علاء عوض يكتب: البشير وبوتين وماو وهتلر.. للخلاص من الطغاة طريق واحد

ذات مصر

رغم أن كل منهما ينتمي إلى قارة مختلفة في الثقافة واللغة واللون والعرق، إلا أن كليهما وهو يرسخ وجوده السلطوي في الحكم عبث بأركان دولته، ووضعها في مهب الريح عبر الاعتماد على قاطع طريق وزعيم عصابة، لإنشاء قوة أمنية موازية يكون الولاء فيها لشخصه، وعبر تلك العصابة التي يمنحها الشرعية بغسل سجلها الإجرامي يحقق هدفه الأهم، وهو زرع الفتنة والخلاف بين الأجهزة الأمنية في نظام حكمه. 

فكل من الرئيس السوداني السابق عمر البشير والرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين، وبعد الاستمرار في الحكم مدة طويلة أصبح لديه قلق من أجهزته الأمنية النظامية، وهداه ضيق عقله إلى أنه لن يستمر في الحكم إلا إذا كانت الأجهزة الأمنية المختلفة في الدولة في حالة صراع واحتقان وقادرة على مواجهة بعضها البعض.

في السودان بدأت بعض الفصائل في غرب السودان في التمرد على البشير في بداية هذا القرن.. رد البشير بتحويل عصابة عابرة للحدود إلى مجموعة شبه عسكرية رسمية وأطلق عليها الجنجويد نفذت نيابة عنه أفعال إبادة جماعية في حق المتمردين في دارفور.. نجحت العصابة بقيادة حميدتي في تحقيق الهدف بشكل تجاوز توقع البشير نفسه فعلي الفور قرر.

الاعتماد عليها كقوي شرعية موازية للجيش، وأطلق عليها عام 2013 لقب الدعم السريع وقام بإضفاء المشروعية عليها وإضفاء الصفة العسكرية على زعيمها حمدان دقلو ومنحه اعلي الرتب العسكرية رغم انه شخص تعليمه محدود ولا يجيد إلا تنفيذ الأعمال القذرة وهذا هو المطلوب.

وأسند إليه البشير مهمة تأمينه بل وقام بتوظيفه بشكل غير رسمي كشرطي مرور ورادار يرصد له تحركات الجيش السوداني وأصبح هناك صراع بين الأجهزة الأمنية السودانية.. وظن البشير انه هكذا أصبح آمن ومحصن من أي انقلاب على نظام حكمه لدرجة أن البشير كان يطلق بشكل غير رسمي على حميدتي لقب حمايتي وسمح له بنفوذ واسع وعلاقات إقليمية.. وفي النهاية انقلب حميدتي علي البشير بالتعاون مع الجيش عندما شاهد الثورة الشعبية العارمة على نظام حكم البشير فأدرك أن صلاحية هذا النظام انتهت.

ذهب البشير إلى السجن وظل نجم حميدتي في صعود مستمر حتى اشتدت نيرانه وأصبحت تحرق السودان عبر صراع دموي مع الجيش السوداني الذي انقلب عليه بدعم بعض الدول الإقليمية.. ولاشك الآن أن البشير غاية في السعادة فهو وان كان في السجن فلا سودان بعده ولا استقرار بفعل خطته الماكرة.. إن ما حدث في السودان هو ما كاد يحدث في روسيا نهاية الشهر الماضي فشريانه في تنفيذ العمليات القذرة في سوريا وأفريقيا وأوكرانيا 

زعيم عصابة فاجنر يفغيني بريغوجين لص بوتين في طريقه هو وعصابته إلى موسكو لخلع بوتين.. ساعات عصيبة تمر على من كان يظن انه قيصر روسيا على مدار سنوات حكمه الممتدة من بداية هذا القرن وحتى الآن ولم يخطر على باله أن اللص يفغيني بريغوجين الذي احتواه بعد خروجه من السجن وأطلق من أجله سراح عشرات الآلاف من المجرمين ليشكل بهم جيش موازي للجيش الروسي يعلن على الهواء أمام العالم كله موت بوتين السياسي وانه من قام بتوقيع مذكرة موته يوم أنشئ فاجنر ذلك الوحش الذي وكاد أن يلتهمه. 

ولولا تدخل أقدم ديكتاتور في أوروبا رئيس روسيا البيضاء عبر سياسة التحكم في الضرر لكانت روسيا اليوم في حالة حرب أهلية تماما كما يحدث في السودان الآن خاصة انه اكتشف أن تحركات قائد فاجنر كانت مدعومة من بعض كبار جنرالات الجيش الروسي.. فالفشل يصنع التمرد وجنرالاته في ساحة المعركة الأوكرانية تنفسوا آخر ما لديهم على مسرح العمليات ولم يعد لديهم الموارد اللازمة لممارسة مزيد من الضغط علي الجيش الأوكراني فكان القرار التحرك إلى الجانب الأضعف الذي أدخلهم بغبائه في المستنقع الأوكراني.

