علاء عوض يكتب: «عبقرية المصري» تكسر هيبة إسرائيل.. نتنياهو أصبح في خطر

ذات مصر

ملابسات حادث قتل جندي مصري 3 جنود إسرائيليين تكشف عن تخطيط عالي المستوي ودراسة مسرح العمليات من قبل الجندي المصري، وحركة الجنود الإسرائيليين بشكل دقيق، ما جعله يحقق نتائج فائقة أزعجت الشعب الإسرائيلي بشدة.

ستنعكس تداعيات هذا الحادث بالسلب على مستقبل حكومة نتنياهو اليمنية المتطرفة التي ظهرت عجزة أمام جمهورها على تأمين حدوده، وحدوث فقدان ثقة تام بين أنصار تلك الحكومة فكيف الحال لدى خصوم نتنياهو؟

الجندي المصري قطع مسافة 5 كيلومترات داخل الأرضي الإسرائيلية رغم كل وسائل المراقبة التكنولوجية، وصعد منحدرًا ووصل إلى السياج حاملًا حقيبة بها الكثير من المعدات على ظهره، 6 خراطيش وسكاكين كوماندوز. باستخدام إحدى السكاكين التي بحوزته، فتح ممرًا في السياج واقترب من موقع الجنود دون أن يتعرفوا عليه

وعلي الرغم من ورود أنباء عن سماع أصوات طلقات نارية، فإن الجيش الإسرائيلي لساعات لم يدرك أن ذلك هجوم مسلح يتعرض له جنوده نتج عنه وفاة قوة تأمين ذلك الموقع، ثم تحصن الجندي المصري في انتظار قوة الإنقاذ الإسرائيلية، وبالفعل نجح في النيل منها وأوقع القتيل الثالث.

الحادث يؤكد أن الجندي المصري درس جيدًا نقاط ضعف جوانب التأمين والثغرات لدى الجيش الإسرائيلي، وسخر ظروف المكان في خداع مخابرات وقوات استطلاع الجيش الإسرائيلي، كونه ممرًا معتاد لعبور تجارة المخدرات، ويشهد دائمًا سماع أصوات تبادل إطلاق الرصاص.

وهذا التسخير لبيئة مسرح العمليات يؤكد على مدي عبقرية الجندي المصري الفذة في التخطيط، وأنه درس كل شيء، ولم يترك شيئًا للصدفة حتى نهايته هو شخصيًا. فرغم سماع أكثر من نقطة مراقبة إسرائيلية صوت تبادل إطلاق النيران، فإن جمعيها اختار الحياد ولم يفكر في تقديم مساعدة لنقطة المراقبة التي تتعرض للهجوم من قبل جندي مصري.

كون سماع صوت طلقات الرصاص عملًا معتادًا في تلك البقعة، فهذا يفسر سبب الاكتشاف المتأخر لمقتل جنود الجيش الإسرائيلي، وهنا أيضًا كانت كارثة جديدة في انتظارهم: مهاجمة الجندي المصري ومن نفس الموقع لقوة الإنقاذ الإسرائيلية واصطياد قتيل ثالث وإصابة جندي آخر، رغم الدعم الجوي والاستنفار المخابراتي وعمل أجهزة الرصد والاستشعار عن بعد وكاميرات المراقبة، وهي وسائل لطالما تفاخرت بها إسرائيل وقامت ببناء نظرية أمنها عليها.

هذا الحادث يعني فشلًا كاملًا في وسائل الجيش الإسرائيلي، وهذا الفشل سيجبره على إعادة حساباته تجاه مصر وسيعيد النظر في أماكن تمركزه ووسائل حماية جنوده.

لذلك فالبعد الآخر الاستراتيجي في هذا الاختراق، هو تقويض أسس العقيدة الحمائية للقوات الإسرائيلية. فالاعتقاد بأن تل أبيب القوة الوحيدة العسكرية في الشرق الأوسط التي توظف التكنولوجية في إطار معادلة القوة، بما يجعلها قوة لا مثيل لها في الشرق الأوسط يمكنها أن تفجر أماكن حيوية داخل إيران رغم بعد المسافة، بشكل يجعل طهران في حيرة من أمر كيف وصلت إسرائيل بسهولة واغتالت وفجرت في العمق الإيراني.

