كارت أصفر لإخوان تونس.. صدام سياسي جديد مع "اتحاد القرضاوي"

  تحت شعار "ارحلوا عنا، لسنا في حاجة إلى جماعة الإخوان والقرضاوي في تونس"، أعلن سياسيون تونسيون اعتصامهم أمام مقر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين -باعتباره تابعًا للحركة العالمية للإخوان المسلمين- بالعاصمة التونسية، استجابةً لدعوة الاعتصام المفتوح التي أطلقها الحزب الدستوري الحر، مساء الاثنين، بعدما اتهموا الاتحاد بـ"تمويل الإرهاب من خلال تنظيمات مشبوهة، ووجوده في البلاد مناقض لمبادئ النظام الجمهوري والديمقراطي ويمثل مصدرًا لجلب التمويل بطرائق غير شرعية". وبالفعل، استجاب عشرات السياسيين والشخصيات العامة والبرلمانية، لدعوة للاعتصام أمام مقر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي أسسه القيادي الإخواني يوسف القرضاوي عام 2012، ويرأسه حاليًّا الداعية أحمد الريسوني، ورفعوا لافتات مكتوب عليها "ارحلوا عنا يا صناع الفتن"، و"حكم الإخوان عار عار لازم تصحيح المسار"، وغيرها من الشعارات المناهضة لحكم جماعة الإخوان المسلمين في تونس.

تحركات قضائية وسياسية

هذا التحرك السياسي الغاضب، افتتحته زعيمة الحزب الدستوري الحر، عبير موسى، وأطقت عليه "اعتصام الغضب ضد التنظيمات السياسية والجمعياتية الداعمة للفكر الظلامي المناهض لقيم الجمهورية"، الاثنين، تحت شعار: "لن تكون تونس أرضًا لاحتضان الإخوان". عبير موسى قالت في كلمتها الافتتاحية للاعتصام إنها ترفض "متانة الروابط بين رئيس حزب حركة النهضة التونسية، راشد الغنوشي، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، يوسف القرضاوي، وبعض الفتاوى الصادرة عن القرضاوي، والتي تجيز التفجيرات الانتحارية وقتل الحكام واستعمال العنف المسلح ضدهم في نطاق مفهوم الجهاد تحت وصاية الجماعة". وحسب الحزب الداعي للاعتصام، فإن هذه الخطوة تأتي في إطار سلسلة من تحركات سياسية وقانونية للتنديد بالإرهاب وداعميه في تونس وإجباره على الخروج من البلاد، نظرًا إلى أن ممارساته مخالفة لقيم الجمهورية ولنواميس الدّولة المدنيّة، حيث يتهم الحزب فرع الاتحاد في تونس بـ"ملء أدمغة الشباب التونسي بخطابات العنف والكراهية والحقد على الدولة المدنيّة". [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] اعتصام أمام مقر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين[/caption] اللجوء للاعتصام جاء بعد تحركات قضائية وقانونية عدة، بادر بها الحزب الدستوري التونسي الحر، الذي سبق أن رفع دعوى قضائية لإيقاف نشاط الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في تونس. ورغم رفض القضاء التونسي الدعوى المرفوعة ضد الاتحاد، فإن الحزب لم يستسلم وواصل نضاله عن طريق تنظيم وقفات احتجاجية أمام مقرات المنظمات الحقوقية وسفارات تونس في الخارج تنديدا بما أسماه "تبييض الإرهاب". وقبل نحو أسبوع، رفضت المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة، الدعوى الاستعجالية التي تقدم بها الحزب الدستوري الحر ضد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بهدف إيقاف نشاطه في تونس. وكشف الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية، محسن الدالي، أنّ القاضي الاستعجالي بالمحكمة قرّر رفض الطلب القابل للاستئناف في ظرف 20 يومًا. وفي تصريحات صحفية على هامش الاعتصام، قالت رئيسة الحزب الدستوري الحر، إن حركة النهضة "تلعب بمشاعر التونسيين باسم الدين"، وأنهم لا يعرفون الجانب الآخر حول علاقة الغنوشي بالقرضاوي ودعواتهم للقتل والتفجير، وذلك في حوار لها على قناة "الوطنية الأولى" التونسية. واكتفى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بالرد على هذه التحركات، بكتابة منشور: "لن ننجر إلى مربع المهاترات والتهريج"، عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك".

