"خريف التطبيع السوداني".. "حماس" تمتص الصدمة بـ"صمت استراتيجي"

  في 23 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلنت حكومتا السودان وإسرائيل التوصل لاتفاق بشأن تطبيع العلاقات الدبلوماسية ينص على بدء علاقات وتعاون مباشر بينهما، وبعد نحو أسبوع واحد أعلنت الأولى تجميد أنشطة حركة حماس الفلسطينية على أرضها. مثّل قرار التجميد والحظر الذي أصدرته لجنة إزالة التمكين التابعة للحكومة السودانية، ضربة قوية للحركة الفلسطينية التي اتخذت السودان كقاعدة دعم عسكري ولوجيستي على مدار السنوات الماضية، وقد عللته اللجنة بأنه يأتي ضمن إطار مساعيها لتفكيك بقايا نظام الكيزان، الذي قاده الرئيس السابق عمر البشير، لمدة 30 سنة. القرار الأخير، الذي أعقب اتفاقية تطبيع العلاقات مع إسرائيل مباشرة، تسبب في إثارة حالة من الجدل على المستويين المحلي والإقليمي، بعدما روجت وسائل إعلامية محلية أنه مجرد خطوة في اتجاه الحظر الكامل لنشاط حماس على الأراضي السودانية. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] وزير الخارجية الأمريكي مع حمدوك، رئيس وزراء السودان[/caption]

شبكات حمساوية بإدارة "من تركيا"

خلال السنوات الماضية، عملت حماس على تأسيس وتعزيز شبكات داعمة لها في داخل السودان بالتعاون والتنسيق مع نظام البشير، الذي سهل لها إقامة مشروعات تجارية في البلاد، وفقًا لتصريحات مسؤول بلجنة إزالة التمكين. وعمدت الحركة الفلسطينية إلى تسجيل ممتلكاتها في البلاد بأسماء قياديين مرتبطين بها، لتلافي الدخول في مشكلات متعلقة بقوانين ملكية الأصول العقارية والمالية في السودان، وكان من أبرز هذه القيادات، ماهر سالم رباح رمضان، وبسام حسن محمد أحمد، اللذان عملا في أنشطة حماس التجارية تحت مظلة نظام البشير، قبل أن ينتقلا للإقامة في تركيا خلال السنوات الأخيرة، بحسب صحيفة "السوداني" المحلية. وصادرت لجنة إزالة التمكين السودانية العديد من الممتلكات التابعة للحركة والمملوكة صوريًّا لـ"رمضان" و"أحمد"، وشملت الأملاك المصادرة عقارات و17 شركة منها، و4 أسماء عمل مرتبطة بما يسمى "الجامعة الإفريقية المفتوحة"، التي أسسها القيادي الإخواني المقيم في تركيا حاليًّا، عبد الحي يوسف. وعيّنت الحكومة في وقت سابق، مفوضًا إداريًّا لإدارة شركة الأندلس المالكة لقناة "طيبة" وغيرها من القنوات الإعلامية المرتبطة بجماعة الإخوان وذراعها الفلسطينية، حركة حماس، والتي كانت تدار عبر منظمتي "المشكاة" و"ذي النورين"، اللتين نشطتا في إفريقيا انطلاقًا من السودان. وشملت قائمة الأملاك المصادرة 34 عقارًا وأرضًا سكنية، بها مزرعتان في القطينة (ولاية النيل الأبيض) ومروي (الولاية الشمالية) وقطعة أرض بسوبا الصناعية وأخرى بكافوري (ولاية الخرطوم) وتُقدر قيمتها بنحو نصف مليون دولار، إضافة إلى 24 عقارًا في الخرطوم، وكانت جميعها مملوكة لماهر سالم، المحسوب على حماس. كما صادرت اللجنة 12 عقارًا وقطعة أرض متفاوتة المساحة في ولايتي الخرطوم والنيل الأبيض، كانت مملوكة جميعها للقيادي بسام حسن أحمد. [caption id="" align="aligncenter" width="855"] إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس[/caption] ووصفت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية الاتفاقات والقرارات الأخيرة بأنها ضربة مؤلمة أكثر بكثير من تلك التي تلقتها حماس من السلطة الفلسطينية، مبينةً أن الحركة استخدمت السودان في العقد الماضي كمحطة عبور لتهريب الأسلحة عالية الجودة إلى قطاع غزة من دول مثل ليبيا وإيران. واعتبرت الصحيفة الإسرائيلية أن اتفاق التطبيع مع السودان يمثل أهمية خاصة لكونه ضم بلدًا طالما وُصف بأنه معادٍ للمشروع الصهيوني، وداعم لمشروع المقاومة الذي تمثل حماس أحد أوجهه.