هذا الجندي المصري جعلها عاجزة عن حماية جنودها على أرضها. إنه هدم وهزم الأسطورة بشكل تام، فالموانع الطبيعية والصناعية والتكنولوجية على مسرح العمليات الذي حدده لتنفيذ هدفه سخرها وتغلب عليها بكل سهولة، وقضى على نظرية الأمن الإسرائيلية الخاصة بسيناء؛ بل وأصبح رمزًا ملهمًا ونقطة تحول للشعوب العربية التي تنشد سيرته الآن على وسائل التواصل، وتحكيها وتخلده كبطل، وفي ذلك هدم آخر لفلسفة التطبيع وتعثر كامل لقطارها الذي طالما فكر فيه نتنياهو كأحد وسائل الاندماج والسيطرة على الشعوب العربية.

أما البعد الأخطر في هذا الحادث فهو توظيفه من جانب المعارضة الإسرائيلية فهو جاء في وقت يشهد فيه تماسك المجتمع الإسرائيلي حالة ضعف، وتعاني فيه حكومة نتنياهو أزمات داخلية من صناعتها بإصرارها على تعديلات تشريعية تساعد نتنياهو على الهروب من محاكمته بتهم فساد. وأدى ذلك لانقسام الشعب هناك على مدار الأشهر الماضية، فالآلاف من الإسرائيليين يتظاهرون بشكل دائم حتى اليوم ضد مشروع نتنياهو لإصلاح القضاء.

وانعكس ذلك بالسلب على الاقتصاد الإسرائيلي الذي خفض تصنيفه الائتماني من قبل مؤسسة «موديز» بسبب الطريقة التي حاول بها نتنياهو تنفيذ إصلاح واسع النطاق في القضاء، دون السعي إلى إجماع واسع، مما يؤشر إلى إضعاف القوة المؤسسية لدولة إسرائيل، وترتب على ذلك تراجع القدرة على التنبؤ بالسياسات المستقبلية لدولة إسرائيل، بما يعني أنها في طريقها للمجهول.

وأدى هذا التصنيف لهروب رؤوس الأموال من إسرائيل ومغادرة كثير من الشركات وتراجع العملة الإسرائيلية وارتفاع التضخم وتعثر النمو الاقتصادي.

وكان نتنياهو يعتمد في مواجهة كل تلك الآثار السلبية التي صنعها كي يستمر في المشهد على معادلة توفير الأمن لإسرائيل وأنه العنصر الوحيد القادر على تفعيل تلك المعادلة.

ولكن الآن وبعد حادث الجندي المصري من المؤكد أن المعارضة الإسرائيلية ستستخدم هذا الحادث كسلاح مؤثر في الخلاص من نتنياهو، فبينما هو مشغول بمشروعه الهادم للقضاء الإسرائيلي للهروب من المحاكمة بتهم الفساد، وأدخل البلاد بسبب ذلك في منعطف خطير وأزمة اقتصادية، فانعكس ذلك بهدم آخر لقوة إسرائيل العسكرية ونظريتها الأمنية وفاعلية الردع الفسيولوجي لخصومها.

كل ذلك هدم وذهب مع الريح عبر قيام جندي مصري باختراق كل وسائل إسرائيل الدفاعية وتنفيذ مهمته بكل سهولة وهذا يعكس ويرصد تقب كبير في فلسفة إسرائيل الأمنية التي انهارت في عهد نتنياهو وأفقدته ثقة جماهيره ودعم سخرية خصومه منه، ولسان حالهم: إذا فوجئت يا بيبي نتنياهو بما حدث على الحدود المصرية، فانتظر الحدود الأردنية.

نعم جندي مصري واحد هدم نظرية الأمن الإسرائيلي في ظل حكومة يمينية كاملة متطرفة، وتسوق نفسها بأنها أفضل من يحمي الإسرائيليين وحدودهم، لذلك لن تقف تداعيات ذلك الحادث على المستوى العسكري الإسرائيلي، وستصل إلى نتنياهو وتلقي به خارج السلطة.

والسؤال الآن: من هو رئيس وزراء إسرائيل القادم؟