تكتيك جديد لـ"داعش موزمبيق": "جذب القلوب".. بوابة لخلافة إفريقية

  إن تمركز تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في شمال موزمبيق يعزز المخاوف الدولية والإقليمية أن تصبح المنطقة مركزًا إقليميًّا للإرهاب، ومنصة للتمدد إلى مناطق أخرى بالقارة وتعزيز صلاته مع فروع أخرى في شرق ووسط وجنوب وغرب إفريقيا، ما ينذر بحدوث موجة ثانية لداعش في القارة السمراء بعدما أضحى مصدر تهديد لتنزانيا، خاصة في ظل نشاطه في منطقة "نانجادي" الحدودية، وهذا يعني خلق شبكة من العلاقات الواسعة تربط داعش بعدد من التنظيمات مثل حركة شباب المجاهدين في الصومال، وقوات الحلفاء الديمقراطية في الكونجو الديمقراطية، الأمر الذي يجعل المنطقة خارج نطاق السيطرة لتُمثل تهديدًا إقليميًّا وقاريًّا.

ملامح المشهد الراهن

تتصاعد هجمات داعش منذ بدء نشاطه في شمال شرق موزمبيق في أواخر 2017 والإعلان عن نفسه رسميًّا في 2018، حيث تشير التقديرات إلى ارتفاع الهجمات الإرهابية خلال الشهور الأربعة الأولى من عام 2020 في منطقة كابو ديلجادو بنسبة 300% مقارنة بنفس الفترة من عام 2019. ويتمثل التهديد الرئيس للتنظيم في تقويض أركان السلطة القائمة في البلاد، وإقامة حكومة متطرفة في الإقليم بحيث يطل على المحيط الهندي ليكون قريبًا من خطوط الملاحة الدولية في المنطقة، والاستئثار بعوائد الثروات النفطية المكتشفة حديثًا في البلاد التي تتطلع لتكون إحدى البلدان الرئيسة في تصدير الغاز الطبيعي عالميًّا، ما يثير تهديدًا للاستقرار والأمن الداخلي، والتخوف من تمدد نشاطات الإرهاب إلى دول الجوار، في الوقت الذي تشهد فيه إفريقيا نشاطًا متناميًا لتنظيم داعش في عدد من المناطق، خصوصًا في غرب االقارة ومنطقة الساحل والصحراء. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] عناصر داعش في موزمبيق[/caption] ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، ينشط نحو 2000 مقاتل من جمهورية الكونجو الديمقراطية وموزمبيق وبلدان أخرى في شرق إفريقيا ضمن تنظيم داعش، وهو ما يُنذر بتمرد جهادي أوسع، نظرًا إلى قدرة التنظيم على جذب مقاتلين من منطقة شرق إفريقيا. بمعنى آخر، تزداد احتمالية أن يكون شمال موزمبيق مرتكزًا لتنظيم داعش وقاعدة عمليات في جنوب شرق إفريقيا تنطلق من خلالها هجمات تنظيم داعش إلى مناطق مختلفة في شرق القارة ووسطها وجنوبها، خاصة في ظل العلاقة التي تربط عناصر التنظيم في موزمبيق مع جمهورية الكونجو الديمقراطية، وهو ما كشفه مقطع فيديو على شبكة الإنترنت يفيد بأن العمليات الإرهابية في موزمبيق تخضع لقيادة وخطط من كينشاسا. يأتي ذلك في إطار تحذير وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) من سيطرة داعش على مساحات شاسعة من إفريقيا على غرار ما حدث في سوريا والعراق، وهو ما يستبعد فكرة الهزيمة لداعش في المدى القريب. فهناك منحى تصاعدي للهجمات والخسائر التي تُحدِثها هجمات التنظيم في أنحاء إفريقيا كافة، وتعتبر منطقة غرب إفريقيا والصحراء الكبرى من أكثر المناطق تضررًا، حيث تزداد العمليات الإرهابية التي يتورط فيها التنظيم في دول نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد ومالي وبوركينا فاسو، بواقع 186 هجومًا في عام 2019 في منطقة بحيرة تشاد وشمال نيجيريا. