نزوح جماعي ودعوات انفصالية:فوهات البنادق تقوّض وحدة إثيوبيا

  ما بين عشية وضحاها، تتباين تطورات الصراع في إثيوبيا، حيث النزاع على أشده بين أديس أبابا وإقليم اليتجراي شمال البلاد. اشتباكات مسلحة تكاد تختتم أسبوعها الأول، وسط أوضاع غير إنسانية، وقلق دولي من عمليات نزوح جماعي، ونقص في السلع الأساسية يمكن أن تؤثر في الفئات الأكثر ضعفًا.. فما دلالات آخر التطورات؟ بعد أن أعلن آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي شن حملة عسكرية على الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، التي اتهمتها أديس أبابا بمهاجمة قاعدة عسكرية اتحادية، دارت عجلة الحرب بين الطرفين، وسقط مئات القتلى حتى الآن، ونزح نحو أكثر من 10 آلاف إثيوبي إلى السودان، منذ تفجر القتال، بحسب ما أعلنت الحكومة السودانية. ومع صعوبة التحقق من الوضع ميدانيًّا بين الطرفين المتناحرين، نظرًا إلى انقطاع كل طرائق الاتصال بين منطقة الصراع والعالم، حذرت الأمم المتحدة في أحدث تقرير لها عن الأزمة من أن انقطاع الاتصال يضر بعمليات الإغاثة الإنسانية. وقالت المنظمة إن الانتقالات صعبة وغير مسموح بها من وإلى تيجراي، فضلاً عن القلق البالغ الذي أعربت عنه المنظمة بشأن حماية الأطفال والنساء والشيوخ من تبعات احتدام القتال. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] تطورات الصراع في إقليم تيجراي[/caption]

إدارة انتقالية في تيجراي

ولم تكد تمر أيام على انطلاق الصراع، حتى أعلنت حكومة أديس أبابا سيطرتها على مناطق في تيجراي غربي الإقليم، الذي تديره الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، وقال اللواء محمد تسما المدير العام لقوات الدفاع الإثيوبية في تصريحات صحفية إن قواته سيطرت على مناطق ميدالي، ودانشا، وباكر، ومطار مدينة حومرا، وطريق حميرا السودان. وستسعى إثيوبيا بكل ما أوتيت من قوة لتنصيب "إدارة انتقالية" في الأجزاء التي وقعت تحت سيطرتها في الإقليم، وقال وزير الدفاع الإثيوبي كينيا ياديتا اليوم الخميس، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، إن الحكومة الفيدرالية الإثيوبية ستقيم "إدارة انتقالية" في أجزاء من ولاية تيجراي، وأن "قوات الدفاع ستقدم الطغمة الإجرامية للعدالة في أسرع وقت". وقال القائد الجديد للجيش الإثيوبي الجنرال برهان جولا، إن القوات الفيدرالية دمرت بالكامل الاسلحة الثقيلة لـ"زمرة الخونة"، على حد تعبيره، وأعلنت وسائل إعلام إثيوبية ظهر اليوم اعتقال 17 ضابطًا في الجيش "لأنهم منحوا الفرصة لجبهة تحرير شعب تيجراي لمهاجمة الجيش الوطني". [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] آبي أحمد[/caption] وفي إطار الحرب الدائرة، ذكرت وكالة الأنباء الإثيوبية، أن مجلس النواب وافق اليوم على رفع الحصانة البرلمانية عن 39 من أعضائه، بينهم دبرصيون جبرمكئيل، رئيس منطقة تيجراي، الذي بعث برسالة إلى الاتحاد الإفريقي، طالبه فيها بالتوسط لحل الأزمة، محذرًا من انزلاق البلاد نحو حرب أهلية. وقال دبرصيون في رسالته إن "الإقليم سيواصل الدفاع عن نفسه إلى أن توافق السلطات الاتحادية على التفاوض ووقف الحرب". ويُعد البرلمان الإثيوبي نقطة خلاف قوية بين التيجراي والحكومة الاتحادية بقيادة آبي أحمد، فقيادة الإقليم ترفض تأجيل الانتخابات البرلمانية بسبب جائحة كورونا، وأصرت على انعقادها في سبتمبر/ أيلول الماضي، في مخالفة واضحة لقرار آبي أحمد بتأجيل الانتخابات البرلمانية، التي كان يعول عليها في موافقة الشعب على رؤيته لبلد موحد سياسيًّا ومتنوعًا عرقيًّا.

محاولة انفصال التيجراي

وتقول أماني الطويل الخبيرة في الشؤون الإفريقية لـ"ذات مصر" إن سكان التيجراي يعتبرون آبي أحمد فاقدًا للشرعية السياسية، بسبب تأجيل الانتخابات التي كان مقرر إجراؤها في أغسطس/ آب الماضي، وفوق ذلك قرروا بمفردهم إجراء الانتخابات البرلمانية في سبتمبر/ أيلول الماضي وهي الخطوة التي تهدد عرش آبي أحمد، لأن إقدام التيجراي على إجراء الانتخابات البرلمانية، يمنحهم الحق في الحكم الذاتي طبقًا للمادة 39 من الدستور الإثيوبي. [caption id="" align="aligncenter" width="739"] أماني الطويل[/caption] وتنص المادة 39 من الدستور الإثيوبي على أنه لكل "أمة وجنسية وشعب في إثيوبيا حق غير مشروط في تقرير المصير، بما في ذلك الحق في الانفصال، عند الموافقة على طلب الانفصال بغالبية الثلثين من أعضاء المجلس التشريعي للأمة". وقالت الطويل إن الصراع العسكري في إثيوبيا سيمتد، وربما يمتد لقوميات أخرى خلال الفترة المقبلة، ويصل إلى دولة إريتريا على الحدود مع إثيوبيا، التي قد يخشى رئيسها اندلاع صراعات مسلحة تصل إلى جالية التيجراي في إريتريا، وهو ما قد يمهد لالتئام التيجراي في الإقيلم وإريتريا، والمطالبة بالانفصال والانسلاخ عن أديس أبابا، مشيرة إلى أن التطورات الأخيرة تشير إلى وجود أصابع لحزب "استقلال التيجراي". وقد أثارت خطوة إقليم التيجراي بإجراء الانتخابات في أغسطس/ آب الماضي، جدلاً في إثيوبيا آنذاك، ففي حين تتمسك جبهة تحرير تيجراي بإجراء الانتخابات في وقتها وعدم تأجيل الاستحقاق بصفته حق أصيل يضمنه الدستور، ترفض أديس أبابا هذا الإجراء، وتعبتره تقويضًا لسلطة الحكومة الفيدرالية برئاسة آبي أحمد، وتعدٍّ على الدستور.