"خراب مالي": الديون تُحاصر الاقتصاد العالمي

  في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، حطّمت الديون العالمية الأرقام القياسية، إذ بلغت نسبة الزيادة خلال الأشهر الفائتة 320%، وسجلت 272 تريليون دولار، بزيادة 15 تريليون دولار عن 2019. يأتي ذلك في ظل الأزمات الاقتصادية التي تُعاني منها الاقتصادات العالمية، بسبب جائحة فيروس كورونا التي ضربت العالم نهاية العام الماضي. ويُبيِّن تقرير معهد التمويل الدولي الصادر في نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، أن العالم يُعاني أسوأ ركود اقتصادي منذ 90 عامًا، متوقعًا انخفاض الاقتصاد العالمي 4.4% نهاية العام الحالي، ويُضيف أن أزمة الديون قد تتسبب في تدمير وإفلاس بعض الدول. ويُتابع تقرير المعهد أنه خلال 60 عامًا شهد العالم 4 موجات من الديون، انتهت 3 منها بأزمات تسببت في خراب مالي لبعض البلدان، مشيرًا إلى أن البنوك المركزية اتبعت سياسات مالية لا تتفق مع الواقع، ما أدى إلى الأزمة المالية الحالية. ويتوقع التقرير وصول إجمالي الدين العالمي إلى 277 تريليون دولار بنهاية 2020، أو ما يمثل 365% من الناتج المحلي الإجمالي عالميًّا، موضحًا أن الديون العالمية ليست جميعها بسبب فيروس كورونا، ولكن موجة الديون بدأت بالزيادة بداية من 2016. إلى ذلك، يكشف صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر في سبتمبر/ أيلول 2020، أن حجم النفقات المالية التي صرفها الاقتصاد العالمي لمواجهة أزمة فيروس كورونا بلغت 11.7 تريليون دولار، مضيفًا أن نسب الديون المرتفعة ستبقى حتى 2025. وقال فيتور جاسبار، مدير إدارة شؤون المالية العامة بالصندوق: "يبدو أن الطريقة الوحيدة لإخراج العالم من الديون هي المزيد من الديون"، مضيفًا أن المستويات المرتفعة للدين العام ليست الخطر الأكثر إلحاحًا، بل يجب استمرار الدعم حتى 2021 على الأقل، للحفاظ على التعافي والحد من المشكلات طويلة المدى. ويُشدد "جاسبار" على ضرورة الاستمرار في الضوابط المنظمة للإنفاق الاستهلاكي ودعم الصحة والتعليم، وذلك لمنع وقوع مزيد من الأفراد تحت خط الفقر، عن طريق زيادة الضرائب على الأشخاص والشركات الأكثر ثراءً، وإيجاد إيرادات جديدة، وجدولة أقساط الديون على مراحل، لتمرير الأزمة المالية. [caption id="" align="aligncenter" width="737"] انكماش اقتصادي[/caption] ويشرح الدكتور عبد المنعم السيد، رئيس مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، أن العالم يُعاني من أزمة ديون مرتفعة منذ 2016، ومع انتشار فيروس كورونا وتعطيله لأكثر من قطاع اقتصادي حيوي، زادت الديون، ونتج عن ذلك تراجع نسب النمو العالمي من 2.9% إلى 1% ثم سالب نصف بالمئة مع الربع الثالث من العام الحالي. ويُضيف السيد لـ"ذات مصر" أن حركة التجارة العالمية انخفضت إلى 12 تريليون دولار، مقارنة بـ19 تريليون دولار عام 2019، بتراجع 33%، فضلاً عن تقلص حركة رؤوس الأموال والاستثمار عالميًّا، موضحًا أن ذلك تسبب في استدانة بعض الدول، من الداخل أو الخارج، لتعويض خسائرها وتغطية احتياجاتها المالية. وتابع أن نسب النمو العالمي في الدول غالبها "سالب"، مشيرًا إلى تحقيق الاتحاد الأوروبي نسب نمو تراوحت بين سالب 2% إلى 0.5%، والولايات المتحدة سالب 0.5%، باستثناء 18 دولة، منها مصر، حققت نموًّا اقتصاديًّا إيجابيًّا. ويُشير إلى أن قطاعات "السياحة، والطيران، وبعض الصناعات" هي الأكثر تأثرًا بالأزمة المالية، موضحًا أن ذلك سيؤدي إلى خفض الإنفاق الحكومي على قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية والمرافق. ويعتقد رئيس مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية أن كثيرًا من الأفراد على مستوى العالم سيعانون من الخدمات السيئة خلال الشهور أو السنوات المقبلة، نتيجة الضغوط المالية على الاقتصاد العالمي. ويرى أن لقاح فيروس كورونا قد يُقلل الضغوط على الاقتصادات العالمية، مضيفًا أن بعض الاقتصاديات الناشئة والنامية تضغط على صندوق النقد والبنك الدولي ومجموعة العشرين من أجل إلغاء فوائد الديون، حتى تتمكن الدول من الالتزام بدفع أقساط الديون، وإلا سوف يتعرض بعضها للإفلاس، مختتمًا بقوله: "البنك الدولي قد يُضطر فعلاً إلى إلغاء فوائد الديون وبعض الأقساط عن الدول المتعثرة حماية لها من التعرض للإفلاس، والتي قد تُلحق أضرارًا كثيرة بالاقتصاد العالمي". [caption id="" align="aligncenter" width="716"] أزمة ديون[/caption] من جهته، يُظهر مركز S&P المتخصص في الاقتصاد، أنه خلال الفترة الماضية انخفض تصنيف 22% من شركات السندات المالية على مستوى العالم، وأنه من المرجح زيادة مخاطر الإفلاس بالنسبة إلى بعض الشركات المقترضة، إذا لم تعد التدفقات المالية لما قبل ظهور فيروس كورونا. ويتوقع المركز في تقرير مطول صادر في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تخلف نسب كبيرة من الشركات والاقتصاديات عن سداد ديونها، إذ ستبلغ نسبة التخلف عن السداد في الولايات المتحدة 12.5%، وفي أوروبا 8.5%، وعلى المستوى العالمي 4.9%. وتفاديًا لذلك، سوف يبدأ بعض الحكومات في تقليل الإنفاق المالي وضغط الموازنات العامة، وممارسة سياسة التقشف. ويستبعد التقرير حدوث أزمة ديون قصيرة الأجل، مستندًا إلى افتراض استمرار تعافي الاقتصاد العالمي، وإن كان متقطعًا، مشيرًا إلى أنه مع تعديل الإنفاق والإقراض الحكومي للدول، واستمرار التمويلات المالية والدعم للشركات، وإتاحة لقاح فيروس كورونا على نطاق واسع العام المقبل، فإن العالم قد يبدأ في التعافي. ومن المتوقع أيضًا قدرة البنوك الكبرى على استيعاب صدمة خسائر الائتمان الناتجة عن عامي 2020 و2021، وبالتالي أن تتوافر لديهم القدرة على العودة إلى الإقراض بداية من 2023، بحسب تقرير  مركز S&P، الذي توقع أن تبلغ خسائر البنوك الائتمانية خلال 2020/ 2021 إلى 2.1 تريليون دولار.