تأثيرات تتخطى الحدود السودانية

في هذا السياق، توقع الخبير في الشؤون الاستراتيجية، عمر الرداد، أن تتخطى تأثيرات الإجراءات الجديدة ضد حماس الحدود السودانية، مؤكدًا أن أنشطة الحركة الفلسطينية في بعض الدول الإفريقية والعربية المجاورة ستتأثر، لأنها كانت تُدار عبر قواعد وشبكات حماس في الخرطوم. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] البشير مع إسماعيل هنية[/caption] وأوضح الرداد لـ"ذات مصر" أنّ المصادرة جاءت بناءً على توصيات من لجنة التمكين واسترداد الأموال التي تشكلت بعد الإطاحة بنظام البشير، مضيفًا أنها تأتي في إطار محاصرة وتصفية مؤسسات النظام السابق، والتي كانت تضم استثمارات لحركة حماس، منحها النظام السابق لشخصيات تابعة لها بطرائق ملتوية وغير قانونية من الحكومة السابقة. واعتبر الخبير في الشؤون الإستراتيجية أن حركة حماس فقدت، بعد التغيير الذي شهده السودان والتوجه للتطبيع مع إسرائيل، إحدى أهم الساحات العربية والإفريقية التي كانت تعتمد عليها لممارسة نشاطات تتجاوز الدعم اللوجيستي والاستثماري، من بينها توفير ملاذات للتدريب والدعم العسكري. وأشارت صحيفة "يديعوت أحرنوت" إلى أن حماس وإيران أقامتا خلال السنوات الماضية مستودعات لوجيستية لتخزين الأسلحة بعد وصولها إلى السودان، زاعمةً أن تلك الأسلحة نُقلت من البلاد إلى قطاع غزة عبر ممرات تهريب ممتدة بمحاذاة البحر الأحمر. [caption id="" align="aligncenter" width="838"] نساء سودانيات يتظاهرن دعمًا للقضية الفلسطينية[/caption] ورأى المحلل السياسي الفلسطيني شرحبيل الغريب، الذي يُوصف بأنه مقرب من حركة حماس، أن الإجراءات السودانية الأخيرة تعد بمثابة تحول إستراتيجي غير معتاد في التعامل مع القضية الفلسطينية، معتبرًا أن هذا التحول يهدف إلى تحييد كل من يُشكل دعمًا وسندًا للقضية الفلسطينية، سواء أكان هذا الدعم سياسيًّا أم ماليًّا أم حتى عسكريًّا. وذكر المحلل الفلسطيني لـ"ذات مصر" أن السودان شكّل قاعدة أساسية ومهمة لدعم المقاومة الفلسطينية المسلحة، وكان خط إمداد مهمًّا لتوصيل السلاح إلى قطاع غزة، واصفًا تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل بأنه غيّر المعادلة السابقة وأسس سودانًا مختلفًا تعتبر حكومته نفسها صديقة لإسرائيل بعدما كانت صديقة لفلسطين ومناصرة لقضيته العادلة، انطلاقًا من مبدأ اللاءات الثلاثة، الذي ينص على (لا صلح، ولا تفاوض، ولا اعتراف بإسرائيل). وتابع: "الإجراءات الأخيرة الرامية إلى تجميد أنشطة حماس بالسودان، جاءت بعد تطبيع السودان مع الجانب الإسرائيلي لتدلل على أن أحد شروط اتفاقية التطبيع غير المعلنة كان الوقوف في وجه المقاومة الفلسطينية وداعميها، وهو تجسيد واضح لسياسة إدارة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب التي قامت على الابتزاز السياسي، والسعي لإدخال دول مأزومة داخليًّا في معسكر إسرائيل، مقابل وعدها بتخفيف القيود عليها وتقديم دعم مادي لها"، لافتًا إلى أن المتغيرات السابقة تمثل انحدارًا سياسيًّا يهيئ المناخ لتأسيس بيئة إقليمية ودولية جديدة تؤمن بإسرائيل كدولة طبيعية في المنطقة، على حساب حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني وقضيته.