تعرض بوتين للإذلال بشكل كامل واجبر على ابتلاعه فهو كحاكم مستبد الأهم عنده البقاء في الحكم ويمكن له شراء وقت البقاء باي ثمن حتى لو كان الثمن كرامته.

وفي الوقت المناسب ينتقم من أعدائه ولاشك الآن انه يعرف الكثير منهم.. هنا ينجو بوتين من سيناريو السودان المحترق والبشير المسجون لبعض الوقت ولاشك انه يفكر في طريقة جديدة أخرى تجعله في أمان من الانقلابات القادمة ضد حكمه.

 يمكن بسهولة قراءة ما يدور في عقل بوتين من خلال استحضار سيرة أستاذه في الاستبداد الرئيس الصيني ماو تسي تونغ عبر العمل علي صياغة نظام شخصي جديد في روسيا يعمل أضعف الفاعلين السياسيين بموسكو وربط مصائرهم بمصيره ويستخدمهم في التخلص من خصومه.. انه نفس ما فعله ماو في الصين بعد إخفاق نظريته السياسية والاقتصادية في حكم الصين وتسبب في مجاعة حصدت الملايين من شعبه.

شعر ماو بحجم الاحتقان ضده ومدي خطورته ففكر في حيلة ماكرة يشتري بها الوقت ليبقي في الحكم بما يسمح له باستعادة قوته والتخلص من خصومه ولكن كيف يجعل هؤلاء الخصوم يظهرون على السطح؟ 

أطلق ماو مبادرة 100 زهرة والتي وطلب ماو من الناس أن يخرجوا ويخبروه كيف ينبغي أن يحكم الصين الفترة القادمة.. يستغل المثقفون والليبراليون الفرصة لإخباره بما يعتقدون حقًا في هذا الأمر وشجعهم الحزب الشيوعي على القيام بذلك 

رصد ماو أكثر من مائة ألف شخص قاموا بالاستجابة له وقدموا مقترحًا لتحسين وإصلاح نظام الحكم في الصين.. وبالفعل تجاوب معهم الزعيم الصيني بقتل الكثير منهم وسجنهم واضطهادهم وبتلك الحيلة الماكرة تخلص من كارهيه والتهمة مفكرين خطر على أمن الدولة الصينية.

تسببت سياسات ماو وعمليات التطهير السياسية التي قام بها من عام 1949 إلى عام 1976 في مقتل ما لا يقل عن 50 مليون صيني.

في الواقع هذا هو العنصر المشترك بين البشير وبوتين رغم الاختلاف القاري والثقافي والعرقي واللغوي بينهما انه نفس العنصر الذي يربطهم بالديكتاتور الصيني وماو تسي تونغ عنصر الاستبداد وشهوة البقاء في الحكم إلى الأبد حتى لو كانت النهاية كالعادة مأساوية حسبما أخرجها التاريخ في باب واسع المجال تحمل حروفه العظات والعبر 

فهوس الحكم مدي الحياة والقداسة التي تضع الزعيم فوق مرتبة البشر حيلة ماكرة لجأ إليها طغاة كثيرا ظنا منهم قدرتهم على استغفال شعوبهم عبر فرض قواعد جديد في الاجتماع والسياسة والاقتصاد تيسر له ترويض شعبه بغطاء إعلامي مقتول الضمير يحول الظلم إلى أزهار والمعتقلات والسجون إلى بساتين يسوق الطاغية نفسه انه مفكر عصره الأوحد وانه هبة الاله لهذا الشعب البائس لينتشله من الضياع إلى عالم من الرفاهية.

 لكن بشرط الصبر فالوطن دائما في عهده يتعرض لمؤامرة من أعدائه في الداخل وهو أيضا تستهدفه مؤامرات الخارج.. أما الحالة الاقتصادية الصعبة فالشعب هو السبب في الفقر فالطاغية يعيش في عالمه الخاص بكل اقتناع منفصل تماما عن الواقع يظن نفسه الشمس وعلى الجميع يخضع له ليستفيد من نور حكمته ومهما اختلف الزمن والمكان هناك سمات مشتركة لأي مستبد فقط يضفي عليها الديكتاتور طابعه الخاص ليخلده التاريخ كمهرج تلاعب بأقدار شعبه.. ربما يخشى أن ينساه التاريخ فيفتعل فاجعة تجبر المؤرخين علي تدوينها فالتاريخ يهتم بالكوارث.. إذا فليكن تجويع شعبه وسليته في ذلك.

