رسالة علي الصاوي من تركيا

الانتخابات التركية.. أردوغان يقترب وكليجدار أوغلو يبحث عن طوق نجاة

ذات مصر

بنسبة 49.51 % للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، و44.88 % لمرشح تحالف الأمة التركي المعارض كمال كليجدار أوغلو، و5.2%لمرشح تحالف الأجداد أوغان سنان انتهت الانتخابات الرئاسية التركية دون أن تُحسم من الجولة الأولى لتعلن الهيئة العليا للانتخابات إجراء جولة إعادة للمرة الأولى في تاريخ تركيا في الثامن والعشرين من الشهر الجارى على أن يبدأ التصويت للأتراك للمقيمين في الخارج بدءاً من 19 مايو المقبل.

التكهنات واستطلاعات الرأى تفيد بأن أردوغان قد يحسم الجولة الثانية بفارق كبير عن كليجدار أوغلو، خاصة وأن تحالف الجمهور الذي يتزعمه أردوغان يتسلّح معنويا بفوز تحالفه بأغلبية كبيرة في البرلمان بعدد مقاعد بلغ 322 مقعدا من إجمالي 600، يحظى حزب العدالة والتنمية منهم بـ266 مقعدا، وسيكون لذلك الفوز الثمين ارتدادات قوية في سِباق الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية.

هوى استحواذ تحالف الجمهور على الأغلبية البرلمانية بآمال تحالف الأمة المعارض بتغيير نظام الحكم من رئاسي إلى برلماني ما ولّد غضبا كبيرا لدى أنصار المعارضة وتحميل كليجدار أوغلو مسؤولية الهزيمة كونه تحالف مع أحزاب صغيرة محسوبة على التيار المحافظ لم يستفد منها في السباق الرئاسي بشئ، في حين حصلت تلك الأحزاب على مقاعد في البرلمان أبرزها حزب المستقبل لأحمد داود أوغلو الذي حصل على 11مقعدا وحزب ديفا لعلى باباجان الذي حصل على 14 مقعدا وحزب السعادة الذي حصل على 11 مقعد.

رأى بعض الصحفيين الموالين لحزب كليجدار أوغلو أن تلك الأحزاب خدعت حزب الشعب الجمهوري لدخولها البرلمان بأصوات مؤيديه، ومنهم من وصف هذه النتيجة بأنها خدعة كبرى خدع بها كليجدار أوغلو ناخبيه، فما هى كواليس الاستعداد للجولة الثانية؟ وهل ما زال الأتراك متمسكين بالرئيس أردوغان رغم صعوبة حسم النتيجة من الجولة الأولى؟ 

النزعة الإيدلوجية في التصويت

المتابع للشأن التركي على مدار معارك انتخابية سابقة يرى أن النفسية الانتخابية _ وهى الأكثرية_ للمواطن التركي تسير في اتجاهين اثنين، الاتجاه الأول ماضي الأجداد البعيد وهذا تسير فيه الكتلة المحافظة، والاتجاه الثاني ماضي الأجداد القريب وهذا تسير فيه الكتلة العلمانية، وتلك الأصوات لا تتغيّر بتغير الظروف والتدافع السياسي، هى أصوات مضمونة لمن يحمل فكر أى من الاتجاهين من المرشحين، لكن تبقى شريحة القوميين التى يراهن عليها الجميع وهى العنصر الحاسم في أى سباق انتخابي، لذلك يتحالف أردوغان مع حزب الحركة القومية لتقوية جبهته.

في حين تحالف كليجدار أوغلو مع حزب الجيد القومي برئاسة ميرال أكشنار لتعزيز كتلته التصويتية وإن كان تحالفهما مؤقتا إلا أن هدف إسقاط أردوغان خلق أرضية مشتركة بينهما، أما عن الكتلة الكردية التى تمثل حوالي 8% من الأصوات يبقى حجم تأثيرها ومشاركتها رهينة عروض سياسية بين حزب الشعوب الديمقراطي الكردي وأى من الشخصيات المرشحة ضد الرئيس أردوغان، هذا في حال لم تترشح شخصية كردية فتأخذ كل هذه الأصوات، باستثناء قلة تصوت لأردوغان. 

وقد تجلت مشاهد من داخل لجان التصويت أن نسبة كبيرة من المواطنين الأتراك صوتت للرئيس أردوغان في الرئاسة، مقابل التصويت لحزب الشعب الجمهوري في البرلمان وأغلبهم من القوميين، ومرد ذلك عاملين رئيسيين الأول تحالف حزب الشعب الجمهوري مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي المتهم بأنه الذراع السياسي لحزب العمال الكردستاني الانفصالي والمصنف إرهابيا، والعامل الثاني ما حدث للمرشح الرئاسي المنشق عن حزب الشعب الجمهوري ورئيس حزب البلد محرم إنجه من تلويث سمعته وتسريب فيديوهات إباحية له مفبركة، بمعاونة جماعة فتح الله غولن الإرهابية، لينسحب من السباق الرئاسي لصالح كليجدار أوغلو.

جاءت نتائج انسحاب محرم إنجه عكس ما رغب حزب الشعب الجمهوري فصوتت كتلته تارة إلى الرئيس أردوغان بدافع الغضب والانتقام، وتارة أخرى للمرشح الثالث أوغان، وكانت الأكثرية لأوغان كونه قوميا متشددا ويتفق مع محرم إنجه في قضايا الأمن القومي وعودة اللاجئين، ما جعله ملاذا تصويتيا عوضا عن محرم إنجه المنسحب ونكاية في حزب الشعب الجمهوري لما فعله بمرشحهم من ابتزاز واغتيال معنوي، فكانت النسبة التى حصل عليها أوغان ليست تعبيرا عن حجم كتلته التصويتية، وقد يحصل أردوغان على جزء من أصواته في جولة الإعادة ويمتنع الجزء الأخر عن التصويت. 

