صحافة تونس تواجه الحكومة: شارة حمراء واحتجاج ثم إضراب عام

  أبواب موصدة في وجه إجابات مبهمة.. إلى هنا انتهى التفاوض بين النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين من جانب، وحكومة هشام المشيشي من الجانب الآخر، بعدما ماطلت الثانية كثيًرا في تفعيل الاتفاقية الإطارية بينهما، فعزم الأول على رفع راية الاحتجاج من خلال سلسلة تحركات تبدأ اعتبارًا من الاثنين 23 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي حتى العاشر من ديسمبر/ كانون الأول المقبل. يشار إلى أن الاتفاقية الإطارية المشتركة، تم توقيعها بين النقابة الوطنية لصحفيي تونس، وحكومة يوسف الشاهد الذي فوّض صلاحياته لوزير الوظيفة العمومية كمال مرجان بصفة مؤقتة، بهدف التفرغ لحملة الانتخابات الرئاسية، لكن الحكومة الحالية تماطل في تنفيذ الاتفاقية التي تجاري الحركة الصحفية العالمية في صياغة بنود واضحة تستهدف توفير أحسن الظروف الاجتماعية والاقتصادية للصحفيين التونسيين كنظرائهم إقليميًّا ودوليًّا. النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين أعلنت في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، عقب اجتماع للمكتب التنفيذي للنقابة، الدخول في سلسلة تحركات احتجاجية للمطالبة بالحقوق المشروعة للصحفيين تبدأ بـ"حمل الشارة الحمراء يوم الاثنين 23 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي حتى الخميس 26 من نفس الشهر الذي اختير يوم غضب تتخلله وقفات احتجاجية بساحة الحكومة بالقصبة وفي مختلف الجهات بداية من الساعة 11 صباحًا، يليها تجمع بمقر النقابة"، وأخيرًا "الدخول في إضراب عام في قطاعي الصحافة والإعلام يوم الخميس 10 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، والذي يتوافق مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان".

مطالب النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين

لخص صحفيون تونسيون تقييمهم للمشهد في عبارات: "لم تفِ الحكومة بتعهداتها.. بل تعادي حرية الإعلام وحقوق الصحفيين، كأنها تستهدف ضرب الحق النقابي من خلال المماطلة في عدم نشر الاتفاقية الإطارية المشتركة للصحفيين رغم قرار المحكمة الإدارية بالنشر الاستعجالي لهذه الاتفاقية ومرور أكثر من أسبوع على صدور هذا الحكم". في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، أصدرت الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية التونسية، قرارًا استعجاليًّا في الدعوى المرفوعة ضد رئيس الحكومة، لنشر نص الاتفاقية المشتركة للصحفيين التونسيين الموافق عليها بمقتضى قرار وزير الشؤون الاجتماعية المؤرخ بتاريخ 30 إبريل/ نيسان 2019، بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية- الجريدة الرسمية. [tie_slideshow] [tie_slide] حكم المحكمة بنشر نص الاتفاقية في الجريدة الرسمية1[/tie_slide] [tie_slide] حكم المحكمة بنشر نص الاتفاقية في الجريدة الرسمية2[/tie_slide] [tie_slide]  حكم المحكمة بنشر نص الاتفاقية في الجريدة الرسمية3[/tie_slide] [tie_slide] حكم المحكمة بنشر نص الاتفاقية في الجريدة الرسمية 4[/tie_slide] [tie_slide] حكم المحكمة بنشر نص الاتفاقية في الجريدة الرسمية 5[/tie_slide] [/tie_slideshow]   لكن تلك التحركات الغاضبة لا تستهدف نشر الاتفاقية الإطارية فحسب، بل إن الصحيفيين ونقابتهم الوطنية يطالبون بـ"الإسراع في تنفيذ قرار إلحاق إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم بالإعلام العمومي ووضع إستراتيجية واضحة في التعامل مع المؤسسات الإعلامية المصادرة التي تعاني من تدهور ومديونية، ما عطل مسار التفويت فيها وصار يهدد وجودها"، فضلاً عن المطالبة بـ"الشروع في إصلاح شامل وعميق لمؤسسات الإعلام العمومي وتسوية الوضعيات الهشة في كل من الإذاعة والتلفزة ووكالة تونس إفريقيا للأنباء، وفتح باب الترشحات لخطة رئيس مدير عام لمؤسسة الإذاعة التونسية، والإسراع في تنفيذ الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السابقة لدعم المؤسسات الإعلامية المتضررة من أزمة كوفيد-19". الصحفيون التونسيون يطالبون أيضًا بـ"الشروع في معالجة ملف خريجي معهد الصحافة العاطلين عن العمل عبر إدماجهم في مكاتب الإعلام بالبلديات والإدارات والوزارات التي تفتقر إلى ملحقين صحفيين، والانطلاق في مسار إدراج مادة التربية على وسائل الإعلام في المناهج التربوية وانتداب الصحفيين خريجي معهد الصحافة"، وأخيرًا "وقف التضييقات التي تمارس على الصحفيين في عديد الجهات، خاصة من الإدارات العمومية وعدد من الولايات، والتي تصل حد منعهم من ممارسة عملهم، ووضع آلية واضحة لتسهيل عمل مراسلي الإعلام الأجنبي لإنهاء معاناتهم التي تعمقت مع ممارسات الحكومة الحالية". هذه المطالبات الداخلية يصاحبها تأييد نقابي دولي، إذ بعث الاتحاد الدولي للصحفيين برسالة إلى رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي، في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، جاء نصها كالتالي: "نكتب لكم نيابة عن الصحفيات والصحفیین في تونس وفي جميع أنحاء العالم للتعبير عن قلقنا الشديد إثر مماطلة الحكومة التونسية في احترام تنفيذ إذن استعجاليّ صادر من المحكمة الإدارية التونسية يوم 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، والقاضي بنشر نص الاتفاقية المشتركة للصحفيين التونسيين بالرائد الرسمي، وهو ما يعتبر إنكارا للعدالة من سلطة مخولة أساسًا بإنفاذ القوانين والسهر على احترامها، ما من شأنه أن يقوض تمامًا الثقة بين الحكومة والصحفيين التونسيين وهيكلهم النقابي". [caption id="" align="aligncenter" width="800"] رسالة أمين الاتحاد الدولي للصحافيين لرئيس الحكومة التونسية[/caption]