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] عناصر أمن في موزمبيق[/caption] وعلى الصعيد العملياتي، وسّع تنظيم داعش من رقعته الجغرافية في شمال موزمبيق بفرض سيطرته على جزيرتي ميكونجو وفاميزي الواقعتين قبالة منطقة كابو ديلجادو في سبتمبر/ أيلول 2020، قبل أن يسيطر على مدينة "موسيمبوا دا بريا" الساحلية ومينائها الإستراتيجي في أغسطس/ آب 2020، ولم يستطع الجيش الموزمبيقي استعادة السيطرة عليها. وأعلن رئيس الشرطة الموزمبيقية برناندينو رافائيل أنه خلال الفترة من 26 إلى 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 قتلت قوات الأمن نحو 89 إرهابيًّا من عناصر تنظيم داعش، وارتفع هذا العدد إلى 108 في 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي خلال عمليات نُفذت في منطقة كابو ديلجادو ضد أحد معاقل التنظيم، ودُمرت 6 معسكرات وعدد من المعدات العسكرية، في حين هاجم عناصر داعشية قوات الجيش الموزمبيقي في بلدة مويدومبي في 31 أكتوبر/ تشرين الأول، وسيطروا عليها وسرقوا أسلحة وذخائر بعد مقتل بعض الجنود وأسر آخرين. وفي مؤشر إلى توسعة داعش دائرة هجماته إلى بعض دول الجوار، فقد هاجم مقاتلو داعش في نفس التوقيت 3 قرى في منطقة Mtwara في Kitaya في جنوب شرق تنزانيا بالقرب من الحدود مع موزمبيق، وهو الهجوم الثاني في أسبوعين بعد الهجوم الذي وقع في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 بواسطة 300 داعشي، ما يمثل امتدادًا لداعش داخل الأراضي التنزانية. وتعرّضت منطقة بيني في شمال شرق الكونجو الديمقراطية على بعد 7 كيلومترات غرب الحدود مع أوغندا في 28 أكتوبر/ تشرين الأول لهجوم داعشي أسفر عن مقتل 19 شخصًا، وإضرام النار في 45 منزلاً، بعد هجوم عناصر التنظيم على أحد السجون، كانجبايي، واستطاع إطلاق سراح 1000 سجين. وفي الصومال هاجم التنظيم في نفس اليوم حاجزًا للجيش الصومالي على بعد 20 كيلومترًا شمال غرب مقديشو، والذي أسفر عن مقتل جندي صومالي وجرح اثنين آخرين. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] دوافع تمدد تنظيم داعش في المنطقة[/caption] تبرز أهم دوافع انتشار تنظيم داعش في مناطق إستراتيجية أخرى في القارة في: - بناء علاقات مع التنظيمات الأخرى: فمن المحتمل وجود علاقة بين حركة الشباب المجاهدين في الصومال وتنظيم داعش في موزمبيق رغم الخلاف الأيديولوجي بينهما، خاصة في ضوء العلاقات التي جمعت بعض قيادات الحركة مع "تنظيم أهل السنة والجماعة" في