الحزب الدستوري الحر ليس وحيدًا في معركته ضد الإرهاب

ورغم تصدر الحزب الدستوري الحر المشهد السياسي والتحركات القضائية ضد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فإنه ليس وحيدًا في أرض المعركة، فهناك دعم كبير من البرلمان التونسي لهذه التحركات الديمقراطية الرافضة لتدخلات الجماعات والتنظيمات الدينية في الحياة السياسية والحزبية التونسية، خاصة بعد المعلومات الأمنية الخطيرة التي أدلها بها وزير الداخلية التونسي، توفيق شرف الدين، أمام اللجنة الخاصة بالأمن والدفاع، خلال جلسة استماع، قبل نحو أسبوع، أعلن فيها أن قوات الأمن كشفت عن 33 خلية تكفيرية في مختلف جهات البلاد، وأن الداخلية نفذت 48 عملية استباقية للقضاء على 9 عناصر إرهابية، وأن الوحدات الأمنية بدعم من الوحدات العسكرية، تمكنت منذ بداية 2020 من إيقاف 1020 شخصًا ينتمون إلى جماعات إرهابية، فضلاً عن إحالة 876 شخصًا على القطب القضائي لمكافحة الإرهاب. وتعرضت تونس لضربات إرهابية قاسية منذ احتجاجات 2011، استهدفت مجندين ورجال أمن، كما طالت سائحين وشخصيات سياسية وحزبية، ولعل أبرزها تلك التي نفذها سيف الدين الرزقي في 26 يونيو/ حزيران 2015، وأودت بحياة العشرات من السياح الأجانب في أحد النزل بمحافظة سوسة الساحلية. وفي سبتمبر/ أيلول 2019 قتل رجل أمن وجرح عسكري إثر تعرضهما لهجوم من أحد المتطرفين في محافظة بنزرت التي تقع شمال العاصمة التونسية. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2019، قتل سائح فرنسي، وأصيب جندي، في اعتداء إرهابي استهدفهما بمنطقة تابعة لمحافظة بنزرت أقصى شمالي البلاد. ومن المقرر أن يعقد البرلمان التونسي في منتصف ديسمبر/ كانون الأول المقبل، جلسة للتداول في لائحة تقدّمت بها كتلة الدّستوري الحرّ تهدف إلى إصدار البرلمان تنديدًا ضدّ تبييض الإرهاب ودعوة الحكومة لتجفيف منابعه وتفكيك منظومة تمويله وحلّ التّنظيمات السياسيّة والجمعياتيّة الدّاعمة للعنف والفكر الظّلامي المتطرّف.

رفض غير معلن وحجر في المياه الراكدة

هذه المعركة، وإن كان يتبناها الحزب الدستوري الحر في تونس، يلتف حولها العديد من القوى السياسية والحزبية والتكتلات البرلمانية، لكن بنحو غير معلن، والحديث هنا على لسان الكاتبة الصحفية التونسية، ضحى طليق، التي قالت لـ"ذات مصر" إن موقف الحزب الدستوري الحر واضح ومعلن من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في تونس، لكن هناك قوى سياسية وحزبية، تحرص على توازناتها السياسية والبرلمانية، لذلك لا تصرح بموقفها من هذا الاتحاد علنًا. وأيضًا، النخبة الصحفية والثقافية في تونس تتبنى نفس فكر الحزب الدستوري الحر، حسب "طليق"، التي اعتبرت أن مبادرة الحزب بالتحرك سياسيًّا وقضائيًّا، هي خطوة أولى محمودة، حتى لو لم تجنِ ثمارها في الوقت القريب، فقد تكون هذه التحركات بمثابة حجر ملقى في المياه الراكدة، من أجل توعية الشعب التونسي بخطورة هذه التنظيمات في البلاد، في الوقت الذي ينشغل فيه غالب التونسيين بمشكلاتهم الحياتية العادية، رغم التخوفات المنطقية العديدة لدى الأحزاب السياسية والتكتلات البرلمانية من تأثير هذا الاتحاد والتنظيمات الدينية على المجتمع التونسي مستقبلاً، حسب قولها. ورغم أن طليق "ليست متفائلة" من تأثير هذه التحركات السياسية والقضائية الراهنة، فإنها ترى أن المبادرة والتحرك الأولى في حد ذاته خطوة نحو تحقيق مجتمع ديمقراطي سليم في تونس. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] يوسف القرضاوي[/caption]

فكر إرهابي يصيب الشباب التونسي

هذه التخوفات التي يعبر عنها الحزب الدستوري الحر في تونس، تؤيدها الأرقام والإحصاءات الصادرة عن منظمات دولية، لعل آخرها تلك الدراسة التي أجراها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في ديسمبر/ كانون الأول 2018 وتوصل فيها إلى أن المقاتلين التونسيين كانوا هم الفئة الأكبر للمقاتلين الأجانب المنخرطين في سوريا والعراق. وسبق أن توصل فريق من خبراء الأمم المتحدة إلى أن التونسيين هم الأكثر انضمامًا إلى التنظيمات الإرهابية في ليبيا وسوريا والعراق، حسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة عام 2015، لفت إلى وجود 4000 تونسي في سوريا، وما بين 1000 و1500 في ليبيا، و200 في العراق، و60 في مالي و50 في اليمن، وأن 625 عائدون من العراق إلى تونس هم موضع ملاحقات قضائية.