يؤمر الطاغية بإغلاق مخازن الغلال يستمتع وهو يري شعبه يموت جوعا فعل ذلك الإمبراطور كالجولا الذي وصل به الحال إلى فرض الضرائب على العاهرات حتى بعد توبتهم.. ربما يبرر البعض بان ذلك كان يحدث في عصور ما قبل التاريخ ولكن الآن الوضع مختلف ويتناسى بان ثقافة الطاغية وجنونه ﻻ تختلف باختلاف العصور.. 

فهذا مراد نيازوف رئيس تركمانستان المتوفي منذ بضعة سنوات نصب نفسه رئيسا للبلاد مدي الحياة ورئيس لمجلس النواب وضع لشعبه كتابا أطلق عليه الروحنامة واجبرهم على دراسته جنبا إلى جنب مع القران في الجوامع وفي هذا الكتاب أتى نيازوف بكل عجيب فأعاد تسمية شهر يناير باسمه وشهر أبريل باسم امه وزعم أن في طيات الكتاب أسرار الحياة والسعادة وأخبرهم أن من سيقرأ الكتاب ثلاث مرات سيدخل الجنة.

وفي عام 2005 أرسل كتاب الروحنامة إلى الفضاء على ظهر مركبة فضائية لتصف وسائل الإعلام التركمانية الحدث في اليوم التالي بعنوان موحد الكتاب الذي غزا ملايين القلوب علي الأرض الآن يغزو الفضاء.

وفي عالمتا العربي الحديث شاهد علي مثل هذا فالكتاب الأخضر اجبر ملك ملوك أفريقيا الرئيس الراحل معمر القذافي الطلاب الليبيين على دراسته وفيه زعم القذافي انه قدم نظرية عالمية ثالثة فيها خلاص لكل البشر.

 ربما نستخلص مما سبق أن أهم أهداف الطاغية تغيب عقول العوام وتكريس جهلهم فهم أن جهلوا خافوا وإن خافوا استسلموا لأفكاره فنجد الطاغية يفتعل الأهوال ليخيف شعبه.. فهتلر يهاجم بولندا متهما إياها أن جنودها شنوا هجوم على الإذاعة الألمانية قرب الحدود ويتخذ من ذلك ذريعة وتجتاح جيوشه بولندا وتشتعل الحرب العالمية الثانية ويموت ملايين البشر يحدث ذلك بينما الشعب الألماني كله يهتف اقبض يدك واحني راسك واحلف بحياة هتلر فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وتنتهي الحرب ويفيق الشعب الألماني من الجهل والتغيب ليعلم أن هتلر هو من دبر الهجوم على الإذاعة الألمانية عبر ميلشيات الحزب النازي إنها لعبة الحاكم وإعلامه ودموع التماسيح,

يبكي ستالين على سكرتيره الذي اغتالته يد الإرهاب ليعلن للشعب أن الإرهابيين وصلوا إلى عقر داره وهدفهم إحراق الاتحاد السوفييتي وهدمه ويودعه والدموع تنهمر من عينه.. ويصدر قانون مكافحة الإرهاب وتزهق بسببه أرواح الملايين من الروسي ويكتشف الشعب بعد موت ستالين أن الأخير هو من قتل سكرتيره جرينوف.. فالطاغية لا يتوانى في إزهاق أرواح الملايين من أبناء شعبه ويعتبرها قربان استمراره في الحكم مدي الحياة والجهل والخوف وصناعة الأعداء وسيلته فهم الركن الجوهري لبقائه.

ولكن ما الذي يجبر الشعوب في كل مكان وزمان على الرضوخ للطاغية وتظل وحدها تدفع فاتورة صمتها على المستبد. ما الذي يجبر الأمة على الاستسلام له رغم أن الطبيعة البشرية تأبي ذلك فحين خلق الله آدم وحواء سمح لهما بكل شيء في جنة عدن إلا أن يأكلوا من الشجرة ولكنهما عصوا الله فكان العصيان وعدم الطاعة هو أول أفعال البشر؟ فماذا حدث بعد ذلك؟ أهو الخوف من عواقب الحرية حتى ذهب البشر إلى العبودية المختارة عبر الاستسلام للمستبد من اجل الأمان أما هو سحر رجال الدين الذين غرسوا في عقول البشر أن طاعة الحاكم رغبة ﻻ رهبة وفيها طاعة لله وان حكمه فضل من الله يستوجب الحمد حتى تصبح طاعته واجب ديني.