موزمبيق، حيث ترجع تسمية "حركة الشباب" لفرع تنظيم داعش في وسط إفريقيا إلى تدريب قادة حركة الشباب الصومالية لمقاتلي التنظيم في بداية تأسيسه، كما يرتبط فرع تنظيم داعش في شمال موزمبيق بنظيره المتمركز في شرق الكونجو الديمقراطية. - تطور التكتيكات: طوّر التنظيم من تكتيكاته خلال العام الجاري عما كان عليه في 2017 و2019 من خلال انتهاج سياسة قائمة على جذب القلوب والعقول لتجنيد المزيد من الموالين له، وكسب دعم سكان المناطق التي يسيطر عليها ضد السلطات الحكومية، ومستغلاً الحالة الاقتصادية والاجتماعية المتردية لهم. - زيادة التمويل: تشير تقارير استخباراتية إلى اعتماد التنظيم في تمويله على تجارة العاج والجريمة المنظمة مثل تهريب البضائع وتجارة المخدرات، والتي تعكسه تزايد عدد الهجمات التي تورط فيها خلال الفترة الماضية، كما يستفيد من بعض الممرات بين دول المنطقة مثل جنوب إفريقيا لترويج التجارة غير الشرعية مثل تهريب المخدرات. - عدم الحسم العسكري: ففي ضوء دفع السلطات الموزمبيقية بوحدات دفاعية من قوات الجيش، والاستعانة ببعض الشركات الأمنية الخاصة مثل مجموعة فاجنر الروسية وشركة Dyck Advisory Group الجنوب إفريقية لمواجهة الإرهاب في شمال البلاد، فإنها لم تستطع حتى الآن النجاح في القضاء على التمرد وتنظيم داعش. - توفر البيئة الملائمة: السياق الأمني الهش يتيح الفرصة للتخطيط لهجمات إرهابية للتنظيم وخلق خلايا وبؤر تابعة له، كما تلعب السيولة الحدودية بين دول المنطقة دورًا في تسهيل اختراق عناصر داعش إليها، كما أن وجود بعض المجتمعات المتشددة يوفر بيئة خصبة لنشر أفكار تنظيم داعش مثل جنوب إفريقيا، فضلاً عن عمليات التهميش السياسي والاقتصادي لبعض المناطق مثل شمال موزمبيق، ما يؤدي إلى ظهور المجموعات المتمردة وصولاً إلى توظيف داعش لذلك وتغلغله في البلاد. - استغلال العائدين من سوريا: تفتح عودة المقاتلين الأفارقة من سوريا والعراق إلى بلدانهم مرة أخرى الطريق أمام تجنيدهم مجددًا وخلق خلايا نائمة يمكن لداعش الاعتماد عليها في عمليات نوعية داخل البلدان الإفريقية، فعلى سبيل المثال هناك ما يتراوح بين 60 و100 عنصر من جنوب إفريقيا عادوا من صفوف تنظيم داعش في سوريا إلى بلادهم في عام 2016. - الاستجابة الدولية والإقليمية البطيئة: رغم القلق الإقليمي بشأن نشاط داعش في موزمبيق، فإنه لم يُترجم إلى تدخل رسمي للقضاء على تهديداته، فهناك استجابة بطيئة من دول الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي (السادك) في تقديم الدعم لموزمبيق ومحاربة الإرهاب، ولأن تنزانيا كانت الدولة الوحيدة التي سارعت بإرسال قوات لها إلى الحدود مع موزمبيق، فلعلذ ذلك كان إجراء احترازيًّا من أجل الحد من عمليات العناصر الإرهابية، وانتشار نشاطهم في تنزانيا ودول أخرى. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] خريطة موزمبيق[/caption]

