علاء عوض يكتب: ليست تركيا فقط.. بعض قادة العالم يحتاجون أردوغان

علاء عوض
علاء عوض

إذا فكر الناخب التركي جيدًا فسيعطي صوته للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لأن منافسه كمال أوغلو سيواجه -لو فاز اليوم- مقاومة وصعوبة في تمرير القوانين والقرارات في البرلمان، بعد فوز التحالف الجمهوري المرتبط بأردوغان بأغلبية المقاعد البرلمانية. هكذا هي القراءة الظاهرية لانتخابات جولة الإعادة التي تشهدها تركيا اليوم.

تلك الانتخابات تحمل كواليسها أجواء غاية في الإثارة والجنون السياسي، فمن كان يتصور مثلًا أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، سيدعم أردوغان الذي حاول وبذل جهدًا كبيرًا لتقديمه للمحاكمة، على خلفية تورطه في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول؟

ثمة عدة شواهد بأن أردوغان هو مرشح الأنظمة العربية المفضل في تلك الانتخابات، أوضحها الدعم المالي الذي أشاد به أردوغان قبل ساعات من جولة الإعادة،  ذلك الدعم الذي لولاه لكان التضخم التركي تجاوز 100%، فقد أبطأ من وتيرة انهيار الليرة التي باتت تتجاوز 20  لكل دولار، مقارنة بمستوى 4 ليرات لكل دولار عام 2017.

الانهيار الشديد في العملة التركية جاء بالتزامن مع قيام أردوغان بتحويل تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي الذي دفع سلطويته للأمام، لدرجة تدخله في أعمال السياسة النقدية، وتجريد البنك المركزي التركي من استقلاليته، والآن يحصد أردوغان نتيجة مرة.

أصبح التضخم والفقر خصمًا شديدًا له في تلك الانتخابات، مع اختفاء الدولار من البنوك وظهور سوق سوداء يتداول فيها بسعر 21.4 ليرة للدولار، مع تحول الاحتياطي التركي لرقم سالب لأول مرة منذ عام 2002.

وبالقطع لولا دعم الأنظمة العربية لأردوغان بمليارات الدولارات لكان وضع أردوغان كارثيًا. وهنا لا أقصد قطر فقط؛ بل الإمارات وحتى خصمه اللدود سابقًا، ولي العهد السعودي، قدم له 5 مليارات دولار في مارس الماضي، استطاع بهم أردوغان التنفس سياسيًا والمناورة في المشهد الاقتصادي التركي، ليمنعه من الانحدار  السريع إلى البقع الأشد ظلمة.

هذا الدعم العربي لأردوغان يؤكد ألا أحد من الأنظمة العربية يتمنى فوز خصمه كمال كليجدار أوغلو؛ لأنه يمثل بكل بساطة امتدادًا لسياسة بايدن في الشرق الأوسط التي تعمل ضدهم بشكل مستمر، بحجة مكافحة سلطويتهم وإعطاء هامش للديمقراطية.

فمعادلة دعم الأنظمة العربية لأردوغان لا تحتاج لتفسير الدفع مقابل دعم سياسات الأنظمة العربية واستقرارها. وقد قبل أردوغان الشروط العربية وأبدى مرونة ونشاطًا في هذا الإطار فوق المتوقع منه. فبعد أن ساهم في تفجير المشهد السوري بهدف الإطاحة بالرئيس السوري، ها هو اليوم ينشد وُده في لقاءات تفاهم وتقارب في موسكو.

ولكن هل فقط الأنظمة العربية وحدها من تدعم أردوغان؟ الصين وروسيا وإسرائيل هم أيضا مصالحهم في نجاح أردوغان، بوتين، شي جينبينغ، نتنياهو، كل هؤلاء القادة شعبويون مثل أردوغان، ومصالحهم وأجندتهم في آسيا الوسطى والقوقاز لا يمكن أن تمر إلا من خلال أردوغان، ولعل التعاون التركي الإسرائيلي في دعم أذربيجان في حربها ضد أرمينيا يوضح عمق المصالح، بعيدًا عن الحروب الإعلامية الشعبية.

الأمر نفسه واضح في علاقة بوتين بأردوغان الذي يتعامل مع الأخير بثقة مطلقة جعلت من سلوك أردوغان محل تعجب من شركائه في حلف الناتو، بينما الصراع الروسي الأوكراني على أشده، وحتى الرئيس الصيني يراهن علي استمرار أردوغان لاستكمال مشاريعه وطريق حريره في وسط آسيا والشرق الأوسط.

هذا الدعم الخارجي لأردوغان يقابله أيضا دعم دخلي نابع من فوز ائتلافه بالأغلبية البرلمانية وتفرغهم الآن لعقد صفقات مع القوميين الأتراك لشراء أصواتهم مقابل امتيازات سياسية تماما كما حدث مع سنان أوغان مرشح الرئاسة الخاسر في الجولة الماضية.

ولكن ليس معني ذلك أن مهمة أردوغان اليوم ستكون دون مفاجآت فجولة الإعادة بالانتخابات التركية غاية في العصبية والتوتر وليست سهلة الحسم كما يعتقد البعض لصالح أردوغان، فأصوات الشباب والمرأة في الداخل التركي ليست معه، وكذلك المثقفون والمواطنون في المدن الكبرى ضده، كما أن أردوغان استنفذ قاعدته الجماهيرية التصويتية في الجولة الأولي سواء  أصوات الخارج أو الأطراف الذين يصوتون علي أساس ديني ـو المناطق الريفية.

لذلك إذا ارتفعت نسبة التصويت فوق 90% فقطعا فسيكون ذلك أصواتًا جديدة قادمة للتصويت العقابي ضد أردوغان، ولا شك في أن أردوغان يدرك صعوبة تلك المعركة، وأنه هو من صعَّبها على نفسه بسبب سياساته وانقلاباته حتى على رفقاء زمن النجاح أمثال داود أوغلو وعلي باباجان الذين يعملون اليوم في الاتجاه المضاد له.

ويكفي أنه لأول مرة في تاريخ أردوغان السياسي يخوض جولة الإعادة في انتخابات. وفي ذلك رمزية واضحة علي أخطاء سياسية واقتصادية ارتكبها، خصمت من شعبيته لدى الناخب التركي، ويحصد أردوغان الآن بسببه توترًا وقلقًا بالغًا لن ينتهي إلا بإعلان اسم الفائز في انتخابات اليوم.