عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وتركيا.. مسيرة التصالح محاطة بـ«الألغام»

ذات مصر

أعلنت مصر وتركيا، اليوم الثلاثاء، رفع التمثيل الدبلوماسي بين البلدين لمستوى السفراء، بعد نحو عقد من القطيعة في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، والتي أطاحت بنظام جماعة الإخوان الإرهابية من حكم البلاد، لتبدأ القاهرة وأنقرة مرحلة جديدة من علاقاتهما معًا لكنها محفوفة بالمخاطر.

قطعية بسبب الإخوان

العلاقات السياسية بين مصر وتركيا قطعت تمامًا في أعقاب سقوط نظام الرئيس المصري الراحل، محمد مرسي، ودأبت تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، على مهاجمة القيادة المصرية الجديدة للرئيس عبدالفتاح السيسي، في شتى المحافل سواء المحلية أو الإقليمية أو الدولية.

أردوغان سعى في أعقاب ثورة 30 يونيو على استقطاب قيادات الجماعات الإرهابية في دولته ودعمهم ماديًا وسياسيًا وإعلاميًا، حتى ضاقت مصر من تصرفاته وأعلنت قطع العلاقات الثنائية، لتدخل البلدين عقبها في حرب باردة وصلت أطرافها إلى عدد من الدول المجاورة، واتسعت رقعته لتطول ملفات كثيرة.

محاولات تركية للإصلاح

على مدار الأعوام القليلة الماضية، دأبت القيادات الدبلوماسية والسياسية في أنقرة على إطلاق تصريحات إلى رغبة بلادهم في تحسين علاقاتهم مع مصر، والتي لم تلق قبولًا في البداية من القاهرة، لكن المحاولات التركية لاقت دعمًا مصريًا مع التغييرات السياسية الأخيرة في المنطقة.

وعلى مدار نحو عامين بدأت اجتماعات «مصرية تركية» سواء على المستوى الدبلوماسي ممثلًا في وزير الخارجية المصري، سامح شكري، والتركي مولود جاويش أوغلو، والتي شهدت تقديم قائمة مطالب مصرية ترغب القاهرة في تنفيذها قبل البدء في الحديث عن عودة العلاقات بين البلدين.

وبين حالة من الشد والجذب، والتفاهمات من هنا وهناك سواء دبلوماسيًا أو أمنيًا شهدت العلاقات الثنائية حلحلة أخيرًا بزيارة متبادلة واجتماعات ثنائية كللتها مؤخرًا زيارة وزير الخارجية التركي، مؤخرًا للقاهرة ولقائه الرئيس السيسي، ومناقشة عدد من الملفات.

لقاء السيسي وأردوغان

وفي نوفمبر الماضي عام 2022، بدأ التقارب بين البلدان في مناسبات عدة، من أهمها تصافح الرئيسين السيسي ورجب أردوغان في العاصمة القطرية الدوحة على هامش افتتاح كأس العالم لكرة القدم 2022. ثم بعد ذلك توالت الخطوات لتهدئة حالة التوتر بين البلدين وصولاً إلى مرحلة المحادثات ثم تبادل الزيارات الرسمية.

وشهد فبراير الماضي زلزالاً ضرب الأراضي التركية، وزار وزير الخارجية سامح شكري تركيا، على رأس حملة إغاثية ضخمة مقدمة إلى الشعب التركي.

وأشاد وزير الخارجية التركي السابق، مولود تشاويش أوغلو، بدور مصر وموقفها المساند لتركيا في كارثة الزلزال، ذاكراً: نثمن وقفة مصر إلى جانبنا عقب كارثة الزلزال، ونسعى لفتح صفحة جديدة من العلاقات مع مصر، وأضاف: كانت هناك برودة في العلاقات بين البلدين لكن مصر بلد مهم بالنسبة للعالم العربي والعالم.

وفي مارس الماضي زار وزير الخارجية التركي السابق مولود تشاويش أوغلو مصر، وأعرب عن سعادته لاتخاذ خطوات ملموسة لتطبيع العلاقات مع مصر مضيفاً: سنبذل قصارى جهدنا حتى لا تقطع العلاقات بيننا مرة أخرى في المستقبل.