القصة الكاملة للاتفاقية الإطارية

كيف تحقق الاتفاقية الإطارية المبرمة بين النقابة العامة للصحفيين التونسيين والحكومة كل تلك المطالب؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال، تجدر الإشارة إلى أن النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين عكفت منذ أواخر 2015 على صياغة مسودة اتفاقية إطارية مشتركة للصحفيين، أسوة بالتوجه العام للحركة الصحفية العالمية، ورغبة منها في توفير أحسن الظروف الاجتماعية والاقتصادية للصحفيين التونسيين كنظرائهم إقليميًّا ودوليًّا، تضمن لهم الحصول على أجور محترمة تحفظ كرامة الصحفي، وظروف تشغيل مهنيّة ملائمة، وتكون وسيلة لحماية الحقوق المهنيّة والاجتماعية للصحفيين. واستمرت مناقشات مسودة الاتفاقية على مدار سنوات، حتى توقيعها رسميًّا في 9 يناير/ كانون الثاني 2019 بمقر رئاسة الحكومة بالقصبة بالعاصمة التونسية. ويلتزم بتنفيذ كل بنود تلك الاتفاقية، كل من النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية، ووزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، والجامعة التونسية لمديري الصحف، والغرفة الوطنية النقابية للقنوات التلفزية الخاصة، والغرفة الوطنية النقابية للإذاعات الخاصة، ومؤسسة التلفزة التونسية، ومؤسسة الإذاعة التونسية، ووكالة تونس أفريقيا للأنباء، والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري "الهايكا". وبالعودة للإجابة عن سؤال لماذا تماطل الحكومة في تنفيذ تلك الاتفاقية الإطارية الملزمة للجهات المعنية بها، قال صحفيون تونسيون لـ"ذات مصر" إن الحكومة تخشى من نشر تلك الاتفاقية والالتزام بتعهداتها، وهو ما بدا جليًّا في تصريحات عدة مسؤولين، آخرهم وزير الشؤون الاجتماعية، محمد الطرابلسي، الذي تحجج بعدم مطابقة الاتفاقية لمجلة الشغل -قانون العمل- وبقية القوانين في البلاد، راميًا بالكرة في ملعب المحكمة الإدارية لدراسة مدى تطابقها مع مجمل القوانين في البلاد. وقال الصحفيون إن هذه التصريحات مردود عليها بأن "تلك الاتفاقية صدرت بعد جلسات نقاش واستماع مطولة على مدى سنوات، وبحضور كل الجهات المعنية، حتى توقيعها رسميًّا"، كما أن التفقدية العامة للشغل ليست معنية بنظر الاتفاقيات ومراجعة القوانين، فضلاً عن أن المحكمة الإدارية أصدرت حكمها العاجل بالفعل، بإلزام الحكومة على نشر الاتفاقية في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية. واعتبر الصحفيون أن "عدم التزام الحكومة الحالية بالقرار القضائي يعد فضيحة دولة، وهو ما حدا بالنقابة إلى التصعيد كحل أخير في وجه كل تلك المماطلات". [caption id="" align="aligncenter" width="978"] وقفة احتجاجية لصحفيين بتونس[/caption]

لماذا تماطل الحكومة؟

وبرهن الصحفيون على معاداة الحكومة للإعلام والصحافة، بإقدامها -الحكومة- على سحب مشروع القانون الأساسي المتعلق بحرية الاتصال السمعي البصري من مجلس نواب الشعب بتاريخ 19 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قبل يوم من انعقاد الجلسة العامة المقررة للنظر في المبادرة التشريعية الخاصة بتنقيح المرسوم 116 لسنة 2011، المتعلّق بحريّة الاتصال السمعي والبصري"، والذي تولى تأسيس هيئة عليا مستقلة للاتصال السمعي والبصري (هايكا)، بعد نقاشات مطولة مع ممثلي المجتمع المدني والجهات المعنية، حتى صدر رسميًّا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011. وقال عضو النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، وجيه الوافي، في تصريحات صحفية مؤخرًا، إن الحكومة لا تحترم القانون عندما ضربت عرض الحائط حكم المحكمة الإدارية الملزم بتفعيل ونشر الاتفاقية الإطارية للصحفيين، رغم أنها السلطة المخولة أساسا بإنفاذ القوانين واحترامها.