في ندوة "ذات مصر": صراع إثيوبيا مستمر حتى لو انتصر "آبي أحمد"

  "الصراع بين رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، والجبهة الشعبية لتحرير تيجراي لن ينتهي حتى لو انتهت الحرب".. هكذا سيكون الوضع في المستقبل داخل إثيوبيا التي تشهد حربًا داخلية وفق التوقعات التي طرحها المشاركون في ندوة "ذات مصر"، والتي عُقدت في مقر المؤسسة، يوم الإثنين، 16 نوفمبر/ تشرين الثاني، وأدارها الباحث والكاتب الصحفي ماهر فرغلي، مدير عام المؤسسة، بحضور الصحفي والمحلل السوداني عبد الرحمن فاروق، والمحلل السياسي الإريتري محمود أبو بكر، والباحث السوداني عبد الجليل سليمان، والصحفي الإريتري حسن إدريس الطويل. وتطرقت نقاشات الندوة إلى مستقبل الحرب الدائرة حاليًا في إثيوبيا، وتداعياتها على مستقبل المنطقة ودول الجوار، وفي مقدمتهم إريتريا والسودان، وأيضًا آثارها على مصر، خصوصًا في ما يتعلق بأزمة سد النهضة. [embed]https://youtu.be/M-xEwA7pu84[/embed]

صعود تيجراي

في البداية، تحدث المحلل السياسي الإريتري، محمود أبو بكر، عن البعد الإثني للصراعات الحالية في إثيوبيا، والذي أشار فيه إلى الجذور التاريخية وكيف تغيرت الخارطة الإثيوبية لتؤسس لإثيوبيا الجديدة في عهد الملك منليك الثاني عام 1889، فقد أصبح هذا التاريخ في ما بعد بداية للصراعات التي قامت على أساس إثني أو عرقي داخل إثيوبيا. وأوضح "أبو بكر" أن المجتمع الإثيوبي ينقسم إلى عدة مجموعات أبرزها الأورومو، وتشكل 40% من الشعب الإثيوبي البالغ 110 ملايين نسمة، بواقع 40 مليون نسمة، وهي أكبر مجموعة من حيث الكثافة السكانية، وظلت هذه المجموعة دائمًا بعيدة عن السلطة، في حين انحصر صراع النفوذ ما بين المجموعة الأمهرية التي تشكل 25% من المجتمع الإثيوبي وحكمت منذ عهد منليك، ومجموعة تيجراي التي تسكن شمال إثيوبيا وتمثل 6% من المجتمع الإثيوبي، وهي بمنظور ديموجرافي تعتبر أقلية الأقليات، لكنها ظلت دائمًا في تكالب على السلطة والبحث عن النفوذ. وتشكلت الحركة القومية لتيجراي في بداية العشرينات من القرن العشرين وتجلت أكثر خلال السبعينات، وقادت حربا ضد النظام وسعت عام 1975 إلى الانفصال عن إثيوبيا بسبب غياب العدالة في توزيع الثروات والموارد وتقاسم السلطة، وأصبحت ضد النظام الأحادي الذي لا يعترف بالثقافات الإثيوبية الأخرى، وفي نهاية السبعينات تحالفت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي مع الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، والتي اقترنت بإثيوبيا في اتحاد فيدرالي في الخمسينيات، وتمكن الطرفان من إسقاط النظام في إثيوبيا عام 1991، وفق أبو بكر. عقب إسقاط النظام، تمكنت جبهة تيجراي من الوصول إلى السلطة في أديس أبابا وأسست نظاما جمهوريا فيدراليا على أسس إثنية أو عرقية يعترف بكل الأطياف داخل الدولة، وكان الدستور الإثيوبي قائمًا على أسس جغرافية وليست عرقية، ورغم أنه كان بمثابة ردة فعل على الأحادية التي شهدها النظام الإثيوبي آنذاك، فإنه كان تأسيسًا خطيرًا تدفع إثيوبيا ثمنه حاليًّا، بحسب أبو بكر. وعكفت التيجراي خلال إعداد الدستور على تخصيص بند يتيح لها الانفصال متى أرادت في المادة 39 منه، وبموجبها يكون للتيجراويين الحق في المطالبة باستفتاء على الانفصال حال حدوث انقلاب في الحكم أو ثورة. وتابع أنه منذ هذا العام حتى عام 2018 حكمت جبهة التيجراي السلطة وحولها ائتلاف فضفاض من نحو 4 أحزاب أخرى، كل حزب منها يمثل أقلية أو إثنية أخرى، مثل الحزب الديمقراطي الأمهري وحزب الجنوب، وبات هذا الائتلاف هو الحاكم ولكن جبهة التيجراي تتحكم فيه بقدر كبير من حيث النفوذ والسيطرة على السلطة والمؤسسة العسكرية، وفي 2015 قاد شباب الأورومو ثورة على هذه الجبهة. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] من ندوة ذات مصر[/caption]