تحديات انتشار تنظيم داعش إقليميًّا

توجد تحديات عدة تقف عائقًا أمام تمدد تنظيم داعش في المنطقة، وتعزز من احتواء تهديداته في العديد من الدول الإفريقية. ويتمثل أبرزها في: - ضغط الشركات النفطية العابرة للحدود على التدخل الدولي: في ظل التخوف من تراجع الاستثمارات الأجنبية خاصة النفطية في المنطقة خوفًا من نشاط التنظيمات الإرهابية، فهناك عدد من الشركات النفطية العاملة في الاستكشافات النفطية في شمال موزمبيق مثل شركات إكسون موبيل الأمريكية وإيني الإيطالية وتوتال الفرنسية التي تتجاوز استثماراتها نحو 60 مليار دولار في مشروع الغاز المسال الطبيعي، وقد أعلنت الشركة الفرنسية عن إستراتيجية أمنية مشتركة مع حكومة موزمبيق، كما دعا رئيسها التنفيذي لمزيد من المشاركة الأوروبية في مواجهة الإرهاب في موزمبيق. - الصراع مع تنظيمات إرهابية أخرى: قد تفضي مساعي تنظيم داعش للتمدد الإقليمي في إفريقيا إلى نزاعات وصراعات مع تنظيم القاعدة، في مقدمتها الصراع على الثروة وكسب الولاء واتساع رقعة السيطرة الجغرافية، ففي الوقت الذي يسعى فيه تنظيم داعش لتقويض نشاط تنظيم القاعدة في إفريقيا كأحد أهدافه الرئيسة، يرغب تنظيم القاعدة في الحفاظ على نفوذه في إفريقيا وتحجيم تمدد داعش، ما قد يشكل عقبة أمام تحركات داعش نحو مناطق جديدة في القارة. - الآثار الاقتصادية السلبية لبلدان المنطقة: تشترك موزمبيق في حدود مع دول جنوب إفريقيا وتنزانيا وملاوي وزامبيا وزيمبابوي وسواتيني، وهناك 4 بلدان غير ساحلية تعتمد بدرجة كبيرة على موزمبيق كمنفذ لصادراتها ووارداتها من الأسواق الخارجية، ومن ثَمَّ، قد تكون دافعًا لتلك الدول نحو التعاون للتصدي لتنظيم داعش في المنطقة. - الدعم الدولي والإقليمي: من خلال الاستجابة لنداء رئيس موزمبيق فيليب نيوسي منذ مايو/ أيار 2020 لمواجهة الإرهاب في شمال البلاد، برفع مستويات التنسيق الأمني والاستخباراتي والتعاون مع حكومة موزمبيق وتقديم سبل الدعم المالي واللوجيستي لتعزيز قدراتها العسكرية لتوجيه ضرباتها ضد تنظيم داعش، الأمر الذي قد يعرقل من طموحات الأخير في التوسع الإقليمي والقاري. - التحرك العسكري الإقليمي ضد تنظيم داعش: وهو ما يتطلب توافقًا إقليميًّا ودوليًّا للتحرك عسكريًّا ضد داعش، على غرار ما فعلت زيمبابوي، التي أرسلت بعض القوات الخاصة إلى موزمبيق لتدريب القوات الأمنية على مكافحة الإرهاب، وتنزانيا التي عززت من وجودها العسكري على الحدود الجنوبية لصد هجمات التنظيم. فضلاً عن توصية مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية (السادك) في مايو/ أيار 2020 للدول الأعضاء بتقديم المساعدة العسكرية لموزمبيق. - تهديد المصالح الغربية في المنطقة: يشكل توطن تنظيم داعش على سواحل موزمبيق مصدر تهديد للمصالح الفرنسية في المنطقة، خاصة في ظل تمركز القاعدة البحرية الفرنسية في جزيرة مايوت قبالة سواحل موزمبيق، فضلاً عن تخوف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية من انتشار الإرهاب في القارة الإفريقية بما يهدد مصالحها الإستراتيجية، واحتمالات تصدير العناصر الإرهابية والهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط. وهو ما قد يدفع القوى الدولية للتدخل العسكري ضد تنظيم داعش في موزمبيق للحد من خطورته.

مستقبل تنظيم داعش في إفريقيا

تشير معطيات الوضع الراهن وبطء التحركات الإقليمية والدولية ضد تنظيم داعش في شمال موزمبيق، وتصاعد نشاط أفرع التنظيم في عدد من دول المنطقة، مثل الكونجو الديمقراطية والصومال وغرب إفريقيا، إلى احتمال تمدد التنظيم إلى دول جديدة في المنطقة في ضوء توافر البيئة الخصبة لاحتوائه وخلق موطئ قدم له لتعزيز نفوذه، وتوجيه المزيد من الهجمات الإرهابية للدول الإفريقية والمصالح الغربية، واتساع رقعة سيطرته الجغرافية في إفريقيا.