غموض في موقف حماس

ورغم الإعلان عن مصادرة ممتلكاتها، فإن حركة حماس لم تُبدِ، حتى الآن، ردًّا رسميًّا على القرارات والإجراءات السودانية الأخيرة، وامتنع عدد من قياداتها في خارج فلسطين عن الإجابة عن تساؤلات "ذات مصر" بشأن رؤيتهم لمستقبل العلاقات الحمساوية - السودانية، وتأثيرات الإجرءات الأخيرة على الحركة الفلسطينية. في حين اعتبر إبراهيم المدهون، المحلل السياسي المقرب من حماس، والذي شغل منصب مدير المركز الشبابيّ الإعلاميّ في قطاع غزة (أحد الأذرع الإعلاميّة المحسوبة على حركة حماس) أن الإجراءات الأخيرة التي قامت بها الحكومة السودانية لا تُشكل نهاية المطاف في العلاقات بين الجانبين. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] المدهون[/caption] وألمح المدهون إلى أن العلاقات بين السودان وحماس تتخطى النظام السياسي إلى الشعب والفاعلين السياسيين وغيرهم داخل المجتمع المحلي، مبينًا أن داخل الدولة السودانية جهات لا تزال تحتفظ بعلاقات جيدة مع الحركة الفلسطينية. واستبعد المدهون أن تقف موجة التطبيع الأخيرة حائلاً دون استمرار العلاقات بين الجانبين، مردفًا أن "حماس" ستحافظ على حالة الودّ والتواصل مع جميع الجهات السودانية الفاعلة بما فيها الحكومة، ولن تقف في وجه التحولات السياسية والإستراتيجية الأخيرة في السودان، بل ستحاول تقليل أضرارها عليها وستسعى لتعظيم الفوائد، عبر تبني تكتيك امتصاص الصدمة وعدم إبداء أي رد فعل غير متوقع، أو القيام بأي عمل قد يضر بحالة العلاقات السياسية والدبلوماسية القائمة بين الجانبين. وبرر المحلل السياسي المقرب من حماس، صمت الحركة بأنه "صمت إستراتيجي" مرتبط بحالة التغيير الكبير التي يمر بها السودان، وحالة الفراغ وعدم الاستقرار التي صاحبتها، مؤكدًا أن هذا دفع الحركة لتجنب التعليق على إجراءات مصادرة الملكية التي اتُخِذت مؤخرًا، حتى لا تُستغل تلك الردود في ضرب مشروع المقاومة داخل السودان الذي أدى دور الحاضنة الكبيرة لهذا المشروع، لذا فإنها تحاول إبقاء العلاقات القائمة وتعمل على تطويرها حتى لو تغيرت الرموز التي تقود المشهد السياسي السوداني. من جانبه، أشار المحلل السياسي الفلسطيني شرحبيل الغريب إلى أن مصادرة أملاك حماس في السودان لن تؤدي إلى تأثير كبير في الحركة، معتبرًا أن التعاطي مع هذه الإجرءات به مبالغة كبيرة. وتابع: "حماس، كحركة مقاومة، تعتمد على الدعم الشعبي، وتلجأ إلى عدة طرائق للتحايل على الإجراءات الهادفة إلى قطع الإمداد عنها، كما تعمل على إيجاد بدائل فاعلة لاستمرار بناء وتعزيز شبكة المقاومة المسلحة"، على حد تعبيره.