قوة مستمدة

واعتبر المحلل الإريتري أن هناك عدة مصادر تستمد منها جبهة تيجراي قوتها، على رأسها المرجعية الدينية (المسيحية الأرثوذكسية) التي تتمركز في أكسوم في منطقة تيجراي، ومن المعروف أن الدولة في إثيوبيا دائمًا مرتبطة بالكنيسة ويعد الملك بمثابة الأب الروحي للكنيسة ودائمًا يأخذ لقبًا من الألقاب الكنسية، كما تستمد تيجراي قوتها، بحسب "أبو بكر"، من خبرتها الطويلة في الحكم التي وصلت إلى ما يقرب من 27 عامًا واستفادت منها بعلاقات دولية كبيرة، بخلاف الأموال والمعلومات وتمرّسهم في حرب العصابات وإمكانيات التسليح التي تتمتع بها باعتبارها حركة تحرر منذ البداية، بخلاف أن أغلب ترسانة السلاح الإثيوبي موجودة في تيجراي منذ وقت المواجهة مع إريتريا، في مقابل القوة التي يتمتع بها "آبي أحمد"، والتي استمدها من الدعم الدولي لموقفه، وتأييد داخلي إلى حد ما، بجانب جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها في 2019، بالإضافة إلى دعمه من لفيف من القوميات الأخرى مثل الأمهرة والأورومو. وأشار أبو بكر إلى أن ما يحدث حاليًّا في إثيوبيا له تداعيات على منطقة القرن الأفريقي ككل وكذلك منطقة دول حوض النيل لأن المصالح المشتركة لشعوب هذه المنطقة واضحة، وحال وجود تدخل دولي من الممكن أن تتوقف الحرب وتؤدي الأمور إلى مفاوضات بين الطرفين، ولكن مشكلة التيجراي لن تنتهي هنا، بل ستمتد سواء انتهت الحرب أم لا، لأن النزاع لا يتعلق فقط بالسلطة، ولكن الخلاف الموجود عمومًا بين التيجراي وآبي أحمد. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] نازحون من الصراع في تيجراي[/caption]

تفجير الصراع

وتمثلت شرارة تفجير الصراع الحالي الأساسية بين جبهة تيجراي والحكومة الفيدرالية برئاسة آبي أحمد، وفق الصحفي الإريتري حسن إدريس الطويل، هي الخطوات التي اتخذها آبي أحمد تجاه جبهة تيجراي منذ أن تولى الحكم والتي تمثلت في محاولاته لتقليم أظفار الجبهة بتحجيم الموازنة المخصصة لها على أساس احتياجاتها بدلاً من موازنتها الثابتة 30%، إلى جانب حل شركة الإنشاءات الهندسية التي تسيطر عليها الجبهة وكانت قائمة على إنشاء السد في وقت تولي تيجراي الحكم، إلى جانب تأسيس حزب الازدهار، الذي سعى آبي أحمد من خلاله للقضاء على النظام الفيدرالي الإثني لتعود إثيوبيا دولة مركزية، وهو ما قوبل برفض التيجراي. وقال إدريس الطويل إنه إذا انتصر آبي أحمد في هذه الحرب لن يكون انتصارًا كاملًا، مثلما حدث في إقليم أوجادينيا حينما تمرد حاكم الإقليم وحُسم الأمر وقتها من قبله، ولكن ستستمر الحرب حتى وإن كانت غير مسلحة، خصوصًا أن جبهة تيجراي لها ذيول كثيرة وقيادات تتبعها وتؤمن بسياساتها. وذهب الباحث السوداني عبد الجليل سليمان، إلى أن الصراع الدائر في إثيوبيا حاليًا له بُعد أيديولوجي وهو ما يتضح في توجهات آبي أحمد نحو الليبرالية الجديدة، وهذا التوجه هو الذي دفعه للالتفاف حول المادة 39 من الدستور الإثيوبي الخاص بالفيدرالية العرقية، في محاولة لإلغائه، ولكن هذه الطريقة لن تُجدي نفعًا، وفق قوله. واعتبر سليمان أن أمد الحرب لن يطول كثيرًا في ظل الإدانات الدولية لجبهة تحرير تيجراي، إلى جانب أن هناك مبادرة طرحها رئيس إقليم تيجراي لإجراء مفاوضات مع رئيس الحكومة آبي أحمد، ومن المتوقع أن يوافق عليها الأخير، مشيرًا إلى أن الحرب داخل إثيوبيا ستؤثر بلا شك في أمن البحر الأحمر وهي منطقة مهمة للعالم كله، وهناك شعوب ستتأذى من جراء تلك الحرب. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] المشاركون في ندوة ذات مصر[/caption]

