بالسودان نبدأ.. روسيا تتحرك إفريقيا: مركز إمداد لربع قرن

  لتعزيز وجودها في منطقة القرن الإفريقي (الصومال، إرتيريا، جيبوتي، إثيوبيا) بشكل خاص، وقارة إفريقيا عمومًا، تسعى روسيا مؤخرًا لتصبح من أهم اللاعبين في المنطقة إلى جانب القوى الكبرى الموجودة هناك، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والصين، ومن هذا المنطلق أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني، مصادقته على مقترح الحكومة الروسية الخاص بتوقيع اتفاق مع الخرطوم حول إنشاء مركز إمداد مادي فني لقوات الأسطول الحربي البحري الروسي في أراضي السودان (قاعدة دعم لوجيستية)، ووجه وزارة الدفاع الروسية بإنشاء المركز. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] بوتين[/caption]

لماذا السودان؟

ووقع اختيار روسيا على السودان تحديدًا، نظرًا إلى الأهمية الجيوسياسية للمنطقة، وكذلك وجود قواعد عسكرية لـ16 دولة من ضمنها 7 دول كبرى في منطقة القرن الإفريقي. فجيبوتي فقط تضم قواعد عسكرية للولايات المتحدة وألمانيا، والصين، واليابان، وإيطاليا، وفرنسا، وبريطانيا. وتنشد روسيا من هذا الاتفاق تزويد أسطولها بالوقود وتأمين التصليحات واستراحة أفراد طواقم البحرية الروسية، ومن المقرر أن يمتد الاتفاق لمدة 25 سنة قابلة للتجديد تلقائيا لفترة 10 سنوات متتالية، وأكد الطرفان على أن المركز اللوجيستي الروسي في السودان يحمل طابعًا دفاعيًّا ويتوافق مع أهداف الحفاظ على السلم والاستقرار في المنطقة. ووفقًا لمسودة الاتفاق مع الخرطوم، التي صادق عليها رئيس الوزراء الروسي، ستقدم روسيا للسودان مجانًا أسلحة ومعدات عسكرية بهدف تنظيم الدفاع الجوي للمركز اللوجيستي المقترح، وسيتولى الجانب الروسي بناء المنشأة، ووضع المعدات اللازمة، وتنفيذ أعمال التحديث أو الإصلاح، وصيانة القاعدة على نفقته الخاصة. وستنشئ روسيا القاعدة في الضاحية الشمالية لمدينة بورتسودان على البحر الأحمر، بحسب الإحداثيات الجغرافية المذكورة في المسودة، ويمكن أن تستقبل هذه القاعدة 300 عسكري وموظف مدني كحد أقصى، وكذلك 4 سفن بما في ذلك مركبات تعمل بالطاقة النووية، وبموجب الاتفاق أيضًا يحق لروسيا أن تنقل عبر مرافئ ومطارات السودان "أسلحة وذخائر ومعدات" ضرورية لتشغيل هذه القاعدة البحرية. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] بورتسودان[/caption]

توسيع نفوذ

تأتي هذه القاعدة في إطار التقارب العسكري الروسي السوداني خلال الفترة الأخيرة، والذي تمثل في توقيع اتفاق عسكري بين موسكو والخرطوم في مايو/ أيار 2019، لتسهيل دخول السفن الحربية إلى موانئ البلدين، وبموجب هذه الاتفاقية، سيتبادل الطرفان الآراء والمعلومات حول القضايا العسكرية والسياسية، وقضايا تعزيز الثقة المتبادلة والأمن الدولي، وفي 28 يناير/ كانون الثاني 2019 أقر الكرملين وجود مدربين روس إلى جانب القوات الحكومية في السودان، في أثناء حركة الاحتجاجات ضد الرئيس السوداني وقتها عمر البشير، بخلاف توقيع اتفاق للتعاون في القطاع النووي في نهاية 2017. واستضافت روسيا في نهاية 2019 قمة "سوتشي"، وهي أول قمة روسية إفريقية - ضمت قرابة 40 رئيسًا إفريقيا، بحضور الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والمصري عبد الفتاح السيسي، رئيس الاتحاد الإفريقي آنذاك، وهدفت القمة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والعسكري. ورغم أن طريق موسكو لمنافسة الصين أو الغربيين قد يبدو طويل، فإن القاعدة السودانية لن تكون الوحيدة ضمن خطة روسيا للتوسع في إفريقيا، بل تعتزم إنشاء قواعد عسكرية في عدة دول أخرى، حيث أخذت تصاريح لإقامة قواعد. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] قطع بحرية عسكرية[/caption]

