسببها بعد غياب الخلافة بثمانية عقود!!.

 ما السرُ في هذا "الهدوء".. ما بين الربع الأول من عشرينيات القرن الماضي وإلى الربع الأخيرمن سبعينياته، والتي بلغت ذروتها باغتيال رئيس الجمهورية أثناء عرض عسكري في أكتوبر عام 1981؟!

من الصعوبة ـ إذن ـ تحديد النقطة "الزمنية /التاريخية" التي ظهر فيها مصطلح "المشروع الإسلامي"، فهو مصطلح جديد، لم يعرفه السلف، وظل "غيبًا" حتى نهاية السبعينيات في القرن الماضي. ولكن يبدو لي أنه ظهر مع "التثوير الشيعي" وانتصار "الخميني" على شاه إيران عام 1979.

الانبهار بـ"التشيع السياسي" والإعجاب بـ"الخومنة" في إيران، والاعتقاد بأنه ليس بعيدًا عن الاستنساخ في المجتمع العربي السُني، شجعَ على تعدد الجماعات بشكل متسارع.

 فبعد أن كان لا توجد "تاريخيا" إلا جماعة واحدة ـ الإخوان المسلمون ـ ظهر على جانبي تلك الجماعة، تكوينات "ثورية" جديدة، احتفظت بمساحات من التمايز والتباين عنها.

 وإذا كانت الإخوان، تأسست كرد فعل لإحساس العالم الإسلامي بـ"اليُتم" لسقوط الخلافة العثمانية عام 1923.. فإن الجماعات اللاحقة عليها، جاءت من قبيل "تقليد" النموذج "الثوري الشيعي"، ومتأثرة أيضا بالوهج اليساري العربي، وأداته في تغيير الأنظمة "العنف الثوري".. والتي لخصها الجهادي المصري "عصام القمري" ـ ضابط سابق بالجيش قتل عقب هروبه من السجن ـ بقوله "كنس السلم من أعلى".

لم يظهر "المشروع الإسلامي" كمصطلح إلا مع هذا الجيل ـ جيل ما بعد الثورة الإيرانية ـ وهو الارتباط التاريخي الذي "أساء" له، إذ ترك انطباعا لدى "الآخر" ـ أي آخر ـ بأنه "مشروع عنف".. وليس إحياءً دينيًا سلميًا لـ"الإسلام الحضاري" إذا جاز التعبير.

المشروع الإسلامي "السُني" ـ الذي قدمه هذا الجيل ـ فقد القدرة على "الإقناع"، ليس فقط بسبب شرنقته داخل أطر الاصطلاحات الدعائية وحسب، وإنما أيضًا بسبب غياب "الآباء" المؤسسين، الذين يعدلون نموذج الخميني في إيران.

ففي الحالة الإيرانية كان الآباءُ المؤسسون ـ آياتُ الله ـ ينتمون إلى المؤسسة الدينية الشيعية الرسمية "الحوزة العلمية في قم".. بينما في الحالة السنية، فإن المشروع اعتمد على مجتهدين شباب من "الهواه" وعلى مرجعيات علمية مثل سيد قطب وأبو الأعلى المودودي، لا ينتمون إلى المؤسسات الدينية السنية الكبرى مثل "الأزهر" بمصر و"الزيتونة" بتونس و"القرويين" بالمغرب، ففقد المشروع أهم أدوات "الإقناع"، إذ تظل المؤسسات الدينية الرسمية في العالم السني تحظى بمنزلة الإجلال والتوقير في الضمير الشعبي، فضلا عن قيمتها العلمية، كأداة اعتدال ديني في مواجهة الغلو والتطرف.

فهل بوسعنا الإطمئنان ـ إلى ما ترتب ـ على ما سلف، من قناعات بأن المشروع الإسلامي ـ بطبعته الحالية ـ كان ولا يزال، محضَ تعبيرٍ عن حماس جيل حالم يرى فيه عوضًا عن "الهزيمة" العسكرية والحضارية أمام "المنتصر" الغربي.. وكأداة في الصراع على السلطة مع الأنظمة القائمة.. فيما ظل فحواه الحقيقي "غيبًا" لا يعرف الناسُ عنه شيئًا؟!