مع استمرار الحرب بين الجيش وميلشيا

السودان على حافة الهاوية.. خسائر بمليارات الدولارات ونزوح مئات الآلاف في شهرين

ذات مصر

دخلت السودان نفقًا مظلمًا مع اندلاع حرب قبل نحو شهرين من الآن، وتحديدًا في 15 أبريل الماضي، بين الجيش السوداني، بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي»، أثرت على كل مناحي الحياة ودفعت مئات الآلاف إلى النزوح أما داخل البلاد أو خارجها.

السودانيون يعيشون حياة صعبة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها خلال فترة حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، بفعل العقوبات الدولية التي طالتها، ومع الثورة الشعبية في 2018 توقع الشعب الخلاص، لكن في عام 2022 جاءت الحرب لتقضي على آمالهم.

مئات الآلاف يهربون من الحرب

وفقا للمتحدث باسم منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، بول ديلون، هناك الآن أكثر من 700 ألف شخص نزحوا داخليا من القتال الذي بدأ في 15 إبريل، فضلًا عن نزوح 3,7 مليون شخص مسجلين كنازحين داخليا في السودان قبل الحرب.

وأضاف المتحدث باسم منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة: «يصعب جدا الآن عليهم الحصول على المال. أجهزة الصراف الآلي معطلة والنظام المصرفي متوقف عن العمل. يصعب الحصول على الوقود أيضا وتكلفته باهظة».

وتوقعت الأمم المتحدة أن يصل عدد النازحين في السودان لمليون شخص قبل نهاية العام الجاري، كما قدرت حجم المساعدات الإنسانية التي يحتاجها هذا البلد بأكثر من ثلاثة مليارات دولار، في وقت يشتد فيه القتال منذ منتصف أبريل.

أعداد القتلى في تزايد

وحسب منظمة الصحة العالمية، أسفرت الحرب عن مقتل 604 أشخاص على الأقل منذ بداية الاشتباكات، وقال متحدث المنظمة الأممية، طارق ياساريفيتش، في مؤتمر صحفي، إن «604 أشخاص لقوا حتفهم، وأصيب 5127 آخرون منذ بدء الاشتباكات في السودان».

وأشار متحدث المنظمة الأممية إلى أن أغلب النازحين فروا من العاصمة الخرطوم بعد اشتداد الحرب بين طرفي النزاع، وتردي الخدمات العامة، خاصة في ظل انقطاع متواصل للكهرباء والمياه بعدد من الأحياء، إضافة إلى يأس الكثيرين من حسم المعركة في القريب العاجل.

وسبق أن أعلنت لجان مقاومة مدني في ولاية الجزيرة وسط السودان أنه منذ اندلاع الحرب العبثية في 15 أبريل زهقت أرواح المدنيين وشرد المواطنون العزل من منازلهم هرباً من الرصاص والقصف العشوائي من فوهات المدافع والطائرات العسكرية. 

ومع اشتداد القتال في العاصمة الخرطوم، تفاقمت الأوضاع الإنسانية والمعيشية كما تزايدت عمليات النهب والسلب التي استهدفت الأسواق والبنوك والمحلات التجارية وسط مخاوف من المواطنين من أن تنقل العصابات المسلحة وتنفذ عمليات نهب منظمة داخل الأحياء التي هجرها السكان بعد أن تحولت إلى ميدان للحرب.

أعمال التخريب مستمرة

وعمدت ميلشيا الدعم السريع التابعة لـ«حميدتي»، على شن أعمال تخريب مع اندلاع العمليات العسكرية في البلد، مستهدفة الأسواق الرئيسية في الخرطوم، والتي تعرضت للسرقة والحرق خاصة في مدينتي بحري وأم درمان.

وطالت أعمال التخريب والنهب أهم المناطق الصناعية في الخرطوم والخرطوم بحري، بالإضافة إلى مخازن المواد الغذائية، ما زاد من مخاوف حدوث ندرة في السلع خاصة بعد أن لجأ بعض التجار في الأسواق الأخرى إلى نقل بضائعهم إلى ولايات مجاورة أكثر أمناً.

تدمير البنية التحتية

بدورها حذرت وكالة موديز للتصنيف الائتماني من أن تدهور النزاع في السودان سيترك آثارا سلبية على التصنيفات الائتمانية للدول المجاورة، وعلى بنوك التنمية متعددة الأطراف التي تقرض السودان والدول المجاورة.

وأكدت الوكالة أن الصراع أدى لتدمير البنية التحتية الاجتماعية والمادية وسيكون له عواقب اقتصادية دائمة، مما يؤثر على جودة أصول البنوك الإقليمية التي تمول السودان، إلى جانب ارتفاع نسبة القروض المتعثرة، وتأثر معدلات السيولة في بنوك البلاد.

خسائر اقتصادية

قدر أبوبكر الديب الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، حجم الخسائر التي تكبدها الاقتصاد السوداني جراء الاشتباكات بين الجيش وميلشيا الدعم السريع بما لا يقل عن 15 مليار دولار.

وأوضح أبوبكر الديب، في تدوينات عبر حسابه بـ«تويتر»، أن السودان ينزف والصراع يقترب من اللاعودة والوضع الإنساني يزداد قسوة مع استمرار الحرب بين طرفي النزاع في البلاد، وأن الأمم المتحدة والمنظمات المانحة تكافح لإيصال الإمدادات الغذائية للمتضررين وما أكثرهم.

وقال أبوبكر الديب إن الشركات والمصانع والمصارف وسلاسل الإمداد في العاصمة السودانية وغيرها تتعرض لعمليات نهب وتدمير واسعة وتضررت مصانع عملاقة لهم، استغرق تأسيسها عشرات السنين وصرفت عليها أموال ضخمة للغاية.

وذكر الخبير الاقتصادي أن الاقتصاد السوداني يعاني من أزمات هيكلية خطيرة وسوء إدارة جعلته لا يستطيع إنتاج المواد الأساسية، وأن أكثر من 30% من المصانع السودانية خارج الخدمة ونسبة الفقر تتجاوز 80%.

وتتفاقم المشكلة بشكل أكبر في ظل الارتفاع المتواصل في معدلات البطالة والتضخم وانهيار العملة وتآكل الأجور وانعدام الخدمات بسبب الصراعات المسلحة والفساد وسوء إدارة الموارد وإهمال الإنتاج. 

 ووفق تقديرات البنك الدولي، يعتبر السودان واحدا من أفقر دول العالم، رغم كونه ثالث أكبر منتج للذهب في إفريقيا، لكن إنتاجه من المعدن الأصفر يعتمد على قطاع التعدين الأهلي بنحو 80% وهذا القطاع غالبا ما يهرب أكثر من 70% من إنتاجه وفي هذه الدولة التي يتجاوز عدد سكانها 45 مليون نسمة حذرت وكالات الإغاثة من ارتفاع مستويات الجوع، حيث عانى أكثر من ثلث السكان من انعدام الأمن الغذائي بشكل حاد العام الماضي .