الغرب حتى زمن قريب كان غارق في مثل هكذا أفكار ولم يكن حتى يسمح للعوام بمجرد التفكير أو حتى قراءة الإنجيل حتى يظل الشعب أسير للحاكم فكان الإنجيل مكتوب باللغة اللاتينية ولا يسمح بترجمته حتى جاء مارتن لوثر وترجمه للألمانية وأعقب ذلك عصر النهضة والثورة الصناعية حتى أصبح الغرب اليوم لا يمت لغرب الأمس بصلة.

إذا الأمر ليس بصعب والتحرر من العبودية ممكن وميسور فقط أن ندرك أن السيطرة والخضوع وجهان لعملة واحدة وان الطغاة يملكون القوة لان الشعب يعطيها لهم وان المستبد يحتاج للشعب وبدون الطاعة لن تجدي السيطرة وان الشعوب التي تشعر بالألم وظلم الاستبداد وتصبر على ذلك لن تحصد إلا مزيد من القهر والظلم والفقر لذا يجب التخلص من الكهنوت وثقافة الخنوع لمن أراد حياة أفضل فالحكم المطلق سجن كبير حتما سينهار وسيكون الحصاد علقما مرا.

ماذا حصد الشعب السوداني بعد صبره علي حكم الطاغية البشير بعد الصبر 25 عام على حكمه؟ تقلصت مساحة السودان الجغرافية بميلاد دولة جنوب السودان والآن الحرب الأهلية تحرق ما تبقى.

انه نفس حصاد الشعب الليبي وقريبا الشعب الروسي.. ولمن أراد النجاة من هذا المصير عليه أن يعمل علي الحد من سلطانه المطلقة فلا طريق آخر.. وعلى الشعوب أن تفهم جيدا أن العنف ليس وسيلة تغيير إنما فتنة تسعد الحاكم السلطوي تسمح له بحصد أرواح الأبرياء قبل أن يرحل وتجعل من فاتورة التغيير باهظة الثمن وتسمح للدول الأخرى بالسيطرة على مستقبلها.

الأفضل أن تتعلم الجماهير ثقافة ثورة صناديق الانتخابات وكيفية حمايتها فهي أفضل طريقة لمستقبل مشرق، وعلى كل حاكم سلطوي أن يتعظ فطريق الطغاة واحد مهم اختلف الزمان والمكان دربهم واحد منهجهم الظلم والاضطهاد وقبضة أمنية واحتكار السلطة لعقود ويظن كل مستبد أن نهايته ستكون مختلفة عن سابقيه لكنها كانت تأتي دائما عكس ما يتمني شهوة البقاء في الحكم وجنون العظمة لا يجعله يدرك الجحيم والنهاية المأساوية التي تنظره عالمه الخاص يجعله ينكر كره الشعب له ويسخر من مطالبه مثلما سخر طاغية.

 رومانيا نيكولاي تشاوتشيسكو عندما سأله الصحفيين عن الثورة التي تجتاح الشوارع وتطالب بالتغيير فرد قائلا لن يحدث تغيير في رومانيا إلا إذا تحولت أشجار البلوط إلى أشجار زيتون فكان بعد أيام من هذا التصريح تحت أقدام شعبه وأعدم رميا بالرصاص.

وحتى الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي ظل على مدار أكثر من 25 عام يشبه خصومه بالأفاعي وأنه لديه القدرة الساحرة على الرقص فوق رؤوسهم انتهت حياته وهو في فم أحد تلك الثعابين التي أخرجها من جحورها للرقص بها على جسد شعبه فلا شيء يوازي الجحيم إلا استعباد الشعوب فعاقبته علي الديكتاتور وخيم وهذا ما سوف يحصده بوتين قريبا بعد أن تم تجريده من قوته على مدار الأعوام السابقة عبر أكثر من مستنقع في سوريا وأوكرانيا وأفريقيا.

وإذا كان يحب روسيا حقا عليه أن يعمل من الآن على نقل سلطته بشكل سلمي وان لم يفعل فعليه أن يتوقع ثورة شعبية عنيفة ضده مدعومة من الجيش. بعد أن شاهد الشعب رئيس روسيا البيضاء يتدخل وينقذه في وقت أصبحت لعبة الحرب الأوكرانية وفشله فيها صوتها يصل لكل مكان في روسيا وتجسد مدي الضعف الذي أصبح عليه بوتين.

وللأسف إذا حدثت ثورة في روسيا فلن تبقي كتلة جغرافية واحدة، وستكون الصين التي يظن البعض أنها حليفة لموسكو أول من يطالب بحقوق تاريخية في الأراضي الروسية.