اليونان تنوي شراء "إف 35" لمواجهة تركيا: حرب؟ إنها مسألة وقت

  يبدو أن اليونان بدأت في استشعار الخطر في ظل تصاعد التوترات بينها وبين تركيا على خلفية محاولة تنقيب الأخيرة عن الغاز قرب سواحل أثينا، ما دفع أثينا للإعلان، قبل يومين، عن اعتزامها شراء 24 مقاتلة من طراز "إف-35" من الولايات المتحدة، سعيًا لاكتساب مزايا في مواجهة أنقرة في بحر إيجه. وإلى جانب إف- 35، تعتزم الحكومة اليونانية شراء 18 طائرة فرنسية متعددة الأغراض طراز "رافال"، كما أنه من المنتظر أن تشتري 4 فرقاطات جديدة مع تحديث 4 فرقاطات أخرى من إنتاج ألمانيا، وستزيد أثينا من مخزونها من الصواريخ المضادة للطائرات والطوربيدات وأنواع الذخيرة الأخرى. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] بحر إيجه[/caption] يأتي هذا الإعلان الذي يوحي بأن صدامًا عسكريًّا بين البلدين يلوح في الأفق، تزامنًا مع التهديدات التي أطلقها رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، خلال الدورة السنوية السادسة والستين للجمعية البرلمانية لحلف الناتو في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، بلجوء بلاده إلى محكمة العدل الدولية إذا عجزت عن تسوية الخلافات مع تركيا بشرق المتوسط، في إشارة إلى الحوار الذي تلتزم أثينا بإجرائه مع أنقرة. وعكفت اليونان منذ سبتمبر/ أيلول الماضي على تنفيذ برنامج تسليحي، على خلفية هذه التوترات، وقال المتحدث باسم الحكومة اليونانية، إن بلاده تعتزم شراء أسلحة وتعزيز الجيش وتحديث صناعتها الدفاعية، وسط تصاعد التوتر مع تركيا بسبب التنقيب عن موارد الطاقة في شرق البحر المتوسط. وما يعظم من فكرة الصدام المحتمل بين أنقرة وأثينا، تصريح أطلقه زعيم حزب الحركة القومية التركي -حليف أردوغان- دولت بهجلي، في مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي، حذر فيه من أن الحرب مع اليونان أصبحت مسألة وقت، بعد أن قامت القوات البحرية المتنافسة باستعراض القوة في المياه المتنازع عليها بين قبرص وكريت، وأن خطط اليونان لتوسيع مياهها الإقليمية بمقدار 12 ميلاً ستثير "نزاعًا دمويًا". [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] مقاتلات f35[/caption]

بدايات الصراع

تعود بداية الأزمة بين الدولتين العضوتين في حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى عام 2017، حين شرعت تركيا في عمليات تنقيب في مناطق تابعة لقبرص في البحر المتوسط، وأطلقت سفينة "خير الدين بربروس باشا"، لتنفذ هذه المهمة ثم أعقبتها عمليات تنقيب أخرى قرب السواحل اليونانية، على اعتبار أن أنقرة لها الحق في التنقيب عن الغاز الطبيعي في هذه المناطق، في حين أن اليونان تتهمها بالتنقيب عن احتياطات غاز بنحو غير مشروع في مياه تتبع جزرًا يونانية، ولكن أنقرة تنفي هذه الاتهامات وتقول إن المياه التي تنقب فيها تعود إلى الجرف القاري لتركيا. من منطلق هذه الأزمة، دأبت كل من تركيا واليونان خلال الشهور الماضية على إجراء مناورات بحرية عسكرية في منطقة شرق البحر المتوسط في محاولة لاستعراض القوة، سواء أكانت هذه المناورات فردية أم بالاشتراك مع دول أخرى، مثل مشاركة القوات البحرية في كل من الإمارات وفرنسا مع اليونان في بعض هذه المناورات. وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، وافقت تركيا واليونان على إجراء محادثات حول حقوق التنقيب في منطقة متنازع عليها في شرق المتوسط، وحثّت فرنسا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الدخول في مفاوضات وعدم اتخاذ أي إجراء من شأنه تصعيد الموقف.

