هل تتضرر مفاوضات سد النهضة باقتتال "تيجراي"؟

  يومًا تلو الآخر تتصاعد الأحداث داخل إقليم تيجراي (شمالي إثيوبيا)، في ظل المواجهات بين الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا والقوات العسكرية التابعة للإقليم، على خلفية سيطرة الأخيرة على قواعد للجيش الفيدرالي، وسط تأكيدات مراقبين على أن البلاد انزلقت بالفعل، من جراء هذه الاضطرابات، إلى أتون حرب أهلية قد تمتد إلى مدى غير معلوم. وتعود بداية الأحداث إلى الأسبوع الماضي، وتحديدًا في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني ، حين أطلق رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2019، عملية عسكرية ضد سلطات منطقة تيجراي المنشقة، متهمًا إياها بأنها هاجمت قبل ذلك قاعدتين للجيش الفيدرالي على أراضيها. ولكن قيادات الإقليم نفت ذلك. وقبل يوم من إطلاق الحملة العسكرية، طمأن رئيس الوزراء الإثيوبي شعبه بأن انتهاء العمليات العسكرية بات وشيكًا في إقليم تيجراي المتاخم لحدود إريتريا والسودان، داعيًا الاتحاد الإفريقي إلى وقف فوري للقتال، ولكن من الواضح أن الأمر لم يلق قبولاً لدى البعض، إذ ذكرت رويترز نقلاً عن وكالة السودان للأنباء الرسمية، الثلاثاء الماضي، أن ما يزيد على 6000 إثيوبي دخلوا السودان فرارًا من القتال في بلادهم، وأن من المتوقع أن يعبر كثيرون آخرون الحدود. وبحسب رويترز، فإنه من المتوقع دخول ما يربو على 200 ألف شخص من إثيوبيا إلى ولاية القضارف السودانية خلال الأيام القليلة المقبلة، وهو ما يتطلب إيجاد مواقع آمنة بعيدة عند الحدود لإيواء الفارين من الحرب، في ظل انعدام الخدمات الأساسية في تلك المناطق. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] آبي أحمد[/caption]

شبكة معقدة من المنظمات والمراكز الإخوانية

اضطرابات إقليم تيجراي تزامنت مع  الجولة الأخيرة من مفاوضات سد النهضة الإثيوبي التي انطلقت مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، بين مصر وإثيوبيا والسودان، وباءت بالفشل، وعلى أثرها اتفقت الأطراف المتفاوضة على إنهاء هذه الجولة من المفاوضات وإعادة الملف للاتحاد الإفريقي الذي يرعى المفاوضات. وتسعى مصر والسودان للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل السد، الذي شيدته أديس أبابا على النيل الأزرق عام 2011 وتعترض كل من القاهرة والخرطوم على آليات تشغيله، إذ تخشى الدولتان من أن ينتقص السد الإثيوبي من حصتهما في المياه، فمصر التي تعاني من شح المياه تعتمد على نهر النيل لتوفير نحو 97% من احتياجاتها من المياه، في حين تحاول إثيوبيا -على مدار ما يربو على 9 سنوات من المفاوضات- التملص من توقيع مثل هذا الاتفاق. وزاد الأمر تعقيدًا إعلان إثيوبيا في في 21 يوليو/ تموز الماضي ملء السد في مرحلته الأولى، رغم دعوات مصر والسودان الدائمة بالتوقف عن أي إجراء أحادي قبل التوصل إلى اتفاق بين جميع الأطراف.

تداعيات الوضع في تيجراي

ومع ارتفاع وتيرة التوتر داخل الإقليم وتعرُّض حكومة آبي أحمد لمقاومة شديدة، سيكون لذلك تأثير مباشر على مفاوضات سد النهضة، وفق حديث الباحثة في الشأن الإفريقي في معهد البحوث والدراسات الإفريقية في جامعة القاهرة، هبة البشبيشي، إلى "ذات مصر"، التي أضافت: "من المحتمل أن يطلب الطرف الإثيوبي تأجيل المفاوضات لحين الانتهاء من إعادة الاستقرار في الإقليم، أو يعلن الإقليم أنه غير معترف بهذه المفاوضات ونتائجها، وهذا سيشكل انقسامًا بين الإثيوبيين أمام الرأي العام العالمي، خصوصًا وأن حكومة إثيوبيا ليست مركزية ولكن ائتلافية يُمثَّل فيها كل ائتلاف بنسبة معينة، واعتراض ائتلاف منهم على المفاوضات يُسقطها تمامًا". واستبعدت "البشبيشي" أن ينعكس تأثير هذه الأحداث على المفاوضات إيجابيًّا على مصر، فرغم أن رحيل آبي أحمد أمر وارد في ظل هذه التوترات، فإن أي شخص سيحل محله سوف يتبنى ذات المنهجية في التفاوض، فالسد بالنسبة لإثيوبيا مشروع قومي لا يتوقف على شخص بعينه، بل إنه من الوارد أن يكون خليفة آبي أحمد أكثر تعنتًا منه في التفاوض، ولن يكون أي طرف في إثيوبيا قلقًا على المصالح المصرية". [caption id="" align="aligncenter" width="960"] البشبيشي[/caption] وعمومًا، فإن أي توترات داخلية في إثيوبيا ستنعكس سلبًا على مفاوضات سد النهضة لأنه سيمنع إمكانية الوصول إلى اتفاق حول قواعد الملء والتشغيل، وستفقد الأطراف المتفاوضة أي تقدم أحرزته حتى الآن، بل إنه من الوارد أن تُجهض المفاوضات تمامًا، وفق البشبيشي. رأي آخر يرى أن "هذه الاضطرابات قد تنعكس إيجابًا على ملف سد النهضة، نظرًا إلى أنها تزعزع نظام آبي أحمد الذي يُعد المشكلة الأكبر في مفاوضات سد النهضة"، وفق وصف منسق أبحاث وحدة إفريقيا بمعهد الدراسات المستقبلية ببيروت، محمد عبد الكريم، لـ"ذات مصر". فرئيس الوزراء الإثيوبي يتعمد المماطلة خلال المفاوضات التي تجرى حاليًّا برعاية الاتحاد الإفريقي. وتتجلى التأثيرات للأحداث الجارية في تيجراي على نظام آبي أحمد، وفق عبد الكريم، في اضطراب الحكومة بعد التغييرات التي أُجريت بإقالة قائد الجيش ومدير المخابرات ووزير الخارجية، فضلاً عن بعض المشكلات الداخلية مثل اللاجئين داخل إثيوبيا وهي أزمة داخلية يتفادى آبي أحمد حلها. ومن ناحية أخرى، نجد أن هناك ضغوطًا مباشرة من أطراف دولية على آبي أحمد تحثه على التوصل إلى اتفاق، خصوصًا في ظل حديث الصحف الأجنبية عن أن إثيوبيا تسعى من وراء بناء السد للهيمنة في المنطقة وليس تحقيق رخاء شعبها وفق ما تزعم، بالإضافة إلى أن السد سينتقص من حصة مصر المائية دون جدال.