أصوات فارقة 

لعب القوميون الأتراك دورا كبيرا في تقدم أردوغان بالامتناع عن التصويت لكليجدار أوغلو بسبب تحالفه مع الأكراد وبعض الأحزاب المحافظة، فذهبت أصواتهم لأوغان سنان في حين عوّض كليجدار أوغلو ذلك بأصوات المناطق ذات الأغلبية الكردية حتى أن حزبه حصل لأول مرة منذ 21 عاما على مقعد برلماني عن ولاية ديار بكر معقل الأكراد، وعلى الجانب الآخر صوتت المناطق التى وقع فيها الزلزال للرئيس أردوغان وكانت مفاجأة كبيرة بسبب الكتلة التصويتية التي يملكها حزب الشعب الجمهوري بإقليم هاطاى، لكن الأداء الإغاثي والخدمات التي قدمتها حكومة أردوغان لتخفيف آثار الزلزال شكلت فارقا كبيرا في توجيه دفة التصويت نحو أردوغان لعلمهم أنه الأكفأ في معالجة الكارثة وأن استمراراه سيحقق الاستقرار السياسي الذي من شأنه أن يساعد العدالة والتنمية في استكمال إعادة الإعمار، عكس حزب الشعب الجمهوري الذي لم يُقدم لهم شيئا مقارنة بحجم الكارثة رغم أن بلدية هاطاى بحوزة الحزب، وهذا ما عزز من موقف أردوغان في بداية فرز الأصوات الذي كان فيها متقدما، فكان العقاب أن أوقفت بعض المنظمات الحكومية والبلدية التابعة لحزب الشعب الجمهوري دعمها لتلك المناطق بحسب ما تداوله كثير من الناشطين الأتراك. 

مساومات وانشقاقات

بعد أن مُنى تحالف الأمة بقيادة حزب الشعب الجمهوري بهزيمة في البرلمان والذهاب لجولة ثانية للانتخابات الرئاسية استقال على إثر ذلك مساعد رئيس حزب الشعب الجمهوري أنورسال أديجول، ومن حزب الجيد استقال نائب رئيس السياسات الاقتصادية أوزجان كادي أوغلو، كما طالب النائب عن حزب الشعب الجمهوري في البرلمان محمد سيفجين رئيس حزبه كليجدار أوغلو بتقديم استقالته مستصرخا المؤسسين القدامى للحزب لماذا لا تنتفضون؟

بعض الأصوات الأخرى تحدثت حول الأسباب الرئيسية لهزيمة التحالف المعارض، منها ما ذكره الصحفي التركي المعارض أرسن شن على قناة سوزجو المعارضة والتابعة لحزب الشعب الجمهوري أن الحزب لم يستطع أن يأخذ صوتا واحدا من القوميين الأتراك، ثم قال: لا تذهبوا بعيدا فأنا شخصيا لم أقم بالتصويت للحزب.

وفى ذات السياق تداولت مصادر مقربة من حزب الشعب الجمهوري أن كليجدار أوغلو بدأ يتحرك لضمان أصوات القوميين عبر إرسال محامى إلى السياسي الكردي صلاح الدين ديمرتاش يطلب منه التوقف عن الجهر بدعمه وعمل دعايه له في انتخابات الجولة الثانية لأن ذلك يُنفر منه القوميين ويمتنعون عن التصويت له، ولم يتوقف الأمر هنا حتى أرسل كيجدار أوغلو إلى محرم إنجه يدعوه لدعمه مقابل وزارة التعليم إن فاز بالرئاسة في محاولات يائسة للبحث عن طوق نجاة أخير للفوز بالرئاسة.

سنان صانع الملوك

يحاول البعض تقديم المرشح الثالث سنان أوغان على أنه صانع ملوك ويولى أهمية كبيرة لدعمه أى من المرشحين في جولة الإعادة لحسم النتيجة لصالحه، لكن الحقيقة أن جزء كبير من الأصوات التى حصل عليها أوغان ليست تراكمية بل كانت وليدة ظرف طارئ وجاءت عطفا على خلافات سياسية بين محرم إنجه وكليجدار أوغلو، حتى أنه صرح  بعد اعلان النتيجة بقوله: "إن النسبة التى حصلنا عليها كانت فوق المأمول" فكان صندوقه بالنسبة لمؤيدي محرم انجه صندوق المضطر، فجزء كبير من أصواته كانت نكاية أو انتقام أو رغبة في التغيير بغض النظر عن أهلية الرجل أو كفاءته، لذلك يحاول سنان تقديم نفسه على أنه صاحب الفضل في الذهاب بالانتخابات الرئاسية إلى جولة ثانية، فبدأ بعرض شروطه لدعم أى من المرشحين في جولة الإعادة، لكن هذا لا يُعد كونه مجرد تسويق السياسي لأوغان وإن حدث وكان له تأثير في جولة الإعادة فسوف يصب في صالح أردوغان فمن ضمن شروط أوغان أن تتوقف الأحزاب التى تدعم الإرهاب وهذا غير متوفر عند كليجدار أوغلو كونه متحالف مع عدو القوميين الأول حزب الشعوب الديمقراطي عكس أردوغان وتحالفه، وإن تخلى كليجدار أوغلو عن هذا التحالف ستكون خسارته مضاعفة، فهو خاسر على أى جانب يَميل.