أطراف دولية

وأمام ما تنتهجه تركيا من استفزازات في منطقة شرق المتوسط، لم تجد أطراف دولية عدة بُدًّا من التدخل في محاولة لإنهاء الأزمة، وفي مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، هدد الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على تركيا بسبب "أعمال استفزازية وضغوط" تمارسها أنقرة في ظل خلاف مع اليونان بشأن موارد الطاقة والحدود البحرية، وأصدر قادة الاتحاد إعلانًا يحذر تركيا من أن بروكسل قد تفرض عقوبات عليها إذا لم توقف عمليات التنقيب في المياه الإقليمية لجزيرة قبرص واليونان، ودعاها لإجراء محادثات، ما لاقى ترحيب اليونان وقبرص. وقبل ذلك بشهر تقريبًا، دعا حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى إجراء حوار بين البلدين للتوصل إلى تفاهمات للحيلولة دون صدام محتمل بين الطرفين اللذين يتمسك كل منهما بموقفه في ما يخص النطاق البحري لعمليات الاستكشاف والتنقيب عن الغاز في المنطقة، ولكن هذا الاجتماع لم يُفضِ إلى أي تفاهمات. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] الحدود بين اليونان وتركيا[/caption] اليونان.. أم تركيا؟ يتضح من الأرقام أن موازين القوى العسكرية بين البلدين تميل أكثر تجاه تركيا، وفق المقارنة التي أجراها موقع "جلوبال فاير باور" المتخصص في الشؤون العسكرية، على موقعه بين البلدين، وأظهرت هذه المقارنة تقدم تركيا من حيث الترتيب العالمي للجيوش، وجاءت في المرتبة 11 من ضمن 138 دولة، وجاءت اليونان في المرتبة 33 عالميًّا، فضلاً عن وجود تباين في حجم القوة العسكرية بين أنقرة وأثينا من حيث حجم الإنفاق على المعدات الدفاعية وأعداد القطع العسكرية برًّا وبحرًا وجوًّا. ودون شك، فإن طائرات إف 35 ستمثل إضافة للقوة العسكرية اليونانية، وحال موافقة الولايات المتحدة على هذه الصفقة، سيكون بمنزلة دعم من واشنطن لأثينا في مواجهة الأطماع التركية. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] مقارنة بين القدرات العسكرية لتركيا واليونان[/caption] ولكن أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية، ليلى نقولا، استبعدت في حديثها إلى "ذات مصر" أن تتطور الأزمة بين اليونان وتركيا إلى صدام عسكري مباشر، على خلفية التنقيب عن الغاز الطبيعي في شرق المتوسط، وأن لجوء اليونان للتسليح يأتي من باب الدفاع وليس الهجوم، وفي رأيها أن الرئيس التركي أردوغان يحاول أن يدفع الأمور لبعض المناوشات لكي يجني منها بعض التنازلات من اليونانيين، ولكن هذا الأمر في منتهى الخطورة لأنه يعمل على إحداث شرخ في حلف الناتو، الذي تتمتع الدولتان بعضويته. [caption id="" align="aligncenter" width="800"] ليلي نقولا[/caption] وبموجب معاهدة الدفاع المشترك في الحلف، يتحتم على الدول الأعضاء دعم أي دولة تتعرض لعدوان، وفي ظل عضوية الدولتين في الحلف وقول اليونان إن تركيا تعتدي على حقوقها، سيكون الأمر بمثابة إحراج للحلف عامة، لذا سيسعى الحلف لإنهاء الأزمة عن طريق الحلول الدبلوماسية. ولفتت إلى أن دول الاتحاد الأوروبي كذلك ستساند اليونان في هذه الأزمة، خصوصًا في ظل عدم اعتراف تركيا بقانون البحار لعام 1982، فضلاً عن المستجدات على الساحة الدولية بعد مجيء بايدن على رأس القيادة في الولايات المتحدة والتي سيكون لها أثر على هذه الأزمة، وفي اعتقادها سيحاول الرئيس الأمريكي أن يكون متوازنًا في علاقاته مع الاتحاد الأوروبي، وهو أمر سيصب في صالح اليونان، على عكس ترامب الذي طالما غض الطرف عن تصرفات الرئيس التركي أردوغان.