توقيت محسوب

ويأتي الإعلان الروسي عن القاعدة العسكرية في السودان في وقت يخدم المصالح الروسية، في ظل حالة الغموض التي تسيطر على السياسية الأمريكية في الوقت الحالي بعد إعلان وسائل الإعلام العالمية فوز جو بايدن برئاسة البيت الأبيض، تجاه الشرق الأوسط، ولعل الكرملين استغل هذا الأمر لإعلان الخطوة، وفق حديث أستاذ العلاقت الدولية، أيمن سمير، إلى "ذات مصر"، بجانب أن هناك تقدير موقف من الجانب الروسي بأن مجيء الرئيس الأمريكي جو بايدن سيتبعه المزيد من الانسحابات العسكرية الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط ومنطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي. وبحسب سمير، فإن الانسحاب الذي تتبعه واشنطن من عدة مناطق حاليًّا، في ظل قرار الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، قبل أيام، بسحب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان قبل بداية العام الجديد، ينبثق من سياسية أمريكا المُسماه بـ "الاستدارة شرقًا" تحدثت عنها هيلاري كلينتون مرشحة الرئاسة في عام 2016 عن الحزب الجمهوري، وتفضي هذه السياسية إلى خروج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، ونقل الثقل العسكري لها نحو الصين والتحديات الجديدة في آسيا. وربما شعرت روسيا بأنه على أثر هذه القرارات والسياسية الأمريكية المُتبعة، لن يكون هناك غضب أو إلحاح أمريكي على السودان لتقويض إنشاء القاعدة العسكرية الروسية، لأنها من البداية لم تعد ترغب في الوجود بالمنطقة، فضلاً عن حلم روسيا في توسيع نفوذها في منطقة البحار الدافئة عمومًا وتعظيم نفوذها في إفريقيا، وفق سمير، بالإضافة إلى أن روسيا الآن تقدم مساعدات أمنية لعدة دول إفريقية من خلال قواتها العسكرية التي تسمى "فاجنر" التي اشتهرت مؤخرًا في القتال إلى جانب النظام السوري في سوريا. [caption id="" align="aligncenter" width="900"] أيمن سمير[/caption] واعتبر أستاذ العلاقات الدولية أن روسيا ترغب في أن يكون لها موطئ قدم حقيقي في منطقة البحر الأحمر وإفريقيا، خصوصًا وأنها تنظر إلى القارة على اعتبارها منطقة "المغارم والمغانم"، بمعنى أنه بوجودها هناك تسهم في تحجيم التحركات الإرهابية كتنظيمات داعش والقاعدة وبوكوحرام، كما أنه وجود سيسهم على المستوى الاقتصادي في تحقيق مكاسب عدة لروسيا من خلال الترويج لمنتجاتها، تحديدًا العسكرية، كما أن سوق المواد الأولية في إفريقيا ستكون مفتوحة أمامها على مصراعيها. ومستقبلاً، يرى سمير أن طموحات موسكو لن تتوقف عند القاعدة السودانية فقط، بل ستسعى لتكون لها قواعد أخرى في عدة بلدان عربية وإفريقية، في ظل علاقتها الجيدة مع العديد من الدول في هذه المنطقة، ولكن هذه العلاقة لا ترقى إلى حجم الإمكانيات التي تمتلكها وريثة الاتحاد السوفييتي.