ولفت أوغلوا إلى أنه اتفق على طي صفحة التوتر واتخاذ خطوات لعودة العلاقات لطبيعتها فوراً"، مشدداً على أن زيارته للقاهرة هدفها تحسين العلاقات، وأن المحادثات في مصر تطرقت لكل القضايا الثنائية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وأن الاجتماع تناول قضايا ليبيا وسوريا والعراق.

التحرك المصري للأمام

وبدأت مصر في الترحيب بالموقف التركي الذي تغير 180 درجة خصوصًا مع تغيير سياسة تركيا في التعامل مع قيادات الإخوان هناك، ورفضها مهاجمة مصر وقياداتها عبر أي فضائية إخوانية أو غير إخوانية تبث من على أراضيها، بالإضافة إلى مطالبة أتباع الجماعة بالمغادرة.

ومع فوز الرئيس التركي بالرئاسة لولاية جديدة نهاية شهر مايو الماضي، أجرى الرئيس السيسي اتصالًا بأردوغان لتهنئته بالفوز بالانتخابات، واتفق الرئيسان حينها على البدء الفوري في رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء.

شارك وزير الخارجية سامح شكري، بتكليف من الرئيس السيسي في مراسم حفل تنصيب أردوغان، وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير أحمد أبو زيد، إن مشاركة وزير الخارجية تأتى في إطار التطور الذي يشهده مسار العلاقات المصرية التركية في الفترة الأخيرة، وحرص الدولتين على عودة العلاقات الثنائية إلى طبيعتها بشكل كامل.

نار تحت الرماد

ورغم حالة الود الظاهرة بين قيادات البلدين إلا أن هناك ملفات «ساخنة» تهدد التقارب «المصري التركي»، ويأتي في مقدمة الخلاف الموجود حاليًا بسبب ثروة الغاز الطبيعي في البحر المتوسط، واقتراب القاهرة أكثر من اليونان وقبرص، خصوصًا مع التهديدات التركية المتكررة لأثينا.

وتتضمن الملفات الخلافية الكبيرة بين البلدين، الأوضاع في ليبيا، والتي تدعم فيها مصر قائد الجيش خليفة حفتر، في حين تؤيد تركيا خصمه عبدالحميد الدبيبة، وتزايدت حدة الخلافات بإعلان الرئيس المصري، خط أحمر للتحركات العسكرية هناك، وتهديده بالتدخل العسكري في ليبيا.

ولا تقتصر الخلافات على هذين الملفين فقط، لكنها تمتد إلى التدخلات التركية في سوريا وحربها ضد الرئيس السوري بشار الأسد، علاوة على موقفها في العراق وحربها المستمرة مع الأكراد، فضلًا بالتأكيد عن القضية الرئيسية في مصر المتمثلة في موقف أنقرة من جماعة الإخوان.

الخلافات لم تحل بعد

صرح مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير جمال بيومي أن البلدين لديهما رغبة قوية في تجاوز مرحلة الخلافات والتوترات إلى مرحلة التعاون المشترك من أجل حل القضايا العالقة بين البلدين وتصفية الخلافات، مشيرًا إلى أن الخلافات بشأن الملفات العالقة لم تحل بعد.

وأشار بيومي، في تصريحات صحفية إلى أن المباحثات تظل استكشافية، وحتى الآن  لم يصلوا لاتفاق بشكل نهائي حولها، ومع عودة السفراء سوف تسرع من المحادثات وتزيدها إيجابية.

ونوه السفير رخا أحمد حسن إلى هذه الملفات، قائلاً: إن مصر لديها موقف ثابت نحو رفض التدخلات التركية في الدول العربية، ومن بينها ليبيا، ويمكن لمصر أن تقوم بتقريب وجهات النظر وتحسين العلاقات بين تركيا وتلك الدول العربية، مبينًا أن انقرة وضعت حدودا لعناصر جماعة الإخوان في تركيا، بالإضافة إلى التعاون الاقتصادي بين البلدين. 

وفي تصريحات تلفزيونية للدكتور بشير عبد الفتاح الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ذكر أن القاهرة وأنقرة تجاوزا مرحلة الخلافات وتصعيد الموقف والمواجهات بينهما، والتزمت مصر بضبط النفس طوال السنوات التي شهدت توترات مع  الجانب التركي.

وانتقلت العلاقة بين البلدين إلى مرحلة المحادثات من أجل حل المسائل العالقة، موضحاً أن الجانبين يعملان على حل الأمور الخلافية حول الملفات التي تمثل نقطة الخلاف بينهما.