السودان وتدفق اللاجئين

ووجد الصحفي والمحلل السوداني عبد الرحمن فاروق، أن السودان قد يكون له دور بارز كوسيط لتسوية الصراع الحالي بين تيجراي والحكومة الإثيوبية، خصوصًا بعد أن امتد الأمر إلى إطلاق عدة صواريخ على العاصمة الإريترية، ولكن هذا التدخل مرهون بموافقة آبي أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفورقي. وسيكون السودان الأوفر حظًّا في ما يخص الوساطة، باعتبار أن السلطة السودانية الحالية على علاقة جيدة مع الجانب الإثيوبي والرئيس الإريتري، لكن سيكون موقف السودان بالتدخل في إثيوبيا أقوى، إذا صاحبه تحرك من الاتحاد الإفريقي بمبادرة أشبه بما حدث في السودان بعد فض اعتصام القيادة العامة في 2019 على أثر الاحتقان بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، فقد قدم الاتحاد مبادرة ولكن الوسيط السياسي المحوري فيها كان إثيوبيا. وتوقع فاروق أن تتحرك أطراف دولية أخرى لاحتواء الموقف في إثيوبيا وأهمها الاتحاد الأوروبي، وعلى أثرها ستنتهي الحرب، وهو ما سيسهم في إخماد مشكلة أخرى تنامت في السودات على أثر الحرب في إثيوبيا وهي مشكلة تدفق اللاجئين الإثيوبيين إلى شرق السودان، والذين وصل عددهم إلى ما يقرب من 25 ألف لاجئ وفق الإحصاءات الرسمية، وهذا التدفق يمثل خطورة كبيرة على السودان خصوصًا في ظل النزاع غير الرسمي في منطقة شرق السودان (ولاية القضارف) بين عناصر من الشرطة الإثيوبية وبعض المزارعين السودانين حول الأراضي الزراعية. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] الجيش الإثيوبي[/caption]

سد النهضة

في رأي الباحث السوداني عبد الجليل سليمان، فإن اكتمال السد سيكون أمرًا صعبًا حال استمرار الحرب، فضلاً عن أن جبهة تيجراي ربما تتخذ قرارًا بضرب السد التي وضعت حجر الأساس له منذ أن كانت في السلطة، ولكن بشكل عام يتوقع أن تذعن إثيوبيا للمفاوضات تحت ضغوط دولية وخصوصًا من الجانب الأمريكي. واتفق معه في الرأي الصحفي الإريتري حسن إدريس الطويل، الذي رأى أنه باستمرار الحرب أو توقفها سيوافق آبي أحمد على الكثير مما طُرح خلال مفاوضات سد النهضة في الفترة الماضية وستُحَل الأزمة نهائيًّا. واعتبر المحلل السياسي الإريتري محمود أبو بكر أن مشروع سد النهضة يستخدمه طرفا النزاع في إثيوبيا سياسيًّا بعدما أصبح بمثابة مشروع قومي للإثيوبيين ككل، فجبهة تيجراي تحاول إثبات أن آبي أحمد يسعى للتنازل عن الحقوق الإثيوبية في السد لصالح مصر، ومن ناحيتها تتهم الحكومة الإثيوبية مصر بدعم التيجراي في نزاعها الداخلي، ولكن عمومًا فإن استمرار الحرب سيعطل وتيرة بناء السد.