صراع تيجراي وحكومة آبي أحمد.. الحرب على "موارد إثيوبيا" والغطاء سياسي

ذات مصر
  يبدو أن الأزمة في بلاد الحبشة لدى آبي أحمد تزداد صعوبة، وتتجه إلى أكثر من أنها خلاف سياسي، خصوصًا بعد المعارك الضارية بين الحكومة والجبهة الشعبية لتحرير تيجراي في إطار حملة رئيس الوزراء الإثيوبي العسكرية التي أطلقها قبل قرابة أسبوعين ضد إقليم تيجراي شمال البلاد، والتي كان آخر تطوراتها إعلان الحكومة أن قواتها أحكمت السيطرة على مدينة "آديجرات" اليوم السبت. وذكر مكتب لجنة حالة الطوارئ الحكومية في بيان نشره على حسابه بموقع "تويتر" أن مدينة آديجرات "حُررت بالكامل من ميليشيات الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي"، مضيفًا أن القوات الحكومية تواصل التقدم نحو مركز الإقليم مدينة ميكيلي الواقعة على بعد نحو 115 كيلومترًا. يأتي ذلك بعد إعلان الحكومة الإثيوبية مساء أمس، انتزاع قواتها مدينتي أكسوم وأدوا في الإقليم الواقع عند الحدود مع إريتريا والسودان.

لا وساطة

ووفقًا لما نقلته شبكة "روسيا اليوم" الإخبارية، اليوم، نفى المكتب اليوم مزاعم مفادها أن الاجتماعات التي سيعقدها رئيس الوزراء الإثيوبي مع مبعوثين لرئيس الاتحاد الأوروبي سيريل رامافوزا ستتناول وساطة بين حكومة أديس أبابا و"الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي".

آبي أحمد: سلامة شعب تجراي أهمية قصوى للحكومة

لاحقًا، أكد أحمد اليوم السبت، أن سلامة شعب تجراي تشكل أهمية قصوى لحكومته، متعهدًا باتخاذ جميع التدابير الضرورية لضمان الاستقرار في الإقليم، وأضاف في تغريدة عبر حسابه الخاص بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" أن "السلامة العامة لشعب تيجراي ذات أهمية قصوى للحكومة الفيدرالية"، مضيفًا: "سنفعل كل ما هو ضروري لضمان الاستقرار في منطقة تجراي"، كما أشاد بالانتصارات التي حققها الجيش مؤخرًا. ولفت رئيس الوزراء الإثيوبي إلى عودة الحياة الطبيعية للمدن التي سيطرت عليها الحكومة الفيدرالية، قائلاً إن الحياة أصبحت طبيعية في المدن التي سيطر عليها الجيش، وإن الشرطة الفيدرالية توفر الحماية الكافية للمواطنين بهذه المدن، واعدًا بضمان تلبية جميع الاحتياجات الإنسانية، من خلال تشكيل لجنة فيدرالية عليا تشرف على عمليات الإغاثة الإنسانية، وبعثات لتقصي الحقائق وإجراء تقييمات للاستجابة المناسبة لاحتياجات المواطنين في هذه المناطق. وأشار آبي أحمد إلى أن اللجنة بدأت بالفعل التنسيق مع الجهات المعنية، من أجل تسهيل وصول المساعدات وإعادة النازحيين إلى مناطقهم. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] الجيش الأثيوبي[/caption]

الموارد الاقتصادية أساس الأزمة

وفي تحليل لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، جاء أن النفوذ السياسي ليس السبب الأول للصراع الإثيوبي ولكنه يتمحور حول الموارد الاقتصادية في المقام الأول ومن بعده النفوذ السياسي في البلاد. وتقول المجلة إن محللين سياسيين يرون أن المصدر الرئيس للخلاف هي الاختلافات الأيديولوجية بين آبي أحمد وجبهة تحرير تيجراي، وأضافوا أن "الحرب بسبب الاقتصاد الإثيوبي وموارده ومليارات الدولارات التي تتلقاها البلاد سنويًّا من المانحين والمقرضين الدوليين"، في الوقت الذي أصبحت إدارة هذه الأمور بيد الحكومة المركزية بعدما كانت في يد جبهة التحرير لنحو 3 عقود من الزمان قبل أن يتولى آبي أحمد في إبريل/ نيسان 2018 رئاسة الحكومة. "أحمد يصر على استعادة السيطرة الاقتصادية على البلاد بأي ثمن كان".. بهذه الجملة لخصت المجلة تصرفات آبي أحمد في الفترة الأخيرة، مشيرة إلى أن "هذا ليس صراعًا حول من سيحكم الإقليم، فهي منطقة صغيرة ولا يمثل سكانها سوى 6% من إجمالي سكان إثيوبيا، البالغ عددهم 110 ملايين نسمة". [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] إقليم تيجراي[/caption]

التحكم في مفاصل الدولة

وفقًا لشبكة "سكاي نيوز" الإخبارية، فخلال السنوات الماضية كانت الجبهة تسيطر على كل المناصب السياسية، فمثلاً المدير الحالي لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس، كان عضوًا في قيادة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، وشغل منصب وزير الصحة لسنوات، كما كان جميع رؤساء المخابرات والقادة العسكريين في البلاد من الجبهة. وأدت القوة السياسية والعسكرية للجبهة إلى هيمنة اقتصادية، فقد مكنت قادتها من ممارسة السيطرة الكاملة على اقتصاد البلاد ومواردها الطبيعية. وفي السنوات الأخيرة، تلقت إثيوبيا 3.5 مليار دولار من المساعدات الخارجية سنويًّا، كما حصلت الحكومة التي تقودها الجبهة على مبالغ كبيرة من القروض من الدائنين في القطاع الخاص والحكومات، خاصة الصين، التي وصلت إلى 60% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد عندما تولى آبي أحمد السلطة، وفقًا للشبكة الإخبارية. وورث رئيس الوزراء الإثيوبي، الحائز على جائزة نوبل للسلام، احتياطيات ضئيلة من النقد الأجنبي، ما وضع حكومته تحت الضغط، واضطر إلى طلب تأجيل وإعادة التفاوض بشأن شروط هذه القروض من الدائنين. [caption id="" align="aligncenter" width="1000"] سكان تيجراي[/caption] وعلاوة على ذلك، فإن الدستور الذي أدخلته الحكومة بقيادة جبهة التحرير الشعبية لتحرير تيجراي عام 1994، سمح فقط بالملكية العامة للأرض، ما أعطى المسؤولين الحكوميين حق الوصول غير المقيد إلى موارد الأراضي الوفيرة في الأجزاء الجنوبية من البلاد، فعملوا على تأجير هذه الأراضي للمستثمرين الأجانب والمحليين بعقود طويلة الأجل، ما أدى إلى تكديس مليارات الدولارات في هذه العملية. ونقلت "سكاي نيوز" أنه بحلول 2011 أجَّرت إثيوبيا 3.6 مليون هكتار من أراضيها لمستثمرين أجانب، وهي مساحة تعادل مساحة هولندا، وكانت الجهة المستفيدة جبهة تيجراي. [caption id="" align="aligncenter" width="800"] آبي أحمد بالزي العسكري[/caption] ولم يتوقف الأمر على ذلك، فقد سيطرت الجبهة على قطاعات الاقتصاد الإثيوبي من خلال الشركات التابعة لتكتلها الضخم، صندوق الهبات لإعادة تأهيل تيجراي، وكانت إدارة الشركات الكبرى التابعة لهذا التكتل تحت سيطرة الجبهة.